المشتقات النفطية

يتبنى اليمن حاليا برنامجا طموحا وشاملا للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية سعيا نحو إنعاش الاقتصاد وتنمية الإيرادات دون أن يضطر مجددا إلى رفع أسعار المشتقات النفطية، وذلك بناء على اتفاق السلم والشراكة الوطنية .
وحدد الاتفاق الذي وقعته الأطراف والمكونات السياسية اليمنية في 21 سبتمبر الماضي الركائز الرئيسية للإصلاحات الشاملة المتوافق عليها، على أن تتبنى الحكومة الجديدة التي نص الاتفاق على تشكيلها من مختلف المكونات السياسية تحويلها إلى برامج عمل لإنفاذها على أرض الواقع .

وجاء توقيع الأطراف اليمنية لاتفاق السلم والشراكة بغية الخروج من الأزمة التي عاشها اليمن إثر احتجاجات شعبية كبيرة على قرار الحكومة بالرفع الكامل للدعم المقدم للمشتقات النفطية الذي اتخذته في 30 يوليو المنصرم.
وبموجب ذلك القرار ارتفع سعر اللتر البنزين من 125 ريالاً (0.58 دولار) إلى 200 ريال (0.93 دولار)، وسعر الديزل من 100 ريال (0.46 دولار) إلى 195 ريالا (0.90 دولار) .

كما ارتفع سعر السولار (الكيروسين) بنسبة 100%، من 100 ريال (0.46 دولار) إلى 200 ريال  (0.93 دولار).. فيما أبقت الحكومة على الدعم للمشتقات النفطية الخاصة بمحطات توليد الكهرباء العامة, وكذا الدعم للغاز المنزلي ليظل سعر اسطوانة الغاز عبوة عشرين لترا  بـ 1200 ريال يمني ( 5.58 دولار).
وبررت الحكومة اليمنية اضطرارها لاتخاذ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية بأنه "ضرورة وطنية حتمية لتلافي وصول البلد إلى حالة الانهيار الاقتصادي".. موضحة أن ما تم انفاقه على دعم المشتقات النفطية في اليمن خلال العشر السنوات الماضية بلغ نحو خمسة تريليون ريال (22 مليار دولار).
وكشفت الحكومة، أن ما تم انفاقه خلال النصف الأول من العام الجاري 2014 لدعم المشتقات النفطية بلغ 656 مليار ريال حوالي ( 3 مليارات دولار) .
وهو ما شكل نسبة 20% من إجمالي النفقات العامة للموازنة العامة للدولة.. مبينة أن "انفاق هذه المبالغ على دعم المشتقات قد وضع الاقتصاد اليمني في مرحلة حرجة ومستوى خطير جدا، إذ تسبب في حدوث عجز مقداره 1,067 تريليون ريال ( 5 مليارات دولار)  وبنسبة 13% من الناتج المحلي".

وقالت في تقرير أصدرته عقب قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية:" الجزء الأكبر من الدعم يذهب إلى الأغنياء ويستفيد منه مهربو المشتقات النفطية وتجار السوق السوداء, وقليل منه يستفيد منه الفقراء كون استهلاك الفقراء (المباشر وغير المباشر) أقل بكثير من استهلاك الأغنياء، فمقابل كل ريال دعم يستفيد منه الفقراء يذهب 23 ريالا إلى الأغنياء (فيما يخص البترول) و9 ريالات (فيما يخص الديزل)".. موضحة أن 35% من الدعم يذهب للـ 20% الأغنى من الشعب اليمني، بينما لا يستفيد الفقراء إلا بما نسبته 10% من الدعم".

ورغم أن القرار الذي اتخذته الحكومة كان بموافقة جميع الأطراف السياسية المشاركة فيها، سيما التكتلان الرئيسيان "حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه" ، اللذان اشتركا في التشكيل الحكومي القائم بموجب المبادرة الخليجية التي استندت عليها التسوية السياسية لإخراج اليمن من أزمة كادت تعصف به في العام 2011.. إلا أن القرار قوبل باحتجاجات واسعة، أعقبها نصب خيام للمحتجين في العاصمة صنعاء ومحيطها والمطالبة بإسقاط الحكومة وإعادة الدعم للمشتقات النفطية، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الهادفة بناء اليمن الجديد وفقا لما توافقت عليه مختلف الأطراف السياسية المشاركة في الحوار.
وللخروج من الأزمة الجديدة توصلت الأطراف السياسية اليمنية إلى اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي أفرد حيزا واسعا في بنوده للإصلاحات الاقتصادية، بجانب بنود خاصة بتشكيل حكومة جديدة, فضلاً عن ملحق أمني خاص بمعالجة الحالة العسكرية والأمنية وإنهاء التوتر الأمني في محافظات عمران والجوف ومأرب وصنعاء وأية محافظات أخرى.
وفي حين شدد الاتفاق على أن تخفيف المعاناة عن الشعب مسؤولية مشتركة ويتطلب تظافر جهود جميع الأطراف.. قضى بإعادة جزئية للدعم الحكومي لمادتي البترول والديزل فور توقيع الاتفاق, حيث أعادت حكومة الوفاق الوطني جزءا من الدعم لمادتي البترول والديزل بناء على الاتفاق, وبدأت بتطبيق التسعيرة الجديدة للمشتقات النفطية في 23 سبتمبر الماضي, وأصبح سعر اللتر الواحد من البترول والديزل بـ 150 ريالا  (0.69 دولار)  .

