الدوحة - قنا
توقع تحليل صادر عن بنك قطر الوطني اليوم، أن يكون تأثير التطورات الجارية في اليونان محدودا على المشهد الاقتصادي العالمي، وذلك بعد أن أنعش الأسواقَ توصل اليونان إلى اتفاق مع دائنيها الأوروبيين في 20 من الشهر الماضي، على تمديد برنامج الإنقاذ لمدة أربعة أشهر.وأضاف التحليل الأسبوعي،أن الصفقة هدأت من المخاوف بشأن احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، ومن المرجح أيضاً أن تؤدي الصفقة إلى وقف تدفق الودائع من اليونان إلى بقية منطقة اليورو، والذي كان نشأ بفعل المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو وتقويم ودائعها بسعر صرف جديد أقل قيمة.
وبين أن خروج اليونان من نظام اليورو أصبح الآن أمراً بعيداً، ولكن حتى مع حدوث ذلك، فإنه سيشكل مخاطر أقل على الاقتصاد العالمي مما لو كان قد حدث في العام 2012، موضحا أن المخاطر المباشرة على بلدان منطقة اليورو صغيرة نسبياً عند 3.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، أما المخاطر على البنوك الأوروبية، فهي أصغر وقد انخفضت إلى حوالي 40 بالمائة عن مستوى عام 2012.
وفيما تستمر تطورات اليونان، فإن من المتوقع لقضايا أخرى أن تهيمن على المشهد الاقتصادي العالمي خلال الأشهر المقبلة، وأبرزها قضية التشديد المتوقع للسياسة النقدية في الولايات المتحدة.واستعراضا للوضع الاقتصادي في اليونان إثر الاتفاق، أشار التحليل إلى،أن العائدات على السندات الحكومية اليونانية ذات العشر سنوات، تراجعت بأكثر من نقطة مئوية خلال يومي التداول التاليين، وفي الوقت نفسه، قفزت الأسهم اليونانية بنسبة 10 بالمائة تقريبا في اليوم التالي لتقديم أثينا لقائمتها بخطط الإصلاح إلى المفوضية الأوروبية، ولم يتم استكمال تفاصيل الصفقة بعد، كما أن من المتوقع إجراء مزيد من المفاوضات خلال الأشهر المقبلة.
وكان الفصل الأول من القصة في بداية الأزمة اليونانية في عام 2009. ففي ذلك الوقت، بلغ عجز الميزانية اليونانية 15.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كان العجز الأساسي (مع استبعاد مدفوعات الفائدة) بنسبة 10.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ الدين العام الآخذ في الارتفاع نسبة 130 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت الأسواق قد تفاقمت مخاوفها بشأن أوضاع ومستقبل المالية العامة في اليونان، بينما واجهت الحكومة اليونانية صعوبات جمّة في الحصول على قروض إضافية لتلبية احتياجاتها التمويلية، وأخذ الوضع الاقتصادي في التدهور إلى أن تحقق حصول البلاد على حزمة إنقاذ ضخمة من البنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي.وقد تضمنت صفقة الإنقاذ توفير الأموال لليونان للوفاء بالتزامات ديونها، وفي المقابل، كان المطلوب من اليونان استعادة ماليتها العامة إلى مسار مالي أكثر إستدامة، حيث كان على اليونان بوجه الخصوص، تحقيق وفورات كافية لخفض ديونها، مع شرط رئيسي هو تحويل العجز المالي الأساسي الكبير لليونان إلى فائض عن طريق خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات.
وقال تحليل قطر الوطني إنه ثبت أن ضبط أوضاع المالية العامة في اليونان كان مؤلماً للغاية، فقد بلغ الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليونان بين عامي 2009 و 2013 نسبة 21 بالمائة حينما حوّلت اليونان العجز الأساسي من 10.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى فائض صغير بنسبة 0.8 بالمائة، وارتفعت البطالة إلى 27.3 بالمائة في عام 2013، وكانت أعلى بكثير في أوساط الشباب.
ولم يكن من المتوقع،أن ينتهي هذا المخاض المؤلم سريعاً حيث كان مطلوباً من اليونان مواصلة ضبط نظامها المالي للمستقبل المنظور، وبعد خمس سنوات من الكساد، قرر الجمهور اليوناني أن يصوت لصالح حزب يساري وعد بالتراجع عن بعض تدابير التقشف، وارتفعت عائدات السندات اليونانية عقب فوز حزب سيريزا بأغلبية مطلقة تقريبا في البرلمان اليوناني في انتخابات 25 يناير، وعادت المخاوف مجدداً بشأن احتمال انسحاب اليونان من منطقة اليورو.
وبدأت المفاوضات مجدداً بين اليونان ودائنيها الأوروبيين بشأن كيفية الحد من الآلام المترتبة على ضبط المالية العامة مع الإقرار في نفس الوقت بالحاجة إلى تحقيق الإستدامة المالية، حيث بلغت الأمور ذروتها عندما طالبت اليونان بتغيير نسبة الفوائض الأساسية المطلوبة من 3.0 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 و 4.5 بالمائة من عام 2016 وما بعده إلى نسبة 1.5 بالمائة ابتداءً من عام 2015.
وظلت الشكوك تدور حول إمكانية الإفراج عن مبلغ الـ172 مليار يورو من برنامج الإنقاذ الذي كانت تحتاجه الحكومة اليونانية للوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل. ورغم أنه،لم يتم بعد إتمام شروط الاتفاقية، المعلن عنها في 20 فبراير، لكن الدائنين يبدون مستعدين لقبول مبدأ "أخذ الظروف الاقتصادية بعين الاعتبار" عند قيامهم بتحديد هدف العجز الأساسي الجديد لليونان، وفي المقابل، التزمت السلطات اليونانية بالإمتناع عن القيام من جانب واحد بإلغاء بعض التدابير التي اتخذتها الإدارة السابقة.