كتاب شاهد على "حرائق اليمن" يحكى تاريخ الصراع الحضرمي

 

يخرج الصحفى اللبنانى المخضرم خير الله خير الله بخلاصة عن بلد عربى ممزق مفادها أنه "كلما عرفت اليمن واليمنيين اكتشفت كم أنك تجهله وتجهلهم".

يحمل الكاتب خير الله هذا الانطباع ليوثقه فى كتاب (حرائق اليمن. شهادات من الداخل من انهيار دولة الجنوب إلى انهيار الدولة) الصادر عن دار العرب للنشر والتوزيع والدار العربية للعلوم ناشرون كاشفا بمائة وخمس وسبعين صفحة عن أدوار زعامات محلية لعبت بالنار اليمنية وفككت الدولة وساهمت فى صعود نجم الحوثيين الذين صاروا "أنصار الله".

شهد الكاتب انهيار دولة الجنوب ثم مرحلة الوحدة اليمنية التى تحققت فى 1990 وحرب صيف 1994 وصولا إلى الانقلاب على النظام المعقد الذى أقامه على عبد الله صالح فى عام 2011 وصعود الحوثيين.. "أى انهيار اليمن الذى عرفناه".

فى (حرائق اليمن) يسلط خير الله خير الله الضوء على المشهد السياسى اليمنى المعاصر ويقول رأيه فى الصراع والوحدة والجغرافيا والتاريخ وحتى فى الحجر والبشر دون الدخول فى تكهنات أو حتى الخوض فيها. فهو يقول ما يعرفه فقط ويعبر عن ذلك قائلا "لم أكن سوى صحفى شغوف باليمن أحب أهله وأحترمهم وخرج بعد ثلاثين عاما من مرافقة شبه يومية للحدث اليمنى بانطباع واحد هو الآتي: كلما عرفت اليمن واليمنيين كلما اكتشفت كم أنك تجهله وتجهلهم".

وحرائق اليمن تبدأ على صفحات خير الله منذ أول زيارة قام بها قبل ثلاثين عاما إلى اليمن المشطور لكنه يقول إن "اليمن الذى عرفناه لم يعد موجودا وإن صيغة الشطرين ومرحلة ما قبل الوحدة ليست واردة والسؤال الوحيد الذى يمكن طرحه كم عدد الدول أو الكيانات التى ستقوم فى هذا البلد فى مرحلة ما بعد انتهاء حروبه الطويلة وهل ستنتهى هذه الحروب يوما خصوصا بعدما وجدت القاعدة مقرا لها على الأراضى اليمنية".

وينقل الكاتب تعليقا يختصر المشهد عن أحد أصدقائه فى محافظة إب إلى الجنوب من صنعاء وبسطور قليلة يقول "إن اليمن هو البلد الوحيد فى العالم الذى تتصارع فيه كل القوى من أجل العودة إلى الماضي".

ويستعرض أدوار كل اللاعبين من الرئيس عبد ربه منصور هادى وشرعيته التى تريد العودة إلى ما قبل سقوط صنعاء عام 2014 إلى الحوثيين الذين "تبين مع مرور الوقت أنهم لا يمتلكون أى مشروع سياسى أو اقتصادى للبلد باستثناء تحويل اليمن مستعمرة إيرانية".

وتبدو فى نظر الكاتب كل الأطراف اليمنية المتصارعة فى حالة هرب عمليا من مشاكل اليمن التى لا حل لها فى المدى المنظور فى غياب التوصل إلى صيغة جديدة للبلد.

وهذه الصيغة الجديدة تستلزم بحسب خير الله أن يتجاوز كل طرف تاريخا معينا إذ إنه "لن تكون فى استطاعة الشرعية العودة إلى صنعاء مثلما لن يكون فى استطاعة الحوثيين حكم صنعاء إلى الأبد مهما اعتقدوا أنهم باتوا يجسدون العصبية الزيدية فى مرحلة معينة".

