أبوظبي – صوت الإمارات
يمثل مهرجان قصر الحصن في أبوظبي احتفالاً سنوياً بالتراث الإماراتي بكل عناصره؛ وفي هذا العام يحتفي المهرجان في دورته الرابعة، التي تقام حالياً وتستمر حتى 13 الجاري، بسبعة عناصر رئيسة من عناصر التراث الإماراتي التي سجلتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ضمن قائمتها للتراث الثقافي الإنساني غير المادي، وهي: القهوة والمجلس والرزفة والصقارة والعيالة والتغرودة والسدو، والتي تتوزع بين مناطق المهرجان المختلفة، وهي: الواحة والصحراء والبحر وجزيرة أبوظبي.
من «القهوة»؛ التي تشغل مساحة في مدخل منطقة الواحة، ولتقدم لزوار المهرجان القهوة الإماراتية الأصيلة في أجواء عصرية مريحة، بدأت الجولة الإعلامية التي نظمتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، مساء أول من أمس، لعدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية في أرجاء المهرجان، إذ شاهد الإعلاميون الطريقة التقليدية لإعداد القهوة، مع شرح عن أهمية هذا المشروب الذي يمثل رمزاً للكرم والحفاوة بالضيوف، ومن دونه لا تكتمل مجالس العرب أو أركان الضيافة الأصيلة، بالإضافة إلى التعريف بالعادات والتقاليد المرتبطة بإعداد القهوة وتقديمها؛ مثل ضرورة تقديمها ساخنة، إذ يعد تقديمها باردة عيباً واستهانة بالضيف، وآداب تقديم القهوة في المجلس، مثل أن يتم التقديم للشيوخ في البداية، ثم كبار الشخصيات، وإذا لم يكن هناك شيوخ في المجلس، يبدأ التقديم من اليمين.
في منطقة الصحراء؛ يشاهد زوار المهرجان عناصر أخرى من العناصر السبعة، مثل عروض العيالة التي تعد من أهم فنون الأداء الشعبية، وتجتذب أعداداً كبيرة من زوار المهرجان من الأسر والأفراد، ومشاركة ملحوظة من الأطفال والنشء الذين تجتذبهم هذه اللوحة الاستعراضية التي يؤديها صفان متقابلان من الرجال يحملون العصي، وينشدون الشعر في حركات إيقاعية مشتركة على أنغام الطبول. وترمز العيالة إلى قيم الولاء للدولة، والقوة والفروسية، وهي مظهر أساسي لا تكتمل من دونه الاحتفالات الوطنية والأعراس.
غير بعيد؛ تجلس صانعات السدو الذي يمثل عنصراً من عناصر التراث الإماراتي، وأحد فنون النسيج التقليدي الذي برعت فيه المرأة في المجتمعات البدوية في الإمارات، ويتم تصنيعه باستخدام خيوط ذات ألوان جميلة مثل الأحمر والأبيض والأسود، تتداخل في تكوينات هندسية أنيقة تستخدم في الملابس والأثاث والإكسسوارات، ومع مرور الزمن اكتسب السدو أهمية كبيرة وحمل رمزية ثقافية وتراثية.
ويجتمع الصقارة والتغرودة معاً في ساحة المهرجان الذي يتيح للزوار فرصة التقاط الصور مع الصقور والصقارين، والتعرف إلى فنون الصقارة وعمق الروابط التي تجمع بين الصقارين وطيورهم التي يتعاملون معها باحترام واهتمام كبيرين، ويمنحونها صداقتهم.
كما يقدم المهرجان فرصة للزوار لحمل الطيور والتعرف إلى الصقارة وتوارثها عبر الأجيال، وأهميتها في التقاليد الإماراتية، والتجول في معرض مستشفى أبوظبي للصقور، إلى جانب الحصول على معلومات عن برنامج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، لإطلاق الصقور.
