المغربي "إسماعيل غزالي"

ثلاثة مداخل إلى أربعة كتبٍ قصصية تفتح طرقا إلى عوالم من أطلق على نفسه تسمية "عراب الهامش المريب"، المغربي "إسماعيل غزالي" القادم مثل عاصفة سرد ذكية من الأطلس النائي . المدخل الأول إلى كتاب "عسل اللقالق" مأخوذٌ من الأرجنتيني بورخيس صاحب المتاهات:

" . . آه لهذه المتاهات . . آه لهذه الرموز . . أبدأ الكتابة وتظهر متاهة فجأة، ويحشر نمرٌ نفسه بين السطور، ويلمع خنجرٌ، وتعكس مرآة إحدى الصور" .

المدخل الثاني إلى كتاب "لعبة مفترق الطرق" مأخوذٌ من الإنجليزي "وليم بليك" صاحب الأخيلة الروحية:
" . . أن ترى عالما في حبةِ رمل، وسماءً في زهرة برّية، وأن تمسك اللانهاية في راحةِ يدكَ، والأبدية في ساعة . ." .

ويأتي بعدها المدخلُ الثالث المأخوذُ من الرسام البلجيكي رينيه ماغريت صاحب رؤية أن كلّ شيء يخفي وراءه شيئاً آخر، والإنسانُ تواقٌ بطبيعته لمعرفةِ ما لا يراه:

" . . فإذا كان الحلمُ ترجمة للحياة الواعية فإن الحياة الواعية هي ترجمة للحلم . إننا نعيش في عالمٍ يخدعنا وفهمنا له غامضٌ ومشوّش، ولهذا فإن الأحلام والخيال هما سبيلنا إلى العيش في عالم له معنى" .

لمن عرف جيدا أعمال هؤلاء الثلاثة، قد تكفيه هذه المداخل ليكون على بينة مما تحمله قصصُ هذه الكتب، أو قد تغريه فيدخل إليها محاولا استكشاف ما تأتي به لحسابه الخاص . أما ذلك الذي يجهل كل هؤلاء، فسيجد نفسه في عوالم غريبة لايخفّفُ غرابتها أي مرجع لغوي أو سردي أو تراثي أو مثل عابر، كما لا تخفف زرقة بحر أو سماء من بياض طائرٍ من طيور القارة القطبية .

قصصُ "غزالي" بهذا المعنى تستمد ضوءها، من شموسِ مدارات أخرى، عرفها هو وعرفها بعض منا، ولا تمنحها منعطفاتُ الثقافة العربية الراهنة دالة من الدلائل، بل قد يمنحها هذا المجيء من "الهامش" قوة مضاعفة، هي آتية من تراثِ قص يمكن أن نسميه تراث الحفر في جغرافيا المتاهات، أي تلك المتاهات التي تجعل الوجودَ أضعافا مضاعفة . هي ذاتها المتاهة التي رأى فيها "إيتالو كالفينو" طرقاً التفافية للهرب من الموت والعدم والزمن، وهي ذاتها التي جعلها "بورخيس" لحظة يلتقي فيها الأبدي بغير الأبدي، فيتبادلان المحو بلا توقف منذ أن كان الزمان، هي متاهة الأسطورة أو الخرافة التي تجعل الواقع جزءاً من الخيال وليس العكس . وهي ذاتها بالطبع التي جعلت الفنان ماغريت يرى أننا لايمكن أن نفصل الغامض والملتبس عن أي شيء، لأنهما جوهر الأشياء، هما عنصران كامنان في أساس الوجود، وليسا عنصرين مضافين . هما سرّ القوة الخلاقة فينا وفي الطبيعة من حولنا، لأنهما علامة أننا لم نصل بعد ولن نصل إلى يقين، وأن المتعدد في أساس الخلق، ومبرر استمراره، وليس ثنائية إما هذا أو ذاك . ولهذا رأى أن وظيفته كفنان هي أن يعيد للمألوف غرابته؛ الحجر المعلق في الفضاء، والجسم المتحول، والعبارة الطافية، والغيمة الثلجية . . والغليون الذي هو ليس غليونا، أو ما أطلق عليه "ميشيل فوكو" خيانة الصورة، وحلّل تحت هذا العنوان ما تومئ إليه اللوحة من منظور لغوي وتاريخي وبصري .