جنيف - كونا
اكد استاذ الاقتصاد ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب اليوم ان منطقة اليورو لا يمكن أن تتفكك نظرا لفداحة الثمن الذي ستتكبده أية دولة تنوي الانسحاب ولكنه شدد على ضرورة تطوير مؤسسات الاتحاد الاوروبي. وأكد شواب في تحليل له حصلت وكالة الانباء الكويتية "كونا" على نسخة منه ان العملة الأوروبية الموحدة "يورو" تمكنت بالفعل من تحقيق مكاسب اقتصادية عظيمة خلال الفترة الماضية. في الوقت ذاته عدد شواب تلك النجاحات في انها تمثلت في تخفيف أخطار تحويل العملة وخفض التضخم والمساهمة في زيادة التعاملات التجارية بين دول منطقة اليورو واحكام ربط الأسواق المالية الأوروبية بعضها ببعض ودعم تكامله. ولفت الى ان تواجد العملة الاوروبية الموحدة ساهم في تأسيس ثقافة نقدية ثابتة ومتينة في منطقة اليورو وهي نقطة على درجة عالية من الأهمية عادة ما يتم اغفالها في النقاشات الدائرة هذه الأيام. وطالب شواب جميع القادة الأوروبيين بضرورة "ادراك حقيقة أنه لا مجال للتراجع الآن عن اليورو بعد ان تم رفع جسر العودة من خلفهم وما عليهم اليوم الا أن يصبوا تركيزهم وجهودهم على التأهب للمرحلة القادمة مع الوعي التام بأن سبيل انجاح المشروع الأوروبي أمر مرهون فقط بتحقيق النجاح". في الوقت ذاته حث قادة دول الاتحاد الاوروبي على "العمل بجد لتأسيس أربعة اتحادات أخرى متصلة بالشؤون المالية تشمل وحدة النظام المصرفي ووحدة الشؤون المالية ووحدة التنافسية وتقريب وجهات النظر ووحدة أخيرة تجمع النوايا والأهداف نحو تحقيق الوحدة السياسية". وشرح اهمية هذه الخطوة بصفتها "جزءا من مسيرة تطوير مؤسسات اوروبا التي لا يمكن تصور بقائها دون تحديث يقوم على أساس جمع شمل الدول الأوروبية تحت مظلة القيم والمبادئ المشتركة". ووضع الخبير الاقتصادي العالمي شروطا لتحقيق استدامة عمل ونجاح هذه الوحدات أو الاتحادات اهمها ان "تعمل القارة بأكملها بأسلوب جماعي لاعادة ضم ودمج الشباب في برامجها والخروج بمثالية رمزية تستحق القتال من أجلها اذ ان امعان النظر في واقع الاتحاد الأوروبي الحالي يرسخ قناعاتنا بحتمية تحقيق مثل تلك الأهداف". في المقابل اوضح شواب ان "الأزمة المالية الأخيرة أظهرت بعض الثغرات الفادحة في هيكلية منطقة اليورو اذ تعاني أوروبا من فقدانها لسياسات مالية اقتصادية قوية وواضحة كما أدى تشتت المنافسة بين اقتصاد الشمال والجنوب الى تزايد خطر العجز الذي لم ينتبه اليه أحد وخلف غياب الوحدة المصرفية الكثير من الأخطار النظامية". كما رأى ان "تعقيد النظام السياسي الأوروبي يزيد من تفاقم الوضع مع تزايد العجز الديمقراطي الذي تمثله هذه الأنظمة أمام شعوبها ما أدى الى تكوين "عجز اداري أو قيادي وهو ما يمكن وصفه بالعجز في اتخاذ القرارات الحقيقية". في حين رأى شواب ان الأمر الواضح للعيان الآن هو أن على "اليورو" أن ينجو على الأقل بوضعه الحالي لكن ذلك لا ينفي بأي حال من الأحوال الضرورة الملحة لمعالجة عوامل الفشل التي تحيط بتلك العملة وأولها هو الاتحاد المصرفي كمطلب أساسي لنجاح سياسة الاتحاد النقدية. بيد انه لفت الى ان توفير نظام مصرفي قوي يتطلب توفير جميع السبل التي تكفل له النجاح اذ لا بد من أن تحظي تلك المؤسسة باشراف مشترك بين دول الاتحاد وأن تتمتع بآلية تمويلية متجددة وضمان مشترك للودائع. وطالب بأن "تتطرق محادثات الاتحاد المصرفي الأوروبي في نهاية