واشنطن _صوت الأمارات
أدى دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرض تعرفة جمركية عالية على واردات السيارات حلفاء الولايات المتحدة المقربين في وسط الصراع التجاري المستعر حالياً، حيث يخلق التلويح بتعرفة جمركية باهظة حالة من عدم اليقين بين صانعي السيارات والمستثمرين وكذلك الحكومات.
وانخفضت أسهم بعض أكبر شركات صناعة السيارات في العالم بما في ذلك فولكسفاجن وبي.أم.دبليو. وديملر الألمانية وتويوتا موتور اليابانية التي تعد الولايات المتحدة سوقاً كبيراً لتسويق إنتاجها، وذلك بعد يوم من بدء وزارة التجارة الأميركية بحثاً بشأن ما إذا كان من الممكن رفع تعرفات تصل إلى 25% على واردات السيارات على أساس الأمن القومي، حسب وصف الإدارة الأميركية.
وبذلك تضيف هذه الخطوة إلى المعركة الحالية بشأن تعرفات الصلب التي كان قد أعلن عنها الرئيس ترامب هذا العام، ومرة أخرى، تعلن الولايات المتحدة عن قرارات تضر بمصالح ثلاثة من أقرب حلفائها العسكريين، اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، حيث إن جميعهم من كبار مصدري السيارات.
ووصف هيروشيغي سيكو، وزير التجارة الياباني، هذه الخطوة الأميركية الجديدة بأنها مؤسفة للغاية، وقال: «إذا دخلت حيز التنفيذ، فإنها ستسبب قيوداً واسعة جداً على التجارة وتخلق حالة من الفوضى في الأسواق العالمية».
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية يوركي كاتاينن في بروكسل: «من الصعب للغاية تقييم ما يعنيه هذا أو ما الذي ستسفر عنه مثل هذه الخطوة».
وقالت وزارة التجارة الأميركية يوم الأربعاء، إن إدارة ترامب قد ترى أن هناك أسباباً قد تضر بالأمن القومي مما يستدعي فرض رسوم جمركية على واردات السيارات وقطع غيار السيارات. وقال الرئيس ترامب في تغريده على موقع تويتر يوم الأربعاء: «سيكون هناك أخبار كبيرة قريباً خاصة بالعمال الأميركيين العظماء».
وقد توصلت إدارة ترامب مؤخراً إلى اتفاقية تجارة حرة معدلة مع كوريا الجنوبية. كما أنها تتفاوض مع الصين والحلفاء الأوروبيين بشأن مجموعة واسعة من القضايا التجارية وتخطط للقيام بنفس الشيء مع اليابان. وقد يؤثر تهديد تعرفة السيارة على هذه المحادثات، على الرغم من أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف سيكون شكل وحجم هذا التأثير المتوقع.
ويبدو أن هذه الخطوة تستهدف بشكل خاص ألمانيا، التي انتقدها الرئيس الأميركي مراراً وتكراراً بسبب صادراتها من السيارات، والمشتريات الكبيرة من الغاز الروسي وكذلك حجم الإنفاق العسكري.
ويصر المسؤولون في ألمانيا، التي تضم عشرات القواعد العسكرية الأميركية، على أن النزاع التجاري العالمي الحالي لن يدفع البلاد إلى البحث عن حلفاء جدد. ومع ذلك، عندما اجتمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس الصيني لي تشيانغ في بكين يوم الخميس، أكد الزعيمان على مبدأ التمسك بالتجارة الحرة وأكدا على رفض الهجمات الأميركية على قواعد التجارة العالمية.
وقالت ميركل للصحفيين في بكين: «تلتزم الصين وألمانيا بالتعددية التجارية، ونحن ملتزمون بتجارة حرة ونزيهة».
وقال الرئيس الصيني: «باب الصين مفتوح ويمكنك القول إن أبوابنا ستفتح على مصراعيها».
