صدر مؤخرا عن "دار توبقال" للنشر في الدار البيضاء، الديوان الشعري الجديد للشاعر المغربي محمد بشكار، تحت عنوان «عبثاًّ لكمْ أُريد» وهو الديوان الرابع للشاعر بعد «ملائكة في مصحات الجحيم»، و»خبْطُ طَيرْ»، و»الُمتلعْثِمُ بالنَّبيذْ». ويقع هذا الديوان في 85 صفحة من القطع المتوسط وضم 16 قصيدة ابتدأت بقصيدة: «أناشيد بديع الزمان الهذياني»، وانتهت بقصيدة: «ذاكرة لويريد الفراغ». يراهن الشاعر بشكار في منجزه الشعري هذا على فلسفة اللغة، والإيغال في المعاني المُستغورة والعصية والبعيدة المنال، وقد ظل وفيّا لصوته هذا حتى في هذا المنجز الشعري الجديد، بالرغم من أن القصيدة الشعرية العربية الراهنة عرفت تحولا خطيرا مس بنيانها ومعمارها الفني وانزاحت عن هذا الخط وأصبحت تراه مُبتذلا، حيث أن النص الشعري الجديد مال الى البساطة في اللغة. نصوص محمد بشكار في هذا الديوان تحمل بصمة خاصة من بصمات الكتابة الشعرية العربية القوية وتؤكد عُمق أفقه اللغوي وسعة معجمه الصوفي. في قصيدته «كم ساعة في الساعة؟» يقول الشاعر: «أَيُّهَا المُتَشَاجِرُ بالشَّجرِ، النَّعْشُ بَاب السَّماءِ إذَا أنْتَ أوْقَفْتَ قَامَةَ سَرْوِهِ، يَخْرُجُ/ يَقْظانُ حيّا، وَتَغْدو عِظَامي مَزاليجَ/ تُوصِدُنِي؛ جَسَدي لمَ لاَ/ تَتَنفَّس نِسْيانَ وَحْشٍ يَشُلُّ زَئيرُهُ/ فِي عصَبِ الأَرْضِ/ ذَاكِرَتي؟». ومن قصيدة «أيقونات» نقرأ: «تَطيحُ فَأنْحَلُ مُنْغَزِلاً كَالعنَاكِبِ فِي إبْطِ ذَاتِي لأَتْرُكَ للرِّيحِ منْ مَسْرَبي مَا يُحَوِّلُ زَفْرَتَها العَاصفيَّة أنَّةَ نايٍ سَتَقْتُلُنِي بالأغاني... انْظُرُونِي: كَأنِّي عَلَى يَدِهَا القَدَرِ الوثَنيِّ، رَهينَةُ ألْجِمَةٍ منْ ذَهَبْ بَلْ كأنِّي بكُلِّ الأَنينِ الَّذي يَتَرَيَّشُ في جَسَدي الحَجَليِّ». ومن خلال هذا المقطع يستعيد الشاعر تجربة النبي يوسف وما جرى له مع إخوته، ويُحين علاقته مع العالم باستدعاء تجربة حي بن يقظان في التواصل مع عالم غريب، حيث لم يعد الشاعر قادرا على فهم الناس وانشغالاتهم بهوى باطني وبملذات الحياة واستهتارهم بالقيم الرفيعة التي تؤسس لها فلسفة الوجود، وتهافتهم على الماديات التي تشيئ القيم الإنسانية. ختاما نقول إن الشاعر محمد بشكار يحتفي باللغة ويجعلها إطارا ذهبيا للوحاته الشعرية التي تحبل بالرموز الصوفية التي عهدناها في أعماله السابقة.