"دفاعًا عن التراث" كتاب جديد للدكتور جابر عصفور، صدر عن "الدار المصرية اللبنانيـة"، ويقع الكتاب في 286 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي الكتاب بعد الإهداء والمقدمة على أربعة أبواب كبرى هي "عن القص" ، و"ثائرون و مفكرون"، و"إضاءات وملاحظات"، و"محاكمة ألف ليلة وليلة"، متضمنة اثنان وعشرين فصلاً. ويشمل باب "عن القص" ستة فصول وهي: ملاحظة حول تراثنا القصصي، وأمثولة شهرزاد، وطبعات ألف ليلة وليلة، وحكاية الشيخ قطة، وتحولات الليالي، وسر شهرزاد. وفي باب "ثائرون مفكرون" يحتوي على خمسة فصول هي: معاني الاحتفال بالتوحيدي، وأبو حيان التوحيدي بعد ألف عام، والرغبة الملتبسة في الكتابة، ومفكر إنساني ننتسب إليه، والإنسان والفنون. أما باب "إضاءات وملاحظات" فيشمل خمسة فصول هي: عن الطعام والجنس، وإفروديت وموائد الحب، ومذمة الزوجات النكدات، وحرف في اللغة الشاعرة، والمتزمتون. وفي الباب الأخير "محاكمة ألف ليلة وليلة" نجد ستة فصول كلها مخصصة لكتب "ألف ليلة وليلة"، والذي يُعد أقدم كتاب في فن القص، وهي: مصادرة ألف ليلة وليلة، وإنقاذ ألف ليلة وليلة من الحرق، ودفاع مجيد عن ألف ليلة وليلة، وحكم تاريخي لصالح ألف ليلة، ومرافعة البلبل في القفص، و دفاع أخير عن ألف ليلة. ومن فرط محبة الدكتور جابر عصفور وتفانيه في الدفاع عن  "ألف ليلة و ليلة" يهدي كتابه كله إلى القاضي المستنير سيد محمود يوسف، الذي لا يعرفه شخصيًا، ولكنه قرأ حيثيات أحكامه الحاسمة برفض مصادرة ألف ليلة وليلة، واتهامها بالإساءة إلى الآداب العامة أربع مرات. "دفاعًا عن التراث" هو الكِتاب الثاني للدكتور جابر عصفور، الذي خصصه للتراث العربي، بعد كتابه السابق مباشرة "غواية التراث"، والذي صدر أيضًا عن "الدار المصرية اللبنانية"، و يُعد الدكتور جابر عصفور أحد كبار نقاد الوطن العربي، الذين غاصوا في هذا التراث، واستخرجوا كنوزه الباقية، ومعانيه الحضارية، التي أثرت في البشرية جمعاء. ويكون الدفاع عن التراث في رأي الدكتور جابر عصفور، كما يوضح في مقدمة كتابه الجديد "الدفاع عن التراث، خصوصًا الإبداعي والأدبي، له أشكال وأساليب متعددة، هناك الدفاع بإبراز القيم المتجددة من هذا التراث، الذي لا ينحصر تأثيره في عصر واحد، انتهى منذ زمن يفصلنا عنه ويباعد بيننا وبينه، وإنما يجاوز عصره أو القرون الذي شهدته زمانًا ومكانًا إلى غيره من العصور والقرون والأمكنة، التي تمتد بامتداد الإنسانية كلها". ويضيف الدكتور عصفور في مقدمة كتابه قائلاً "إن الجانب الإبداعي الأصيل من التراث، هو الجانب الذي يغوص في أعمق أعماق زمنه الخاص، فيصل إلى الجذر الإنساني، الذي يجعله قادرًا على إثارة كل الأزمنة الإنسانية، في كل مكان، يعرف معاني الحق والخير والجمال، ولذلك بقدر ما يتحدث نقاد الغرب عن شكسبير معاصرنا، وعن هوميروس الذي تتجدد معاني إلياذته وأوديسته في كل العصور، رغم اختلاف آليات تلقيها في كل زمن أو بيئة أو لغة، فإننا بالقدر نفسه، يمكن أن نتحدث عن العام الذي نجده في الأصيل من الخاص في التراث الأدبي، أو في القيمة الإنسانية التي نجدها في الإبداع المحلي لهذا الشاعر الجاهلي أو ذاك، أو هذا الناثر العباسي أو غيره من أهل المنثور أو المنظوم، ولهذا فالأبعاد الوجودية التي نجدها في شعر طرفة أو الصعاليك في العصر الجاهلي تتجاوب مع أبعاد مشابهة عند شعراء عصور لاحقة، إلى أن نصل إلى أبي العلاء المعري، الذي كتب ضده المتزمتون وضيقوا العقول الذين هاجموه، وناصبوه العداء، ولم يكفوا عن اتهامه بالكفر، فرد عليهم بكتابه زجر النابح، والأمر ذاته ينطبق على روائع المنظوم الموازية، إلى جانب روائع المنثور، سواءًا كنا نتحدث عن تراثنا الصوفي أو العقلاني الكلامي، أو الفلسفي الخالص، أو غيرها من تيارات التراث التي تختلف وتتعارض أو تتناقض أو حتى تتصارع من منظور رؤى العالم، لكنها تتجاوب فيما تحت السطح الخارجي في جذر القيمة الجمالية التي تنطوي بالضرورة على أبعاد أخلاقية وسياسية واجتماعية، هي أوجه