وعلى النقيض من مبادرة الولايات المتحدة، قالت الصين إن رسوم الاستيراد على السيارات هذا الأسبوع ستنخفض إلى 15% من 25% ابتداء من الأول من يوليو، بينما ستنخفض التعرفات على قطع غيار السيارات إلى 6% من 8%. ووفقاً لمركز أبحاث السيارات، بولاية ميشيغان، فإن 56% من السيارات التي تم بيعها في الولايات المتحدة في العام الماضي كانت أميركية الصنع، في حين شكلت كندا والمكسيك 22% إضافية.
أما خارج كندا والمكسيك، اللتين لديهما اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، فإن اليابان هي أكبر مصدر للسيارات إلى أميركا. حيث قام صانعو السيارات اليابانيون، بما في ذلك تويوتا ونيسان، بتصدير 1.7 مليون سيارة تبلغ قيمتها نحو 41 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي، أو حوالي 11 % من المركبات الخفيفة المباعة هناك في ذلك العام، والرقم آخذ في الارتفاع.
أحد أسباب هذا الاتجاه هو تفضيل المشترين الأميركيين للسيارات الرياضية والسيارات رباعية الدفع. وقد اعتمدت الشركات اليابانية تاريخياً على مبيعات سيارات الصالون وتنتج معظم تلك السيارات في الولايات المتحدة، لكن اليابان تحتفظ بإنتاج السيارات رباعية الدفع في المصانع داخل اليابان نفسها.
إن أكثر سيارات تويوتا شعبية في الولايات المتحدة هي سيارة راف فور رباعية الدفع والتي لا يتم تصنيعها في أي من مصانعها بالولايات المتحدة. حيث يتم إرسال أكثر من نصف هذه السيارات من اليابان والباقي من كندا. يذكر أن مبيعات رافدفور في الولايات المتحدة قد ارتفعت العام الحالي بنسبة 9%.
وفي الوقت ذاته تعد مبيعات طراز روغ ذات الدفع الرباعي من نيسان في الولايات المتحدة هي الأعلى حالياً بالنسبة للشركة اليابانية الشهيرة لصناعة السيارات. ويتم استيراد أكثر من نصف هذا الطراز في الولايات المتحدة من اليابان وكوريا الجنوبية.
وقام صانعو السيارات في الاتحاد الأوروبي بتصدير 1.2 مليون سيارة بقيمة 43 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، مع شركات تصنيع ألمانية مثل فولكسفاجن، وأودي، وبورش، وبي أم دبليو، ومرسيدس وتمثل حوالي نصف الإجمالي الأوروبي.
وقد استثمرت شركات صناعة السيارات اليابانية والألمانية مليارات الدولارات منذ ثمانينيات القرن العشرين لزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة والمكسيك. ولن تخضع سيارات الشركات اليابانية والأوروبية التي يتم إنتاجها داخل الولايات المتحدة للتعرفات، ولكن من ناحية أخرى ليس من الواضح ما إذا كانت السيارات التي تم تصنيعها في المكسيكي ستخضع للتعرفات المقترحة أم لا، حيث إن هذا الأمر مرتبط بشكل كبير بنتيجة المحادثات الخاصة بمراجعة بنود اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.
وقد وضع ترامب، وهو منتقد للممارسات التجارية اليابانية على مدى عقود، الحليف الأميركي في موقف صعب مع فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على الصلب. وبينما منحت الإدارة الأميركية إعفاءات مؤقتة أو دائمة من تلك التعرفة إلى العديد من الحلفاء، ولكنها لم تضم اليابان إلى قائمة الدول التي تم استثناؤها، مما أثار تهديد طوكيو بالرد من خلال منظمة التجارة العالمية.
وامتنعت تويوتا ونيسان عن التعليق وأشارتا إلى بيان لمجموعة صناعية مفاده أن هذه الخطوة، إذا تم تنفيذها، ستؤدي إلى خيارات أقل وأسعار أعلى للمستهلكين الأميركيين.
