مجموعة من العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني

 واصل الريال الإيراني تراجعه أمس، أمام الدولار، حيث خسر 18 في المائة من قيمته في غضون يومين، وذلك بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران في آب (أغسطس) الجاري.

ووفقا لـ "الفرنسية"، فإن الريال الإيراني خسر نحو ثلثي قيمته، منذ مطلع العام.

وبلغ سعر الدولار 119 ألف ريال في السوق الموازية أمس، أي بتراجع 18 في المائة مقارنة بيوم الأحد الماضي، عندما كان سعر صرف الدولار 100 ألف ريال إيراني.

وفي الأول من كانون الثاني (يناير) 2018، كان الدولار يساوي 42900 ريال إيراني.

وفي إطار هذه الأزمة النقدية الحادة، استبدل الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي حاكم المصرف المركزي ولي الله سيف بعبد الناصر همتي.

وزعم المصرف المركزي أمس الأول، أن تقلب العملة الوطنية مرده "مؤامرة الأعداء"، متعهدا باتخاذ إجراءات جديدة "في الأيام المقبلة" من أجل مواجهة هذا التراجع.

وسعت الحكومة إلى تثبيت السعر عند 42 ألفا في نيسان (أبريل) الماضي، وهددت بملاحقة تجار السوق السوداء.

لكن المصارف ترفض بيع الدولار بالسعر المنخفض ما اضطر الحكومة إلى تليين موقفها في حزيران (يونيو) الماضي، والسماح بمرونة أكبر لبعض فئات المستوردين.

ويعود تدهور العملة إلى إعلان الولايات المتحدة في أيار (مايو) الماضي، انسحابها من الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، الذي رفعت بموجبه مجموعة من العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني.

وتستعد الولايات المتحدة لإعادة فرض كامل عقوباتها على دفعتين في 6 آب (أغسطس) الجاري، و4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ما أجبر عديدا من الشركات الأجنبية على وقف أنشطتها في إيران.

وينتظر أن تواجه نحو 160 شركة أوروبية عاملة في إيران عقوبات أمريكية قاسية في حال استمرار تعاونها في تنفيذ مشاريع استثمارية مختلفة في البلاد.

وبحسب "الفرنسية"، فإنه وسط انخفاض حاد في سعر العملة الإيرانية قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية، أطلقت طهران حملة ضد الفساد واعتقلت عشرات الأشخاص.
ويلقي عديدون باللوم في ذلك على اقتراب موعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وكذلك على إسراع عديد من الإيرانيين إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار.

ويقول محللون "إن هناك هوسا إيرانيا بإلقاء اللوم على الخارج، حيث كانت الضغوط الخارجية فعالة في انهيار الاقتصاد الإيراني الذي يعاني درجة عالية من الفساد وضعف الإدارة".
ويبدو أن السلطات الإيرانية تنبهت أخيرا للأزمة. فخلال عطلة نهاية الأسبوع أعلن القضاء اعتقال 60 شخصا بتهم الاحتيال ومحاولة تقويض النظام المصرفي. ويتوقع أن تجري اعتقالات إضافية.
وأكد المتحدث باسم السلطات غلام حسين محسني ايجي أن عديدا منهم يرتبطون مباشرة بالحكومة وهو ما سمح لهم على سبيل المثال باستيراد سيارات فاخرة بشكل غير قانوني، ويمكن أن يواجهوا عقوبة الإعدام إذا أدينوا بتهمة "الفساد في الأرض".

تأتي الاعتقالات عقب موجة غضب ضد المتربحين الذين يستغلون علاقاتهم السياسية للحصول على الدولارات بأسعار منخفضة غير حقيقية، وبعد ذلك استخدامها لاستيراد السلع بأسعار رخيصة أو بيعها في السوق السوداء لتحقيق أرباح هائلة.

وفي خروج كبير عن الممارسات الحكومية المعتادة، قام وزير الاتصالات محمد جواد ازاري جاهرومي في حزيران (يونيو) الماضي، بكشف مجموعة من مستوردي أجهزة الهواتف النقالة كانوا يستغلون النظام.
وحصلت تلك المجموعة على 250 مليون دولار بأسعار رخيصة لاستيراد الهواتف، بحسب الوزير "إلا أن أقل من ثلث ذلك المبلغ تم استخدامه لذلك الغرض" ملمحا إلى أنه تم استخدام باقي المبلغ لتخزينه أو لبيعه في السوق السوداء.

ولقيت خطوة الوزير انتقادات من بعض زملائه في الحكومة ومن بينهم وزير الصناعة محمد شريعتمداري الذي قال "إن قيامه بأمر مماثل في وزارته سيعني شن حرب ضد القطاع الخاص".
وأدى إغلاق السلطات محال صرف العملات وحظر بيع الدولارات فوق السعر الرسمي إلى طفرة في السوق السوداء.

وفي حزيران (يونيو) الماضي، أجبرت الحكومة على إلغاء القرار، وقالت "إن السعر الرخيص سيستخدم فقط لشراء سلع أساسية مثل الأدوية، بينما يتم التفاوض على سعر أعلى لشراء السلع الأخرى".
ووعد حسن روحاني بتبني سياسات جديدة بشأن العملة "في الأيام المقبلة".

إلا أنه وفقا لمراقبين لم يقم بكثير لمعالجة المشكلات الأعمق، ويتعرض لانتقادات من المحافظين والإصلاحيين بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.

وقال الصحافي الاقتصادي مزيار معتمدي من صحيفة "طهران فاينانشيال تريبيون"، "إن إيران في أزمة شاملة، وهذا هو ما يستقطب كل الاهتمام. لا أحد يتحدث عن إصلاح المصارف والاستثمار واستحداث الوظائف".
وخوفا من حدوث ذعر عام تواصل الحكومة تأكيدها أن كل شيء تحت السيطرة، لكنها لم تقدم حتى الآن سوى وعود غامضة بأنها ستخصص مزيدا من الأموال لاستحداث الوظائف وتسليم مزيد من مشاريع البنية التحتية إلى القطاع الخاص.

وقال معتمدي "مجرد قول أشياء إيجابية لا يساعد. الناس لا يصدقون ذلك". وأضاف "الجميع يعلم أن هناك مشكلات هيكلية لكن الحكومة تتعامل مع الأزمات حين حدوثها ولا تعمل على الوقاية منها".