متعددة لجوهر التجربة أو التجارب الإنسانية المختلفة في المظهر، لكن المؤتلفة في أصل الجوهر". ويقول الدكتور جابر عصفور "ليس هناك ما يهدد هذا التراث في وجوده، أو يقوم بتشويهه في أذهان المعاصرين، ويقطع بينهم وبين تراثهم التنويري سوى المتزمتين"، الذين خصهم الدكتور جابرعصفور بفصل في كتابه، ووصف دور وظيفتهم بأنها التضييق على الناس، والحجْر عليهم فيما أباحه الله لهم، حيث قال "كل شيء عند هؤلاء المتزمتين حرام وضلالة وإثم ومعصية، البسمة غير مسموح بها، والضحكة قلة قيمة، والهزل الذي تستجم به النفس حتى تقوى على الباطل معصية تستوجب التعنيف والتقبيح، وإذا خرج كاتب عن موضوعه على سبيل الاستطراد، الذي يدفع الملل، فقد أثم إثمًا كبيرًا، خصوصًا إذا خلط الجد بالهزل، أو تنقل بينهما، كأن الحياة جد خالص ووجه عبوس ممتد، وتراثنا العربي الإسلامي مليء بأمثال هؤلاء المتزمتين الذين يفسدون على الناس حياتهم، ولا يزالون إلى اليوم يمارسون ترويع الناس بتعاليمهم، التي لا علاقة لها بسماحة الدين بأي حال من الأحوال". ويستشهد الدكتور عصفور في هجومه على المتزمتين بابن قتيبة حيث يقول "حتى ابن قتيبة، المتوفي في عام276هجري، الذي مال إلى الحنابلة، ووقف مدافعًا عن مذهب أهل السلف، وكتب عن تأويل مشكل القرآن الكريم ومختلف الحديث الشريف، لم يجد حرجًا في أن يهزل، وفي أن يروي حكايات للجنس فيها نصيب كبير، وأن تصل به رحابة الصدر إلى عدم التحرج من ذكر الأعضاء الجنسية التي رأى أن ذكرها ليس إثمًا بحال، وكان في ذلك كله مُتبِعًا عادة السلف الصالح، في إرسال النفس على سجيتها، والرغبة بها عن الرياء والتصنع، ولذلك يلتفت ابن قتيبة إلى هذا القارئ المتزمت كما لو كان يواجهه مواجهة أخرى بقول تحذيري مؤداه (لا تستشعر، أيها المتزمت، أن القوم قارفوا وَتنزَّهْتَ، وثلموا أديانهم وتورّعت، لأنه أنت الذي تزمت، فيما لم يتزمت فيه السلف الصالح، وتعصبت فيما تسامح فيه مَنْ هو أفضل منك عند الله، فاترك ما يفرح به الناس وما يرونه عونًا لهم على الحياة، التي لا معنى للجد فيها من غير لهو وفرح ومسرة!)". يذكر أن الدكتور جابر عصفور قد نذر حياته كلها، علمًا وتدريسًا ومحاضرات وكتابة، للدفاع عن الهوية العربية، من خلال ثقافتها التي شكّلت ملامحها عبر تاريخها الطويل، وذلك عبر كل المناصب التي تولاها والتي منها أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وإنتهاءًا بتوليه وزارة الثقافة نفسها لفترة محدودة، قبل أن يستقيل تضامنًا مع مطالب الثوار في التحرير، واعتراضًا على سياسات الحزب "الوطني" المنحل، وهو مؤمن بما نشأ عليه وتعلمه منذ حصوله على درجة الباكالوريوس من قسم اللغة العربية من كلية الآداب جامعة القاهرة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1965، ثم حصل على درجة الماجستير من قسم اللغة العربية من الكلية ذاتها، بتقدير ممتاز في تموز/يوليو 1969 وحصل على درجة  الدكتوراة من قسم اللغة العربية منها أيضًا، بمرتبة الشرف الأولى في العام 1973. وللدكتور جابر عصفور مؤلفات عدة منها: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي 1974، والتنوير يواجه الإظلام، القاهرة، الصادر عام 1992، ومحنة التنوير 1992، ودفاعًا عن التنوير 1993، وهوامش على دفاتر التنوير 1993، وزمن الرواية 1999، وأوراق ثقافية ـ المركز المصري العربي للصحافة والنشر والتوزيع 2003. وله كذلك بحوث ومقالات عدة منها مؤلفة وأخرى مترجمة، وقد حصل على العديد من الجوائز منها: جائزة أفضل كتاب للدراسة النقدية، وزارة الثقافة-  القاهرة 1984، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت 1985، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الإنسانية، معرض الكتاب الدولي القاهرة 1995، والوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس 1995، وجائزة سلطان بن علي العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد ـ الدورة الخامسة 1996-1997، ودرع رابطة المرأة العربية في 2003.