وأكدت كل من فولكسفاجن وبي أم دبليو ودايملر الألمانية أنها بنت منشآت إنتاج كبيرة في الولايات المتحدة ووفرت عشرات الآلاف من فرص العمل للعمال الأميركيين. وانخفضت صادرات السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة بنسبة 25% منذ عام 2013 نتيجةً لذلك.
وقالت فولكسفاجن في بيان: «تظهر التجربة أن الحمائية الانفرادية على المدى الطويل لم تساعد أي شخص على الإطلاق».
وقال رئيس غرفة الصناعة والتجارة الألمانية إن هذه الرسوم يمكن أن تضيف ما يصل إلى سبعة مليارات دولار من التكاليف السنوية لصادرات شركات صناعة السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة.
قال إريك شوايزر، رئيس الغرفة: «علينا أن نرى هذا كأنه استفزاز»، مضيفاً أنه «قلق بشكل متزايد من أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن التجارة الحرة والنزيهة».
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية: «نعتقد أنه لا يوجد مبرر للولايات المتحدة لفرض رسوم على الصلب والألومنيوم على أساس الأمن القومي. إن استحضار الأمن القومي سيكون أكثر إشباعاً في حالة صناعة السيارات».
وقال المحللون إن التعرفات الجديدة قد تأتي بنتائج عكسية على صانعي السيارات والمستهلكين الأميركيين. فقد استوردت أكبر ثلاث شركات تصنيع أميركية - شركة جنرال موتورز وشركة فورد موتور وشركة فيات كرايسلر للسيارات - ما يقرب من مليوني سيارة إلى الولايات المتحدة في العام الماضي، تم تصنيع معظمها في المكسيك. وقد استوردت شركة جنرال موتورز وحدها 25 % من السيارات التي باعتها في الولايات المتحدة، وستتأثر هذه التعرفات بتعرفات الرئيس ترامب، حيث وسيواجه المستهلكون أسعاراً أعلى بكثير عند شراء السيارات الجديدة.
وقال فرديناند دودنهوفر، مدير مركز أبحاث السيارات في جامعة دويسبورغ-إيسن الألمانية، «إن فرض ضريبة عامة على الواردات سيؤدي إلى خنق اقتصاد السيارات في الولايات المتحدة».
وتم شحن حوالي ربع عدد سيارات شركة جنرال موتورز الأميركية والتي تم تصنيعها في كوريا الجنوبية العام الماضي إلى الولايات المتحدة، حيث بلغت أكثر من نصف مليون سيارة.
وقال يونج جين، محلل صناعة السيارات في شركة شينهان للاستثمارات ومقرها كوريا الجنوبية: «إذا تضررت شركة أميركية عملاقة لصناعة السيارات بتعرفات الرئيس ترامب فسيكون الأمر سخيفاً وغير منطقي».
حصة قليلة للسيارات الصينية
حجم الواردات الأميركية من السيارات الصينية قليل للغاية في الوقت الراهن، ولكن شركات صناعة السيارات العالمية تستخدم بشكل متزايد الصين كمركز للتصنيع. وتعمل شركة فورد على تحويل إنتاجها العالمي من سيارة فوكاس إلى الصين، مع توقع أن يتم شحن العديد من هذه السيارات إلى الولايات المتحدة.
وستؤدي زيادة التعرفة الجمركية على قطع غيار السيارات إلى ضرب الشركات الصينية بشكل أكثر مباشرة. وقد استوردت الولايات المتحدة قطع غيار بقيمة 17 مليار دولار العام الماضي من الصين، وفقا لبيانات الجمارك لتصبح الصين في المرتبة الثانية بعد المكسيك. وهذا يعني أن المستهلكين الأميركيين قد يضطرون إلى دفع المزيد مقابل سياراتهم الجديدة حتى لو كانت من صنع الولايات المتحدة لأن الأجزاء الداخلية ستكلف أكثر، كما أن استبدال الأجزاء القديمة يمكن أن يكون أكثر تكلفة.