القاهرة ـ صوت الإمارات
تمتلئ الحياة بمواقف منها ما هو مضحك وما هو مبك ومنها ما تقشعر له الأبدان... وتعج أقسام الطوارئ بالمستشفات بمثل هذه المواقف.
يتناول الطبيب المصري يحيى قدري الذي تخرج في قسم الطوارئ والحالات الحرجة بكلية الطب في كتاب جديد صدر له بعنوان (دكتور طوارئ .. يوميات واقعية من المستشفيات المصرية) بعضا من هذه المواقف التي يمر بها من خلال عمله كطبيب طوارئ في بعض المستشفيات الحكومية والخاصة.
يبدأ قدري فصول كتابه بحوار يدور خلال اتصال هاتفي بينه وبين أمه التي تريد رؤيته وترغب في أن يتزوج لتحمل أحفادها وأن يكون مثل باقي الأطباء فتقول له "افتح لك عيادة وروح العصر زي الناس.. طب اتجوز حد يراعيك ويغسل لك هدومك."
ونفدت الطبعة الأولى من الكتاب الصادر عن دار دوّن للنشر والتوزيع والذي يقع في 182 صفحة من القطع الصغير فيما يتم التجهيز للطبعة الثانية في حين قال قدري إن الكتاب سيتم توزيعه خارج مصر وفقا لخطة دار دوّن.
ويسرد الكاتب حواراته ومواقفه بلغة سهلة وخفيفة تدل على المستوى اللغوي للذين شاركوه في المواقف.
ومن هذه المواقف على سبيل المثال ما هو مضحك مثل ما تعرض له مع أحد سائقي الميكروباص الذي كان قد أنقذ أخيه وعندما رآه السائق أصر أن يركب معه لكي يوصله إلى عمله في مستشفى زايد ورفض أخذ الأجرة منه.
ويدور بينهما الحوار التالي: "أخويا جالك زايد التخصصي وكان بيتعالج على إنه مغص وإنت قلت زايدة مفجورة (منفجرة) ودخلته العمليات / إمتى ده؟ / من كام شهر. وكان بيكح دم ويرجّع دوالي مريخ (مريء). / مرييييخ وبقى كويس دلوقت / زي القرد وسط عياله / الحمد لله طيب أحاسب طاه مايصحش / عليا الطلاق هاخش بالميكروباظ (الميكروباص) جوا المستشفى وأنزلك في الطوارئ./ أسيادنا وأمي راضيين عليك."
ويصف قدري طبيب الطوارئ وتخصصه في كتابه من خلال حوار قائلا "ماسك رسم قلب / وبتجبس واحد مكسور / وبتعالج كريزة كلى / محسوبك سواق وبيفهم / إنت بتاع طوارئ/ يعني لما إيه يوجعني أجيلك؟! أنا آخر واحد هتشوفه قبل ما تطلع فوق!"
وعن مفهوم طبيب الطوارئ وكيف يتعامل معه وصف قدري كيف يذوب الجو القدسي للمستشفى في فوضى الشارع في غرفة الطوارئ.
ويقول "الهزار لما تشرح لسواق عيان بيتفرج عليك بتعالج مغص كلوي وكسر دراع وتبص في رسم قلب وهو مش مستوعب انت دكتور باطنة ولا قلب ولا عظام ولا جراحة وهو بيدخن في المستشفى وجاي بيسألك ويفتح كلام."
وأضاف أنه يضطر عندها للحسم لكي يترك السيجارة ويقول لمحدثه إنه "آخر واحد هايشوفه قبل مايطلع فوق بدون اشتباك وكلام كتير."
وعن مضمون الكتاب قال قدري "لو أمعنا النظر في الكتاب ده أظن محتواه غير ساخر على الإطلاق... أنا شاعر عامية ليا ديوانين نيجاتيف صدر 2009 وكهربا رباني 2015 وحبيت أوثق تجربة إنسانية عشتها خلال الخمس سنين اللي فاتوا من يناير 2011 في صورة يوميات من داخل المستشفيات في مصر."
ومن بين المواقف ما يبكيك مثل موقف عنونه الكاتب (فتاة الحمام). وفي هذا الموقف يقول الكاتب إن شابا استغاث بهم لأن اخته "مرمية قاطعة النفس" فيتوجه الكاتب معه بالإسعاف ليجد "فتاة شابة ملقاة في الحمام دون نفس" فينقلها إلى المستشفى وتعود إلى الحياة وما تلبث إلا 24 ساعة ثم تموت.