ولأن تاريخ القادة اليمنيين يكرر نفسه وإن بظروف أخرى فإن الكاتب يعود بنا إلى شهر فبراير شباط عام 1986 عندما زار جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على إثر أحداث الثالث عشر من يناير كانون الثانى من العام نفسه والتى انتهت إلى خروج جماعة على ناصر من السلطة ولجوئهم إلى الشمال.

وفى هذه الزيارة شاهد خير الله كيف تقاتل "الرفاق الماركسيون" فى عدن وسار بنفسه على دماء أعضاء المكتب السياسى للحزب الاشتراكى التى غطت أرض قاعة ارتكبت فيها مجزرة حقيقية فى ذلك النهار الدامى وشكلت تلك المجزرة بداية النهاية لجمهورية ترعرعت ونمت فى كنف الاتحاد السوفيتى السابق.

وفى وصف دقيق يصور خير الله قاعة المكتب السياسى للحزب الاشتراكى التى كانت "أرضها مغطاة بالدم اليابس فيما تحولت الموكيت الخضراء إلى سوداء وكان هناك كرسى فيه ثقب من الخلف وهذا الثقب هو الرصاصة التى استقرت فى جسد على عنتر نائب رئيس الجمهورية فى حينه ووزير الدفاع وأحد أشد منتقدى على ناصر".

وبتوطئة لاتهام ناصر يقول الكاتب نقلا عن أشخاص كانوا فى القاعة "إن مرافق على ناصر ويدعى حسان دخل إلى القاعة وأحضر ترموس الشاى الذى اعتاد ناصر على الشرب منه لكونه كان يحاذر عملية تسمم ويومذاك لم يحضر على ناصر الاجتماع فيما كانت سيارته المرسيدس تنتظر عند مدخل البناية حيث قاعة الاجتماعات.

فوجئ الحاضرون بدخول مرافقه الذى ما إن انتهى من وضع ترموس الشاى فى المكان المخصص حتى استدار وشهر مسدسا صغيرا أطلق منه النار فى كل اتجاه على خصوم على ناصر".

والثابت لدى الكاتب أن على ناصر محمد "فضل الغدر بخصومه قبل أن يغدروا به".

ومن فصول الكتاب الصراع الذى قام بين على عبد الله صالح والإسلاميين بعد حرب صيف 1994 والتى انتهت بهزيمة المشروع الانفصالى للحزب الاشتراكى بزعامة على سالم البيض.

فبعد حرب 1994 أراد صالح إيجاد ما يواجه به "الإخوان المسلمين" الذين كانوا حلفاءه فى الحرب.

وبرأى الكاتب فإن صالح لعب دورا أساسيا فى بروز "العامل الحوثي" فى الشمال اليمنى لكن إيران سارعت إلى استيعاب "الحوثيين" الذين صاروا مرتبطين بها أكثر بكثير من ارتباطهم بصالح. بقى اهتمام الكاتب منصبا على اليمن والذى صار كاهتمام عاشق ببلد لا شبيه له فى العالم من خلال مقالاته السياسية التى تنشر فى العرب اللندنية والرأى الكويتية والمستقبل اللبنانية.

ولا تكاد شخصية يمنية سواء من الدولة المشطورة نصفين سابقا أو فى الدولة المحترقة حاليا إلا ويفند خير الله مواصفاتها السياسية والاجتماعية مع احتفاظه بصورة بالأبيض والأسود عنها ووثائق ورسائل عن زمن الثمانينات وبعضها صور تجمعه بقيادات تلك المرحلة حيث أجرى أحاديث صحفية معها بصفته رئيسا للقسم العربى والدولى فى صحيفة النهار اللبنانية بين 1976 و1988 ومديرا للتحرير فى صحيفة الحياة اللندنية بين 1988 و1998 وكاتبا عربيا مستقلا من 1998 إلى اليوم.