المطاف الى ما يقود الى مناقشة اتحاد مالي واقتصادي شامل عندما تنسجم جميع الآراء المختلفة وتبدأ بالتكامل اذ أن فكرة تأسيس الاتحاد المصرفي بدون البدء باتحاد مالي واقتصادي لا تعني الكثير". وفي هذا السياق شدد شواب على "ضرورة توافر ثلاثة أجزاء رئيسة لانجاح أي اتحاد مالي في أوروبا تبدأ بتوافر برنامج لاعادة التمويل المباشر الذي يمكن توفيره في الحالة الأوروبية بواسطة آلية الضمان الأوروبي ثم ايجاد نظام تأمين للودائع في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي للتخفيف من هروب السيولة من البنوك في البلدان الأضعف اقتصاديا وللتقليل من الأخطار الأخلاقية وثالثا ايجاد شكل من أشكال تبادل الديون". كما حذر مما وصفه الوقوع في التفكير بين خيارين لا ثالث لهما اما كل شيء أو لا شيء اذ ان ما بين انعدام أي شكل من أشكال الاتحاد المالي والاقتصادي وبين عدم وجود نظام مالي محكم ومتكامل تتشكل مراحل بينية يمكنها أن تساهم بشكل فاعل في خلق احساس بالانسجام والتوافق بل والسيطرة المالية. واكد شواب ان اصلاح الحوكمة المالية الأوروبية بات بلا شك ضرورة مهمة ولكنه لا يكفي وحده كشرط لتحقيق النجاح للقارة الأوروبية كما لا يمكنه أن يطغى على المشكلة الأساسية في الأزمة وهي الفجوة الكبيرة في التنافسية بين شمال أوروبا وجنوبها. واعرب الخبير الاقتصادي عن ثقته في أن اصلاح النظام المصرفي في الاتحاد الأوروبي واستعادة استقرار الاقتصاد الكلي الأوروبي سيساهم كثيرا في مساعدة الدول في جنوب القارة على زيادة انتاجيتها. الا انه وصف الأهم من ذلك هو مساعدة تلك الدول أيضا على الالتزام بمشروع طويل الأمد لزيادة مرونة سوق العمالة فيها وتشجيع المنافسة والتنافسية والدخول في استثمارات أفضل وأكثر تؤدي الى تعزيز النمو في مجالات مثل التعليم والتكنولوجيا والابداع. كما اكد على ضرورة أن تؤدي جميع هذه الاصلاحات الى تحفيز طاقات المبادرين من الذين بات يطلق عليهم "الجيل الضائع" اذ أن تزايد بطالة الشباب هي بلا شك مرض يستشري في قلب الاقتصاد الأوروبي ليسرق مستقبلها ويبدد امكانات النمو فيها لعقود قادمة. كما اعرب عن ضرورة التفاؤل بأن الاصلاح قادم لا محالة وبرغم وتيرة التطبيق البطيئة الا ان استراتيجية "أوروبا 2020" تم تصميمها لحث وتشجيع التنافسية في المنطقة ولذا فان الطريق أصبح واضح المعالم الآن نحو المستقبل وأن قادة أوروبا سيبدؤون بالتطلع نحو الأمام بكل أمل وتفاؤل وليس الى الوراء بتشاؤم وأن أوروبا ستبهر أولئك المتشائمين مع اطلالة العام الجديد. وعزا هذا التفاؤل الى قناعته بادراك القادة مجتمعين أن أوروبا ككيان اما أن تنجح كوحدة واحدة أو تتشتت معا الى أجزاء متفرقة فليس هناك دولة واحدة في هذه القارة يمكنها القول جازمة بأنها محمية من تبعات وآلام الأزمة الاقتصادية. كما اشار الى انه من المهم في هذا التوقيت الحساس أن يمتلك النظام السياسي الأوروبي القدرة على استشراف المكاسب التي ستتحقق بخروج القارة من الألم الذي أنتجته الأزمة والعمل على صياغة هذه المكاسب بطريقة تجمع شمل أوروبا وتوحدها لتحقيق مستقبل مشترك مشرق. يذكر ان البروفيسور كلاوس شواب هو واحد من اشهر كبار خبراء الاقتصاد في العالم واكثرهم تأثيرا في مجالي صناعة القرار السياسي والاقتصادي على حد سواء وذلك منذ تأسيسه المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف باسم "منتدى دافوس".