الاقتصاد الموريتاني

استطاع الاقتصاد الموريتاني خلال السنوات القليلة الماضية، تحقيق أداء جيد في محيط شديد الصعوبة، في ظل الأزمة المالية العالمية التي هزت جميع بلدان العالم خلال العام 2008، وهي الأزمة التي لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم على اقتصاديات دول كثيرة، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية. ورغم تلك الأزمة وعوامل خارجية أخرى من بينها الهبوط الحاد في أسعار الحديد والمخاطر المناخية كالجفاف، توجد مؤشرات الأداء الاقتصادي لموريتانيا حاليا في مستويات مرضية وتبشر بمواصلة التحسن على المدى القريب، حيث تتراوح نسبة النمو الحقيقي في حدود 5 بالمائة مقابل 4 بالمائة خلال العام 2011، وتساهم جميع القطاعات الاقتصادية في هذا النمو باستثناء تراجع ملحوظ للصناعات الاستخراجية، خاصة الحديد الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد إلى جانب الصيد البحري. ويواكب هذا النمو أداء جيدا على مستوى استقرار الأسعار والضبط السليم للمالية العامة والتوازن الخارجي وحتى التشغيل، فيما يراوح التضخم حدود 4 بالمائة، في حين يتميز وضع المالية العمومية بالاستقرار ويتعزز الموقع الخارجي للدولة سنة بعد أخرى، إذ بلغ مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة 897 مليون دولار في يونيو 2015، بحسب تصريحات أخيرة السيد سيد أحمد ولد الرايس، وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية الموريتاني أمام البرلمان، تحدث فيها عن وجود طفرة كبيرة في الاستثمارات بمختلف المجالات داخل البلاد، والتي بلغ حجمها الف مليار أوقية اي نحو (5,6 مليار دولار ) خلال السنوات القليلة الماضية، ما انعكس إيجابا على نسبة الفقر في البلاد. وتتحسن وضعية التشغيل بحسب المؤشرات المتوفرة حول مستوى البطالة، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن هذه النسبة هوت إلى 10 بالمائة تقريبا مقابل 30 بالمائة في العام 2008، ما يعكس الجهود المعتبرة المبذولة من طرف الحكومة ونجاعة السياسات الاقتصادية المتبعة، في هذا الاطار. وكانت الحكومة الموريتانية قد تبنت استراتيجية ناجعة في شهر سبتمبر 2008 في ظل مناخ يتميز بالأزمة المالية الدولية وتقلبات أسعار الطاقة والمواد الغذائية والاكراهات الداخلية المتسمة بوضع متوتر شيئا ما للمالية العمومية وموقع خارجي لا يقل صعوبة هو الآخر، وقضت تلك الاستراتيجية بتثبيت وضعية الاقتصاد الكلي في المقام الأول، ومن ثم إطلاق إصلاحات من شأنها تأمين نمو قوي ومستدام، قادر على خلق فرص للعمل والحد من الفقر، حيث تركزت تلك الاستراتيجية حول أربعة محاور، من بينها تدعيم وضعية المالية العمومية من أجل خلق فضاء ميزانية أرحب بغية تمويل النفقات الاجتماعية ،ونفقات البنى التحتية من خلال توسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز الإدارة الجبائية والجمركية والتحكم في الرواتب ضمن الوظيفة العمومية، وعقلنة النفقات وتحسين جودة الاستثمارات وتنفيذ الميزانية واستخدام أكثر شفافية وأكثر فعالية للموارد العمومية. ومن بين المحاور التي تقوم عليها تلك الاستراتيجية، تعزيز السياسة النقدية من أجل إبقاء التضخم عند مستوى ضعيف ورفع الاحتياطات من العملة الصعبة إلى نحو 3 أشهر من الواردات، وتطوير الوساطة المالية وتحسين مناخ الأعمال من أجل تشجيع نمو متنوع يدفعه القطاع الخاص، إضافة الى وضع أنظمة حماية اجتماعية مجدية وفعالة على المدى المتوسط، وقد أعطى تنفيذ البرنامج الاقتصادي والمالي خلال الفترة الماضية نتائج تجاوزت الأهداف المحددة أصلا، وهو ما تؤكده المؤشرات المبينة آنفا. وتحتل الاستثمارات العمومية الممولة بموارد ذاتية للدولة موقع الصدارة في بنية الاستثمارات، كما مكن تدعيم الميزانية من تمويل الاستثمارات العمومية الموجهة أساسا نحو محاربة الفقر مثل ( الطرق، الماء، الكهرباء، البنى التحتية )، وتخصيص موارد عمومية معتبرة لبرامج استعجالية من أجل تخفيف آثار الجفاف ،وارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية على السكان الأكثر هشاشة من جهة، وتشجيع ولوج هؤلاء السكان إلى الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء) من جهة ثانية. يضاف إلى ذلك تمكين الحفاظ على استقرار النظام المالي وتعزيزه بواسطة تنفيذ برنامج لرفع كفاءات رؤوس أموال البنوك وإدخال معايير جديدة في مجال الالتزامات والتدقيق المالي الداخلي والرقابة الداخلية والقدرة على السداد والتصنيف على أساس المخاطر وإجراء تدقيق مالي خارجي لجميع البنوك من طرف مكاتب تدقيق مالي دولية وتطبيق المعايير على نشاط مؤسسات القروض الصغرى، وغير ذلك، فيما تمت ترقية الممارسة المصرفية والولوج إلى البنوك بفضل توسيع الشبكة المصرفية عبر (الترخيص لمؤسسات جديدة وزيادة الشبابيك المصرفية)، وإنشاء صندوق الإيداع والتنمية وإعادة هيكلة شبكة صناديق القرض والادخار وإصلاحها، إلى جانب مصادقة الحكومة على استراتيجية لتنمية القطاع المالي خلال الفترة ما بين 2012 -2017. وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، تم تطبيق مدونة استثمارات جديدة أكثر جاذبية، كما تم إنشاء إدارة عامة لترقية القطاع الخاص ومنطقة حرة في نواذيبو ستمكن من رفع مستوى الاستثمارات المباشرة.