القاهرة ـ أ.ش.أ
فى خطوة تكرس حضورا قويا وفاعلا على الساحة الأفريقية ، دشنت مجموعات عمل مصرية ما يمكن أن يطلق عليه " مشروع القرن" بهدف تحقيق نقلة نوعية فى خطط تنمية القارة السمراء ، ووقف نزيف الأنهار الذى يهدد مصر بعد دخولها مرحلة " الفقر المائى" . ويعالج المشروع – الذى يحظى بدعم ومشاركة وزارة الدفاع المصرية- ويقوم على تحويل جزء من مياه " نهر الكونغو" إلى مجرى النيل عددا من القضايا ، أولها تخفيف آثار الغياب المصرى عن أفريقيا الذى كبد الدولة الرائدة خسائر سياسية وإقتصادية ، الأمر الذى يعنى إعادة رسم خارطة التواجد المصرى أفريقيا على كافة الصعد ، كما يصب المشروع فى خانة صد موجات التآمر التى تريد إعادة إنتاج جيل من الحروب يمكن أن يقود مصر إلى كارثة محققة بسبب العطش . ويقول الدكتور إبراهيم الفيومى خبير التنمية الأفريقية ورئيس مجموعات العمل المصرية، أن حجم المؤامرة التى تعرضت لها مصر على مدى عقود لا يمكن تخيله ، كما أن مصر لم تعد تملك رفاهية الوقت للسكوت على تلك المؤامرات ، موضحا أن مصر واجهت ما يمكن أن نسميه " حرب القضاء على المستقبل " ، وهى حرب تفوق نتائجها بمراحل ما تنتجه الحروب العسكرية من دمار ودماء . وأضاف أن المشروع الذى بدأ تدشينه إعتبارا من اليوم بعد دراسات وأبحاث إستمرت سنوات ، لن يكون مجرد مشروع يهدف إلى الحصول على المياه من أفريقيا ، إنما يصب بالأساس فى صالح تنمية القارة السمراء ، من خلال مجموعات عمل تشمل كافة المجالات والتخصصات تعمل على إنشاء طرق للتنمية على طول مسار النهر بطول 4200 كم . وأشار فى هذا الصدد إلى أن مصر دخلت بالفعل مرحلة الفقر المائى ،التى تهدد فى حال إستمرارها وعدم معالجتها بالدخول فى مرحلة " الشح المائى " والتعرض لموجات العطش والمجاعة ، حيث أن حصة مصر من المياه تراجعت لتصل إلى 5ر35 مليار متر مكعب بعد أن كانت 55 مليار ، وهو ما يعنى كارثة محققة فى ظل إرتفاع عدد السكان وزيادة الإحتياجات المائية . وأوضح أن نهر الكونغو الذى يمثل قلب المشروع يضخ 42 مليار متر مكعب من المياه فى المحيط الأطلسى ، تمتد بسبب قوة إندفاعا إلى 130 كم داخل المحيط ، وهو ما يمثل هدرا لسلعة إستراتيجية بدون أى فائدة ، ومهمة المشروع هى تحويل جزء من هذه المياه لتدخل إلى مجرى نهر النيل . وأكد الفيومى أن " نهر الكونغو" هو نهر محلى وليس نهرا دوليا ، أى أن التعامل معه سيكون ضمن منظومات القوانين والإتفاقيات التى تنظم إستخدامات المياه ، لأن مصر حريصة على إحترام الإتفاقيات الدولية ، بخلاف ما تقوم به أثيوبيا التى تريد إنهاء تلك الإتفاقيات بعد أن تمت السيطرة عليها من إسرائيل بهدف إضعاف مصر . ووفقا لدراسات قام بها خبراء مصريون فان غزارة نهر الكونغو تنبع من مرور خط الإستواء فى وسطه ، وهو ما يتيح تدفق المياه على مدى 12 شهرا فى العام ، كما أنه يمكن التغلب على معضلات التضاريس والعوائق المرتفعة من خلال الخبرة المصرية فى هذا المجال . ويقول الفيومى أن العقلية الهندسية المصرية أبدعت فى تصميم طلمبات لرفع المياه لتتجاوز تلك العوائق الطبيعية ، وهو ما يتيح كهرباء تقدر ب 300 تريليون وات / ساعة يمكنها وحدها عند بيعها أن تغطى تكاليف المشروع المرتفعة . وحول وجود مشكلات سياسية تعترض تنفيذ المشروع ، أكد رئيس مجموعات العمل المصرية أن لكل مشكلة حل ينبع من فهم طبيعة الدول الأفريقية ، موضحا أن التفاهم مع الدول الأفريقية يتيح قدرا ملائما من التعاون على أساس مبدأ الشراكة الحقيقية والمصلحة