وقضى الاتفاق في الموجهات الاقتصادية للإصلاحات البديلة لرفع أسعار الوقود, بأن تشكل الحكومة الجديدة لجنة اقتصادية تضم خبراء مؤهلين واقتصاديين من مختلف المكونات السياسية والوزارات المعنية في الحكومة ممن يمتلكون خبرة في مجال التشريع والإدارة المالية والاقتصادية, بحيث تتولى دراسة الوضعين الاقتصادي والمالي عبر مراجعة الموازنة العامة للدولة والإنفاق، وتقديم توصيات ملزمة للحكومة حول كيفية استخدام الوفورات من أجل اعانة الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
ونص اتفاق السلم والشراكة الوطنية بأن تضع اللجنة برنامجاً شاملاً ومفصلاً وواضحاً ومزمناً للإصلاح الاقتصادي، يهدف في المقام الأول إلى تجفيف منابع الفساد في جميع قطاعات الدولة ومعالجة اختلالات الموازنة العامة وترشيد الإنفاق، واقتراح حلول مع الحكومة الجديدة بشأن الإصلاحات الشاملة المطلوبة في قطاعي النفط والطاقة، لتحقيق مطالب الشعب وتطلعاته.
وخول الاتفاق اللجنة الاقتصادية بإعادة النظر في أسعار المشتقات النفطية في غضون شهرين، على ضوء تحرير استيراد وتوزيع المشتقات النفطية وإصلاح قطاع الكهرباء، وبما يقود إلى إصلاحات سعرية حقيقية مبنية على أسس علمية واقتصادية تلبي تطلعات الشعب.

وألزم الاتفاق اللجنة بوضع خطة مفصلة وشاملة، تتضمن حزمة إجراءات لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، بطريقة تصون حقوق جميع اليمنيين ومعيشتهم، وتحديداً الفئات الفقيرة، لما من شأنه خلق مناخ يتيح لجميع اليمنيين تحسين فرصهم الاقتصادية وتوفير عيش كريم لأسرهم, بحيث تشمل الخطة القضايا المتصلة بفتح المنافسة والاستيراد والتصدير أمام القطاع الخاص وأسعار السلع الأساسية وضمان جباية عائدات الضرائب والجمارك، والإصلاح الضريبي والجمركي وتحصيل المديونية العامة لكافة مؤسسات الدولة.
 كما ألزم الاتفاق اللجنة الاقتصادية بأن تشمل خطتها قضايا إلغاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وحصر التوظيف في مؤسسات الدولة المدنية عبر وزارة الخدمة المدنية مع مراعاة ما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من معالجات استثنائية, وكذلك تطبيق نظام البصمة في كافة وحدات الجهاز الاداري للدولة, وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين جراء قرار الإصلاحات السعرية للمشتقات النفطية, فضلا عن الاستثمار في البنى التحتية ومكافحة الفساد المالي والإداري وتطوير برامج الحماية الاجتماعية.
وقضى الاتفاق بأن تقدم اللجنة توصيات لوزير الخدمة المدنية حول إصلاح سلم الأجور, بهدف إزالة العبء عن المواطنين اليمنيين محدودي الدخل، وتضمّين خطتها رؤية لتفعيل المؤسسات الرقابية والمحاسبية، وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، واعلان تقاريرها السنوية للرأي العام.

