قبرص ـ وكالات
مع إعلان دولة قبرص إفلاسها المالي هناك من يعتقد أنه من السهل الحفاظ على السيولة المالية في مثل هذا البلد الصغير. لكن تأجيل النظر في ورطة قبرص المالية يوحي إلى وجود مخاطر قد تهدد كيان منطقة اليورو برمتها.يعيش في جزيرة قبرص حوالي 800 ألف نسمة، وتحقق حركة الإنتاج الاقتصادي لقبرص 18 مليار يورو سنويا، ما يعادل 0،15 في المائة فقط من مجموع قوة الإنتاج والخدمات المحصلة سنويا في منطقة اليورو. وقد تدفع هذه الأرقام إلى الاعتقاد أنه من السهل للغاية مساعدة هذه الدولة الصغيرة في الخروج من أزمتها المالية لإنقاذ الوحدة النقدية الأوروبية، لاسيما وأن قبرص بحاجة إلى 17 مليار يورو فقط حتى يمكنها استعادة عافيتها المالية. ويعتبر هذا المبلغ فعلا مبلغا صغيرا بالنظر إلى الاستعدادات الأوروبية لدفع 240 مليار يورو أو أكثر في سبيل إخراج اليونان من أزمتها المالية.لكن هذا المبلغ المالي الهزيل تحديدا هو الذي يعكس الوضع السيئ والمحرج لقبرص، لأن 17 مليار يورو تعادل تقريبا قيمة الناتج الإجمالي المحلي للبلاد. وفي حال تلقي قبرص قروضا على أساس الالتزامات المالية القائمة، فإن نسبة ديونها سترتفع إلى 180 في المائة مقارنة مع الناتج الإجمالي المحلي، وهي نسبة لا توجد في أي بلد أوروبي آخر.احتجاجات اجتماعية في أنحاء مختلفة من أوروبا بسبب أزمة اليورومن بين أسباب الأزمة: التراخي في إجراءات الإصلاحويعكس الوضع القائم في قبرص مزيجا من الإشكاليات المطروحة أيضا في كل من اليونان وإيرلندا. فالميزانية المنهكة والمؤسسات المتعثرة تذكر بالوضع السيئ القائم في اليونان. كما إن مبالغ الموازنة للمصارف القبرصية تعادل تسع مرات قيمة الإنتاج الاقتصادي للبلاد في السنة الواحدة. ويقول نكولاوس هاينين الخبير في البنك الألماني بأن "قبرص لديها قوانين تنظيمية مالية هشة أدت إلى تدفق كميات كبيرة من المال اليها. والقبارصة أهملوا بسبب هذه السيولة المالية تنفيذ الإصلاحات وتجديد المؤسسات ما أوصلهم في النهاية إلى هذا الوضع المتردي".ولكي يبقى مستوى الديون في درجة يمكن تحملها، يوصي صندوق النقد الدولي بشطب للديون كما هو الحال بالنسبة لليونان. وتشمل هذه الفكرة أن يتخلى المستثمرون عن جزء من مطالبهم تجاه قبرص، غير أن دول منطقة اليورو ترفض ذلك رفضا قاطعا، لأنها أكدت قبل عام أن اليونان تظل حالة استثنائية وحيدة، وهي لا تريد التسبب في فزع الجهات المانحة لقبرص، وبالتالي سيكون الرجوع إلى دافعي الضرائب هو الحل الوحيد لمساعدة قبرص من الخروج من الأزمة. مثل هذا التوجه يجعل الوحدة النقذية الأوروبية تواجه أزمة أخلاقية. فإجراءات المراقبة المالية المتراخية ونسبة الضريبة المنخفضة المفروضة على الشركات في الاتحاد الأوروبي هي التي ساهمت في تدفق أموال روسية الى الجزيرة. وتفيد الاستخبارات الألمانية أن 26 مليار دولار تم تحويلها من روسيا إلى بنوك قبرصية، ولذلك فإن الحكومة الألمانية تربط مساعداتها المالية لقبرص بضرورة تقديم وعود ملموسة لمكافحة غسيل الأموال. وتنفي سلطات نيقوسيا تورطها في أي عملية لغسيل الأموال، كما أنها ترفض طلبات القيام بإصلاح صارمة، لاسيما فيما يتعلق بخصخصة بعض المؤسسات أو القطاعات الحيوية. وطبعا تساهم كل هذه النواقص في تأخير المفاوضات بين قبرص والجهات المانحة، والمثير للانتباه هو أن القبارصة متريثون وكأنهم غير مهتمين بالخروج من الأزمة المالية.دميتريس كريستوفياس، رئيس قبرص خلال مؤتمر صحفيوفي هذا الإطار يلاحظ خبير البنك الألماني نكولاوس هاينين أن الحالة السائدة في قبرص تعود لسببين رئيسيين، فالبنك الوطني القبرصي يدعم النظام المالي عبر مساعدات السيولة الطارئة. ولشرح ذلك بعبارة أخرى يمكن القول بأن البنك الوطني القبرصي يصدر أوراقا نقدية إضافية بموافقة من البنك المركزي الأوروبي للحفاظ على مكانة البنوك والدولة. كما إن حكومة نيقوسيا تدرك أنه في حال تأزم الوضع أنها ستحصل على المساعدة الضرورية لتفادي عدوى قد تصيب دولا أوروبية أخرى. ويقول الخبير الألماني هاينين إن القبارصة " يتعاملون مع استقرار النظام المالي في منطقة اليورو كرهينة، ويحاولون عبر سياسة التأجيل انتزاع شروط أفضل لهم في التفاوض مع الجهات المانحة".وأمام هذه المعطيات تكون الوحدة النقدية الأوروبية خاضعة للابتزاز من زاويتين، أي من جانب الدول الضعيفة داخل هذه الوحدة ومن المانحين في تلك الدول التي تريد فرض إجراءات الإنقاذ بأي ثمن حتى لا يخسروا أموالهم. ولهذا السبب بالذات نجد هانس فرنير زين رئيس معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ يوصي بعدم إنقاذ قبرص " حتى يدرك المستثمرون أنه يمكن الوقوع في الخسارة إذا اسُتثمرت الأموال في موضع خاطئ".غير أن المسؤولين السياسيين لن يعملوا بهذه النصيحة، فلا أحد يشك في إمكانية تبني خطة إنقاذ خاصة بقبرص المقبلة على انتخابات رئاسية. وُيذكر في بروكسيل أنه من المنتظر أن تتم هذه الانتخابات مطلع شهر مارس المقبل قبل الحسم في الأزمة المالية. ويقول الخبير في الشؤون المالية من البنك الألماني نكولاوس هاينين إن جهود إنقاذ قبرص من أزمتها المالية قد تكون لها انعكاسات قانونية في ألمانيا، "لأن آلية الاستقرار الأوروبية لا يحق لها التحرك سوى في حال إن هددت الأزمة المالية استقرار منطقة اليورو برمتها. بالنسبة لقبرص ليس هذا واضحا. وقد يدفع هذا الوضع مجددا بعض المناهضين لليورو في ألمانيا إلى رفع شكاوى لدى محكمة الدستور الألمانية للطعن في إجراءات الإنقاذ الأوروبية لصالح قبرص.