المتبادلة بعيدا عن استراتيجية نهب الثروات التى تتبعها إسرائيل وأمريكا . وفى هذا الإطار يشير الدكتور الفيومى إلى أنه تم الإتفاق على تأسيس مشاريع للتنمية التى لا يمكن أن تتم بدون توافر المياه ، حيث تشمل تلك المشروعات محاور تجارية وصناعية ومد سكك حديد بطول 1280 كم ، بالإضافة إلى مشروعات التعدين والطيران . وأوضح أن إنشاء تلك المشروعات يعنى إقامة مجتمعات عمرانية جديدة ، حيث يكرس مخطط المشروع إنشاء مزارع نموذجية فى حدود 200 كم على طول مسار ممرات التنمية ، كما سيجرى وفقا للمخطط إنشاء كلية للهندسة سوف تبدأ خطواتها عمليا خلال أسبوع ، بالإضافة إلى دراسات تجرى مع كلية الطب لإنشاء مستوصفات فى مناطق المشروع الذى سيكون جسرا لكل الدول التى يمر من خلالها . ونوه فى هذا الصدد إلى قيام أساتذة الطب المصريين بإجراء دراسات حول طبيعة الأمراض التى تعانى منها تلك المناطق ، وطرق توفير العلاج والتحاليل اللازمة لأهالى القارة السمراء ، وهو ما يبشر بإستعادة الدور المصرى الرائد فى أفريقيا بشكل يفوق مراحل التحرر الوطنى التى كانت مصر حاضرة بقوة فيها . وحول تمويل المشروع يقول الدكتور ابراهيم الفيومى أن مصر ترفض أى منح أو أموال من جهات غير مضمونة الأهداف ، بينما تتيح مجالا واسعا للإستثمارات المشروطة ، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان عن تأسيس شركات مساهمة مصرية برعاية البنوك الوطنية . وأشار إلى أن المبالغ التى تكفى لتمويل المشروع العملاق جاهزة بالفعل لكنها تخضع لدراسة دقيقة من الجهات السيادية ، حيث أنه غير مسموح للبنوك الأجنبية بتمويل هذا المشروع الذى يعتبر أحد أهم مشروعات الأمن القومى لمصر ويقام بمشاركة وزارة الدفاع . وتقول الدكتورة رودينا ياسين الخبيرة بالشئون الأفريقية أن غياب مصر عن أفريقيا تسبب فى سيطرة قوى مثل إسرائيل وأمريكا على مقدرات وقرارات دول القارة السمراء ، وهو ما أدى إلى ظهور مصطلحات لم يعرفها القاموس الأفريقى مثل تسعير المياه وبورصة المياه ، الأمر الذى يطرح البديا الأشد سوءا لتقليص حصة مصر من المياه وهو لجوئنا لشرائها . وأوضحت أن إسرائيل التى تستنزف الثروات الأفريقية تسببت فى الكثير من المشكلات السياسية والإقتصادية بل والحروب الأهلية ، ورغم ذلك إستطاعت تحريض دول أفريقية ضد مصر ، وهو ما تجلى فى اتفاقية عنتيبى التى تطالب بإعادة توزيع حصص المياه وإلغاء الإتفاقيات التى إستقرت عليها دول حوض النيل ، بدعوى أن تلك الاتفاقيات جرى توقيعها فى زمن الإستعمار . وأشارت إلى أن ما تقوم به إسرائيل لا يذهب بعيدا عن تعليمات تلمودية وردت فى التوراه ، ترسم خارطة طريق لإشاعة الجوع والفقر والمرض لينتهى الأمر إلى حرب أهلية وإقتتال ونزوح جماعى لأهل مصر بسبب الجوع والعطش . وأضافت أن مشروع نهر الكونغو هو البديل الأكثر نجاحا لكل سيناريوهات التغلب على العطش الذى يمكن أن تواجهه مصر بعد دخولها مرحلة "الفقر المائى " ، حيث أن البدائل المطروحة تتطلب تفعيل آليات جديدة للتعامل مع الجار الأفريقى ، وتقليص فرص الفقد فى المياه . فيما أكد خبير المياه الدولي، الدكتور أحمد عبد الخالق الشناوي، وهو أحد مسئولى مجموعات العمل إنه لأول مرة فى التاريخ يتم إنشاء نهر من خلال مجهود بشرى ، حيث أن الأنهار هى هبة الله للبشر ولا يقوى على شقها إلا من لديه تلك الإرادة والقوة والقدرة على بذل ما تتطلبه من جهود . وأضاف أن استقطاع جزء من مياه النهر ودفعها إلى خارج الكونغو لن تقابل بأي اعتراض، خاصة لو تم