ويقول الكاتب "بعد ثلاثة أيام يحضر أخ المريضة بعد وفاتها ويبحث عن الفريق الطبي الذي تعامل معها فيحاول الجميع إخفائي خشية حدوث صدام أو تعدِّ فيخبره الجميع أنني نائم / يقتحم غرفتي لأجده فوق رأسي أتذكره جيدا. شكرا إنكو عملتوا اللي عليكوا مش عارف أقول لكوا إيه." ثم يواصل الكاتب قائلا "بعد سنة / يعاد فتح التحقيق في سبب الوفاة. يتضح أن الشاب قتل شقيقته بالسم ليرث."
وعن روح الفكاهة السائدة في الكتاب وكيفية تعامله مع حالات الطوارئ بهذه الروح يقول الكاتب "صدقني بيبقى جزء من اللاوعي لكن خلينا نتكلم بشكل مهني ومصري في نفس الوقت ... أي مريض هو عبارة عن مسألة كلامية أو لغز بداية من تاريخه المرضي وشكوته (شكواه) واللي انت هتعمله معاه ورسايلك ليه وأكيد محتاج حل مهما كانت عقيدته أو مرجعيته أو طريقة ولغة ولهجة كلامه ومفيش بديل غيرك قدامه يستقبل ويحل المعضلة دي."
ويتابع قائلا "عملت لسنوات في مجموعات توعية صحية ومعرفية للقرى والمراكز الفقيرة ومستشفيات في سيناء والبحر الأحمر ومطروح وده نور في رأسي أشياء كثيرة عن كسر الحاجز بينك وبين المريض الذي يسهل ويحدد المطلوب في أقل وقت ووفر هذا مساحة واستيعاب عن كيفية التعامل مع المصريين بالنكتة.. ومتى تبقى صارم وصادم وكيف تختار شخصيات تتعامل معاها من أهل المرضى في التجمعات الكتير ووسط البكاء والصريخ وأنت ثابت ومحدد وقادر تحافظ على أمانك وأمان الفريق اللي انت شغال معاه."
وعن أعماله القادمة قال قدري "بحضر لديواني الثالث (بير العبد) ومشروع رواية اسمها (ممر فيلادلفيا).
وحول ردود الفعل على الكتاب يقول الكاتب "فكان رد فعل الزملاء العاملين بالمجال الطبي إن الكتاب بيشرح حياتهم ومشاكلها من الداخل وكل ما يواجهونه وكشف عن الصورة المتصدرة للناس إعلاميا عن الإهمال الطبي والتقصير المستديم ولا أحد منهم بيرد أو قادر يوصل الصورة بشكل منطقي أو قادر يحط كل الأطراف قصاد بعض ويسيب الناس تحكم أو ينور على مشاكل محتاجه حل وده لقوه في الكتاب ده.
"ولقيت مخرجين سينما وكتاب سيناريو وأطياف كتير من المجتمع غير العاملين بالمجال الطبي بتوقفني في المترو وبتناقشني في مواقف مكتوبة وده حصل معاهم والعالم الخفي اللي مكنوش يعرفوه واللغة والتناول وصّلت وشرحت الفترة دي من تاريخنا بشكل غير تنظيري ولا فوقي لأن الناس باختلاف طبقاتها بتقابل دكتور الطوارئ وهو متورط معاهم وهما محلتهمش (لا يملكون) غيره في اللحظة دي من الدنيا."
وعن استمراره في عمله كطبيب طوارئ أو تحوله للكتابة بشكل كامل يرى قدري أن "طبعا بدون أي نقاش أو اهتزاز في النقطة دي مكمل كطبيب طوارئ. عندي معتقد أن الكتابة هي اشتباك مع العالم وحوار مع الآخر أيا كان صورته أو صورة المنتج الفني اللي طالع. مش شايف إني ينفع ع الأقل بالنسبة لي أبقى قاعد بنظر وأكتب وأنا قاعد في بيتنا مش هافهم ولا استوعب غير لما أتورط مع الناس واكتشفهم واستوعبهم ويؤثروا فيا وأثر فيهم الكتابة هي فعل موازي للحياة. الكتابة أن تكتب عما تعرف ومش هاتعرف غير لما تعيش وتلف وتشوف وتراهن وتتعلم وتكسب وتخسر."