رواية

غدت ظاهرة الإرهاب خلال العقدين الأخيرين ظاهرة عالمية اجتاحت معظم مناطق العالم بدرجات متفاوتة، واختلف وقع حجمها وصداها وآثارها في المجتمعات، حسب الأسباب المؤدية لها من جهة وأساليب التعامل معها من جهة اخرى.

ولم يسلم العالم العربي من ظاهرة العنف والإرهاب التي أدت بحكم تزايدها وتناميها إلى سقوط أعداد من الضحايا و زعزعة الأمن والاستقرار وانتشار الرعب والخوف في نفوس الافراد.

ومن منطق الدور الكبير الذي تؤديه الرواية في التأثير على اتجاهات وميول الجمهور واكتسابه للمعارف والمعلومات ولا سيما وقت الأزمات ووقوع الأحداث الإرهابية، تعد الروايات العربية التي تحدت هذه الظاهرة إبداعية تأتي رواية "رايات في الضباب" للكاتب الأردني أحمد صالح، والصادرة حديثا عن دار البيروني للنشر بعمان .

وفي هذه الرواية "الغابة" تشتبك جذور التاريخ بأغصان الحاضر عبر شخصيتين محوريتين هما: (عمر) و( عمران) في رحلة البحث عن حيز ذاتي في عالم مزدحم، ويبرهنان أن الحق بوسعه أن ينزع حريته في فضاءات روحية أخرى، عبر شخصية حسن، الذي رفض الفساد وأصر على الانحياز للحق والحرية والعدالة.

"رايات في الضباب" رحلة بحث عن خلاص روحي عبر عذابات الفساد الإنساني، وكأن الكاتب يود أن يقول إن العبودية هي عبودية الفساد الإنساني، فإن تحرر الإنسان منه، حتى ولو كان في حضيض هذه العبودية ، أما الرحلة ذاتها فتبدأ بولادة الكاتب لشخصياته وليس بكتابتها، وهي ولادة قيصيرية إلى أقصى حدود العذاب، وكل شخصية تلد أوجاعها التي تحاول عبرها أن تحقق خلاصها الروحي من خلال المرور بعشاق الألم الإنساني العظيم وظلمته السادرة : "وقف مالك وتابع مناجاة روح شيخه سنصل يا شيخي ...سنصل فقد فتح الباب وظهرت العلامات"، ثم تعود الولادة عكسيا لنصل إلى الرواية ذاتها، مع ما يصاحب ذلك من أحداث تضع هامش الفساد في بؤرة الحدث.

مأزوم هذا الكاتب بالحرية ولا يتورع عن تحطيم أصنام معبد الفساد بفأسه الصغير، ليس على غفلة منا هذه المرة، بل أمام أعيننا، بجرأة نادراً ما نعهدها من روائي أردني تمرد على شروط الخوف، ثم صعد بروحه ليعلق الفأس على أعناقنا نحن يتامى الحرية، صارخاً في وجوهنا جميعاً: أنا من فعلها...وسألقي بنفسي إلى نار لن تكون برداً وسلاماً إلا حين تتحقق الحرية ..حرية الإنسان أن يكون إنسانا.