رواية "حياة معلقة"

تظّل "حياة معلقة" هي الرواية الفلسطينية الوحيدة التي تم ترشيحها من بين ما يقرب من 180 رواية من عِدة دول، والتي نالت فرصتها، ووصلت حتى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، للروائي الفلسطيني عاطف أبو سيف، والتي صدرت عن دار الأهلية في عمّان.

تتحدث الرواية، عن موت نعيم، صاحب المطبعة الوحيدة في إحدى المخيمات قرب قطاع غزة، والذي اعتاد لعقود طويلة طباعة وملصقات الشهداء في المخيم، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، ليفتح موته نافذة يرى منها القارئ الحياة داخل المخيم وأزماتها، ويتعاقب ظهور الشخصيات المختلفة، وتتنقل الأحداث لتعرض التطورات والتحولات التي حدثت في القطاع في العقدين الأخيرين، ما بين السياسة، والتغيرات المجتمعية والاقتصادية، والثقافية، وتماس حياة سُكان المخيم مع السلطة السياسية، بغض النظر عن ماهية هذه السلطة سواء من فتح أو حماس أو حتى قوات الاحتلال؛ وتتعمق الرواية في مفاهيم عِدة، مثل الحياة والبطولة والتعقيدات التي يحياها الناس، ولكن الطرق الغير طبيعية التي يموت ببها الكثير من ضحايا الاحتلال، والتي اعتاد عليها الجميع تُغير الكثير من تفاصيل الحياة، ليأتي الموت ويقلب حياة الناس وتفاصيلهم.

تُعّد الرواية "ثُلاثية البطولة" إن جاز التعبير، حيث يظهر بها ثلاثة أبطال أولهم الأب نعيم، الذي جاء موته ليفتح الأحداث، والابن الذي عاد وهو لا يتخيل أن أبيه تحول إلى مُلصق جديد لشُهداء الاحتلال، والحاج المبروك، الذي كان أول من سكن التلة قرب المخيم، وهو غامض بشكل ما، حيث لا أحد يعرف من أين جاء، وتُعتبر التلة نفسها أحد الأبطال كذلك، والتي ترتبط بشكل خرافي بشئ له علاقة بالنكبة والاجتياح، فأضاف عليها السُكان هالة من القداسة.

تأتي ذروة هامة مع وفاة الحاج المبروك عندما تُقرر السلطة الحاكمة بناء مسجد كبير في تلك التلة بعد أن قامت بالسيطرة عليها، وهنا يبرز الصراع ما بين أهالي المخيم الذين قرروا الدفاع عن قداسة هذه التلة وبين السلطة، ويتصاعد الصراع بعد اكتشاف أن السُلطة تخدعهم وأن ما يتم بناؤه موضع التلة ليس المسجد فحسب، بل إن المشروع كبير ويحوي سوق تجارية ضخمة بالأساس، لتضم مجمعات، ومباني عملاقة، ومركز شرطة، ويتطور الأمر إلى مشهد ذروة ينتهي بصراع ميداني على التلة، جسّد فيه الكاتب حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع الفلسطيني.

ترصد الرواية حياة مجتمع صغير يعيش أفراده ويتقاسمون المحنة والأحلام والذكريات، وترصد تناقضاته وخلافاته ومُصالحاته؛ كما تُجسّد أحلام شباب حاصرها الفقر والاحتلال، فأطلقوا أحلامهم لتتجاوز الحدود، فتارة للدراسة، وأخرى للعمل وتحقيق الذات بعيدًا عن الحصار ورقابة السلطة؛ وأظهرت الرواية اختلاف أحلامهم عن الآباء الذين جاؤوا جميعا من يافا؛ كذلك تُعيد ذكريات عديدة منذ التشريد من يافا، ومسيرة الرحيل والتنقل حتى الاستقرار في المخيم على التلة في طرف المخيم، فسافر الكاتب ومعه قارئه عبرها في الزمن، ويحتفظ بها أصحابها وكأنه ذلك المفتاح الشهير الذي يعلقه كل فلسطيني حول رقبته في انتظار العودة لمنزله القديم.