الرياض ـ وكالات
يقتفي الكاتب السعودي الحائز جائزة «بوكر» العربية عن روايته «ترمي بشر» (2010) سيرة الحكايات السعودية الشعبية في كتابين ضخمين، الأول بعنوان «قالت حامدة: أساطير حجازية»، والثاني «قالت عجيبية: أساطير تِهاميّة»، (دار الساقي-2013) يستعرض عبده خال في الكتاب الأول عادة الحكي التي هي عادة حميمة جداً في الحجاز، بمعنى أنّ الحكاية ليست عامة وإنما هي عادة خاصة بالأبناء. أمّا الجدّة أو الأم فهما من يُمسك بفعل السرد للأبناء والأحفاد، وغالباً ما يكون وقت الحكاية قبل النوم. وتدور هذه الحكايات في محيط الواقع مخفّفةً من عوالم الجنّ والسحرة. ومن أدبيات الحكاية الحجازية البدء بصيغ مختلفة قد يكون أشهرها قول الراوية أو الراوي «كان يا مكان يا سعد يا إكرام ما يحلى الكلام إلاّ بذكر النبي عليه الصلاة والسلام»، ويتوقف الراوي ليسمع الردّ بالصلاة والسلام على النبيّ. وتأتي خاتمة الحكاية بصيغ مختلفة أيضاً أشهرها: «وعاشوا في تبات ونبات وخلّفوا صبيان وبنات...». يحتوي هذا الكتاب وفرة من الحكايات الشعبية الحجازية جمعها الكاتب من أفواه الرواة «الحكّاءات» مباشرة. وعلى رغم أنّ الحكايات الشعبية قد تتماثل من حيث موضوعاتها وسردياتها، إلا أن كل منطقة تضفي عليها نكهةً تخصّها دون غيرها، وهو ما فعلته الحجاز أيضاً. في «استهلال» الكتاب يقول خال: «قدمت إلى جدّة من قرية موغلة في البدائية، وهذه المناطق وشبيهاتها تُعوّض عوزها وشظف العيش فيها بثراء باذخ في موروثاتها وحكاياتها وفنونها وطقوسها، إذ تتحوّل بدائيتها إلى منجم لا ينضب من الفنون». أمّا الكتاب الثاني «قالت عجيبية: أساطير تِهاميّة»، فيكتب فيه عبده خال، انطلاقاً من تجربته هو، قائلاً: «في ظلّ افتقار القرية إلى أيّ وسيلة ترفيهية من تلفاز أو مسرح أو سينما، كانت الحكّاءة تمثّل نافذةً تطلّ من خلالها القرويات إلى لحظة أنس، وتتوافد القرويات إلى مجلس السمر بعد صلاة العشاء ليسمعن حكايات الراوية ويعدن إلى بيوتهن وقد تزودن بكمٍّ من الانشراح». يغوص صاحب «لوعة الغاوية» في تفاصيل الحكاية والتاريخ في منطقة تهامة، التي كان أبناؤها يُطلقون على الحكاية اسم «خرفينة» و«خبيرة»، فإذا أراد أحدهم سماع حكاية يقول للراوية: خرفينلي، أو خبريلي. والخرفينة تعني الحكايات التي تدور أحداثها غالباً في عالمٍ «خرافي» أو سحري مليء بالملائكة والجان والغيلان والقدرات الخارقة والقوى الخفية... أمّا «الخبيرة» فهي حكاية أبطالها من البشر وتحمل في طيّاتها فكرة أو أحجية أو حكمة. ويشتمل الكتاب على عدد كبير من الحكايات أو « الخرفينات» التهامية يسردها الكاتب بأسلوب شيّقٍ سلس، بعضها بالفصحى وأخرى باللهجة المحكية، وأحياناً يجمع بينهما. وفي مقدّمة الكتاب يقول خال: «في قريتي الصغيرة وفيما حولها لم يكن استخدام مفردة أسطورة حاضراً البتة، فكلّ الحكايات التي يتمّ تداولات يتمّ تحت مسميات (خرفينة) أو (حكواية)... وجرت العادة أن يكون راوي الخرفينات أو الخبابير أنثى، فمن النادر أن يروي تلك الخرفينات الرجال»... ويؤكّد الكاتب أنّ ليست كل امرأة قادرة على أن تكون «حكّاءة»، وإن كانت تعرف الحكي، إلاّ أنّ حضورها السردي يكون ناقصاً أحياناً، لذلك كان ثمّة نساء معينات يتمّ قصدهنّ لكي يقمن بالحكي. لذلك كان عدد الحكّاءات قليلاً داخل القرية». يشمل الكتابان عدداً من القصص والحكايات الشعبية التي زخر بها الموروث الشعبي الحجازي والتهامي، وحرص الكاتب على تخصيص مساحات من كتابه لتوضيح المفردات المحلية في الحكايات الشعبية.