إهداء أهالي البلاد بمشروعات تنموية، وفي مقدمتها مشروعات استغلال قوة اندفاع مياه هذا النهر ومساقطه المائية في توليد الكهرباء". ، مشيرا إلى أنه سيكون هناك أكثر من مسار للمشروع حيث أن قطاعات نهر النيل محدودة ولا تقوى على هذا التدفق الضخم للمياه . وأوضح فى هذا الثدد أنه إذا اعتبرنا أن إيراد النهر يساوي المتوسط السنوي لإيراد نهر النيل ، فإن إيراد هذا النهر المراد شقه محسوبًا عند أسوان سيكون 74 مليار متر مكعب / سنة ، مشيرا إلى أن هذا المشروع يتيح فرص عمل لحوالى 3 ملايين مصرى ،فيما يوفر المشروع إجمالي أرباح سنوية تبلغ حوالي 115 مليار جنيه سنويًا تمثل قيمة مضافة للناتج القومي المصري وهو ما يدعم موارد الدخل. وأكد أن هذا المشروع هو أحد أهم ركائز الأمن القومى المصرى ، وهو لا يعنى أن نتنازل عن حقوقنا فى مياه نهر النيل ، أو نسكت عمن يريد العبث بحصتنا من المياه ، موضحا أن هذا المشروع ليس جديدا وإنما يمثل إعادة التفكير في أحد مشروعات الري التي ظهرت مطلع القرن الماضي وتحديدًا عام 1902؛ حيث طرحها "أباتا" كبير مهندسي الري المصريين في السودان، والذي اقترح شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان للاستفادة من المياه التي تهدر منه. ونوه إلى أن إعادة إحياء تلك الفكرة لم يأتى إلا بتوافر إرادة سياسية حقيقية ووجود قيادات تدرك قيمة مصر وموقعها الإستراتيجى ، بالإضافة إلى إعادة إنتاج نموذج التعاون الرائد على أساس إستغلال الخبرات والكفاءات المصرية بما يفيد شركاء القارة السمراء ومن جانبه قال الخبير الجيولوجى عبد العال حسن عطيه أن خط تقسيم المياه بين نهرى النيل والكونغو أوضح أن إيراد النيل يبلغ 84 مليار متر مكعب ، فيما يبلغ إيراد نهر الكونغو 1248 مليارا ، مشيرا إلى أنه تم الإعتماد على بيانات وصور الأقمار الصناعية والرادار والخرائط الطبوغرافية والجيولوجية بالإضافة إلى البيانات المناخية . وأضاف أنه تم أيضا خلال دراسة المشروع الإعتماد على البيانات المناخية والأرصاد الجوية المصرية والبريطانية والأمريكية ، حيث أوضحت الخرائط مناطق توزيع الخزانات المائية وتمركز المياه فى مناطق حوض النيل . ولفت إلى أن فكرة المشروع التى خضعت للدراسة من خلال مجموعات العمل المصرية على مدى سنوات تقوم على توصيل نهر النيل بنهر الكونغو مع تبسيط خطوط الصرف لأنهار أفريقيا ، حيث أمكن التوصل إلى إمكانية تحويل جزء من نهر الكونغو إلى نهر النيل . وكشف الدكتورعطيه عن أنه تم وضع أكثر من سيناريو للوصول إلى حلول توافقية لإنجاز المشروع الذى يساعد مصر على الخروج من أزمة التواجد تحت خط الفقر المائى ، حيث أن احتياجات مصر تصل إلى حوالى 92 مليار متر مكعب من المياه ، بينما لا يصلنا إلا حوالى 30 فى المائة من تلك الإحتياجات ، ومهما بلغت قدرة المشروعات فانها لن توفر إلا حوالى 20 فى المائة إضافية . ووفقا للسيناريوهات التى جرى التعامل معها فان العقبات التى واجهت المخططين تتمثل فى الصخور والمرتفعات ، حيث كان الأمر يتطلب رفع المياه لحوالى 1500 متر ، حتى جرى تقليل هذا الإرتفاع فى سيناريوهات أخرى لتصل إلى حوالى 15 مترا مفقط مع زيادة المساحات الأفقية ، وجرى وضع الحلول بالإعتماد على الخبرات المصرية التى لها باع طويل وسوابق أهمها السد العالى . وأوضح أن الجديد فى هذا المشروع هو توظيف البيانات العلمية فى تنفيذ الخطة ، حيث أن هذا المشروع كان مجرد فكرة ، حتى إكتملت مجموعات العمل وحصلت على الدعم الكافى من القيادة المصرية .