وإلى جانب الصقارين؛ يجلس مؤدو التغرودة ينشدون ما حفظوه من شعر غنائي شعبي بأصوات شجية تجذب المستمعين، أحياناً بمصاحبة الربابة وأحياناً من دونها، إذ تمثل التغرودة أحد العناصر السبعة التي ضمتها قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي الإنساني غير المادي، باعتبارها من الفنون التي توارثها أبناء الإمارات عن الأجداد الذين اعتادوا إنشاد قصائد الشعر الشعبي، وهم على ظهور الجمال خلال الأسفار الطويلة في الصحراء، أو لبناء وتعزيز العلاقات الاجتماعية في الاحتفالات القبلية والأعراس، واللقاءات بين الأصدقاء حول نيران المخيم، وغالباً ما تتغنى أبيات التغرودة بالفخر والحكمة.
كذلك تضم جنبات مهرجان قصر الحصن في دورته الحالية عروض الرزفة التي تقام في مواقع مختلفة منه، باعتبارها فناً شعبياً أصيلاً يجمع بين الموسيقى والشعر والحركات الإيقاعية الجماعية، يتم تقديمه في الأعياد والاحتفالات لتكريم قيم الشجاعة والشهامة.
ومن المشاهد اللافتة في المهرجان الطابور الطويل الذي يضم زواراً من مختلف الجنسيات والأعمار اصطفوا في انتظار دورهم لدخول مبنى قصر الحصن والتعرف إلى ما يضمه من الداخل، والاطلاع على عمليات الترميم التي تجري فيه حالياً، إذ تعد فترة المهرجان هي الفرصة الوحيدة أمام الجمهور لزيارة المبنى التاريخي المهم، بحسب ما أوضح مدير الإعلام في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، سعود الحارثي، خلال الجولة، مشيراً إلى أن من الإضافات الجديدة في المهرجان، هذا العام، عرض ضوئي يوظف مباني قصر الحصن ليروي قصة المبنى وقصة بناء أبوظبي، وتأثيره المحوري في رسم تاريخها.
في داخل القصر يقدم الفيلم على مدى 15 دقيقة قصة أبوظبي وقبيلة بني ياس، إذ كان اكتشاف الماء في أبوظبي نقطة تحول في تاريخها وتاريخ المنطقة ككل، كما يستعرض الفيلم جانباً من حكام آل نهيان الذين سكنوا القصر، وصولاً إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. أيضاً يعرض فيلم مماثل، ولكن أقل في مدته الزمنية، داخل مبنى المجلس الاستشاري الوطني الذي بناه الشيخ زايد في محيط قصر الحصن عام 1968، وشهد جانباً من اجتماعات الإعداد للاتحاد، ثم اتخذ مقراً للمجلس الوطني الاستشاري، ثم المجلس الوطني الاتحادي، واستمر مقراً للمجلس حتى فترة التسعينات.
ترميم
وعن عمليات الترميم؛ أشار الحارثي إلى أنها مستمرة، نظراً لأهمية المبنى التاريخي وتعدد مراحل بنائه، مشدداً على أن من أهم أهداف هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة هو الحفاظ على المباني التاريخية في الإمارة.
وأوضح أنه ليس هناك موعد محدد للانتهاء من عمليات الترميم، نظراً لأن الترميم يتم بناء على دراسات وأبحاث دقيقة يتم إجراؤها، ما يتطلب فترة طويلة لتخرج بشكل متقن ودقيق، لافتاً إلى أن استراتيجية الهيئة تقوم على انتقاء أفضل الشركاء لتنفيذ مشروعاتها، ومن بينها عمليات ترميم قصر الحصن.
بينما أوضح مدير قسم الهندسة المعمارية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، مارك باول كيفن، وباحث المباني التاريخية في الهيئة، عمر الكعبي، أن مبنى قصر الحصن يظهر هذا العام بحلة رمادية مختلفة عقب إزالة المزيد من الطبقات البيضاء التي أضيفت إلى جدران القصر الخارجي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
وأشارا إلى أن الخبر السار الذي كشفت عنه الدراسات هو وجود أجزاء كبيرة من المبنى الأصلي مازالت قائمة، وتقوم عمليات الترميم حالياً بدراستها لترميمها وفق أحدث النظريات في تحقيق التوازن بين اعتماد المواد التقليدية والتقنيات الحديثة لإعادة القصر إلى صورته في الفترة من 1939-1945.