وبحسب اتفاق السلم والشراكة فإن الحكومة الجديدة ملزمة بالتنفيذ الكامل لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتحديدا المتعلقة بمكافحة الفساد وتوفير الموارد الضرورية لذلك, وزيادة مخصصات صندوق الضمان الاجتماعي بنسبة 50% وتسديدها للمستفيدين فوراً، مع مراجعة معايير أهلية المستفيدين في شبكة الرعاية الاجتماعية لضمان شطب غير المؤهلين وتسجيل المؤهلين الفعليين، وتسريع عملية إلغاء الوظائف الوهمية والموظفين المزدوجين، وأيضا زيادة موازنة السنة المالية المقبلة المتعلقة بالتعليم والصحة بغية استهداف الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
ويرى مسؤولون وخبراء اقتصاد أن الموجهات الاقتصادية التي تضمنها اتفاق السلم والشراكة تشكل أكبر برنامج إصلاح اقتصادي توافقت عليه جميع الأحزاب والمكونات السياسية في البلاد الأمر الذي سيجعل اليمن فور البدء بتنفيذها تدخل برنامج اصلاحات شاملة.
وهذا الرأي عززه الإشادات من المنظمات الدولية المانحة لليمن وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين واللذين واصلا برامج الدعم لمشاريع التنمية في اليمن .
وعلى الرغم من أن الحكومة أعادت جزئيا لبعض الدعم الحكومي المقدم لمادتي البترول والديزل، بموجب اتفاق السلم والشراكة  إلا أن صندوق النقد الدولي، سلم لليمن أواخر سبتمبر الماضي الدفعة الأولى من التسهيل الائتماني الذي وافق على منحه للجمهورية اليمنية على مدى ثلاث سنوات, بهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ودعم الجهود المبذولة لتحقيق نمو يعود بالنفع على كافة الشرائح السكانية.

وبموجب ذلك أضيف إلى رصيد الحكومة في البنك المركزي اليمني مبلغ  73.8 مليون دولار أمريكي، وهو القسط الأول المتاح للسحب الفوري من إجمالي التسهيل الائتماني المقدم من الصندوق والبالغ 552.9  مليون دولار أمريكي على أن يتم صرف المبالغ المتبقية على دفعات نصف سنوية ترتهن بإجراء ست مراجعات بين الحكومة والصندوق.
ويستهدف التسهيل الائتماني مواجهة الموقف الاقتصادي سريع التدهور في اليمن خلال النصف الأول من عام 2014، ومساندة الجهود الحكومية المبذولة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية بغية التصدي للتراجع الذي طرأ مؤخرا على أوضاع الاقتصاد الكلي، ودعم النمو، وتوفير فرص العمل، وحماية الفقراء.
ويواجه اليمن تحديات متعددة على الصعد السياسة والأمنية والاقتصادية التي مازالت تمثل عائقا أمام عملية الانتقال السياسي الجارية حاليا في البلد.
وكان اليمن شرع بعد عام تقريباً من الأزمة التي مر بها اليمن خلال 2011 في أعقاب ثورات الربيع العربي، في عملية التحول السياسي بناء على اتفاق المبادرة الخليجية التي تبناها مجلس التعاون الخليجي وتم توقيعها في نوفمبر 2011.
وأتم اليمن في يناير 2014 عملية حوار وطني استمرت عشرة أشهر بمشاركة 565 عضوا يمثلون كافة المكونات السياسية وفئات المجتمع ، وتضمنت مخرجات الحوار خارطة طريق لبناء الدولة المدنية الحديثة وتحويل اليمن إلى دولة اتحادية, وضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار ، بما في ذلك تمديد فترة التحول السياسي وإعادة صياغة الدستور بناء على مخرجات الحوار, إلى جانب إعداد قوانين أساسية لمساندة وجود دولة اتحادية وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2015.

وبحسب تقييم البنك الدولي فإن معدلات الفقر في اليمن ــ التي كانت في زيادة فعلية قبل الأزمة السياسية في 2011ــ ارتفعت من 42% عام 2009 إلى 54.5% عام 2012، في وقت تعد معدلات النمو السكاني في اليمن من بين أعلى المعدلات في العالم، علاوة على أنه من بين أكثر بلدان العالم معاناةً من انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني نحو 45% من السكان انعدام الأمن الغذائي، فيما تقل موارده المائية الشحيحة كثيرا عن المتوسط السائد في المنطقة.
وفيما أكد البنك الدولي، أن الانتعاش الاقتصادي في اليمن مازال ضعيفا.. أوضح أنه بعد انزلاق البلاد إلى فترة كساد في 2011 مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي 12.7% ، سجل الاقتصاد نموا بنسبة 4.8% تقريبا عام 2013، لكن من المتوقع أن يتراجع النمو إلى أقل من 2% عام 2014.

ويواجه تعافي الاقتصاد اليمني حاليا العديد من التحديات الهيكلية إذ إنه قائم على النفط، ويعاني من ارتفاع معدلات البطالة وضعف نظم إدارة الحكم والهياكل المؤسسية.  
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن تحسن الآفاق الاقتصادية في اليمن يتوقف على مدى تحقيق تقدم على الصعيدين السياسي والأمني، واستمرار دعم المانحين، وتنفيذ هذه الإصلاحات بالغة الأهمية.