برلين ـ وكالات
تعرض الفنانون في الفترة النازية لملاحقة شنيعة، وصودرت لوحاتهم ومنعت من العرض. صالة الرواق البرليني تقدم معرضا خاصا للتعريف ببعض هؤلاء الفنانين والتعريف بأعمالهم، مع التركيز على أهمية التنوع الثقافي في حياة الإنسان.يعرض حاليا رواق العاصمة الألمانية برلين "Berlinische Galerie" معرضا للتعريف بأعمال لفنانين ألمان تعرضوا للاضطهاد إبان فترة الحكم النازي. ويحمل المعرض اسم "الفن في برلين ما بين 1933-1938: منبوذون، مطاردون وممنوعون". ومن بين الأعمال المعروضة، لوحة لآنا راتكوفسكي التي تحمل اسم "حياة المطبخ الهادئة مع سمكة". وتضم اللوحة أربع سمكات على لوحة من خشب، وإلى جانبها سكين وبيض، وكأن ربة البيت تستعد لطهي السمكات.ومن يتأمل اللوحة، لا بد له أن يتساءل عن أسباب منع عرضها، فيا ترى ما الخطر الذي شكلته تلك السمكات، حتى قرر النازيون منعها؟!من المؤكد أن السبب لا يكمن في التقنية التي اتبعتها صاحبة اللوحة عند إعدادها أو في محتواها، وإنما هو المعتقد الديني للرسامة التشكيلية نفسها وقناعاتها السياسية. فآنا راتكوفسكي يهودية كانت تنتمي لحركة يسارية تضم عددا من الفنانين. ولهذا السبب واجهت مشاكل عدة، ومنعت من عرض لوحاتها في فترة الحكم النازي، فقررت في نهاية المطاف الهجرة من ألمانيا. و ما ترتب عنها أن اسمها طُمس ومُحي من الذاكرة الفنية في ألمانيا. ويأتي هذا المعرض ضمن برنامج فني مخصص لعام 2013 في برلين تحت اسم "التنوع المدمَّر". وللتركيز على هذه الفكرة، قام منظمو المعرض بوضع لوحة من المدرسة التعبيرية بعنوان "الحياة الهادئة مع قطة خضراء"، للرسام هانس بوتشر، على يسار لوحة راتكوفسكي. وإلى يمينها وضعوا اللوحة التكعيبية للرسام رودولف أوسليغر"الحياة الهادئة مع غليون". وحول ذلك يقول هانس شتالهوت منظم العرض: "إن اللوحات الثلاث من مدارس مختلفة، وذلك لتوضيح مدى حجم سيطرة الحكم النازي على الحياة الفنية".وهدف المنظمون إلى إظهار حقيقة أن الحملات التشويهية التي أثيرت ضد لوحات معينة، لم تكن لأسباب جمالية فنية بحتة، وإنما لدوافع "عنصرية وسياسية". ويضيف شتالهوت أنه وللأسف "نجح النازيون في حملاتهم حتى في فترة ما بعد الحكم النازي، فعدد كبير من الفنانين الملاحقين آنذاك واجهوا صعوبات كبيرة في مواصلة مسيرتهم الفنية داخل ألمانيا بعد عام 1945، أو تعذر عليهم الانخراط فيها أصلا". وإلى جانب تلك اللوحات، يفسح المعرض المجال لمشاهدة جانب من مراسلات تمّت في ثلاثينيات القرن الماضي بين مدير الرواق الفني، فيردناند مولر، وبين مدير متحف فولكفانغ بمدينة دوسلدورف، كلاوس غراف باودسين، الذي كان معروفا بأفكاره النازية. وفي إحدى الصحف الفنية المختصة، وصف مولر بأنه يمثل "طبقة اجتماعية معجبة بفن منحط وساقط"، عكس باودسين الذي قيل عنه إنه يحمل "فكرا نازيا متوهجا وبالتالي فهو فنان حقيقي". وفور إنشاءه، وضع رواق برلين بين أهدافه الرئيسية، منح فضاء يليق بذكرى وأعمال أولئك الفنانين الملاحقين.ويركز معرض "منبوذون، مطاردون وممنوعون" على فن التصوير الفوتوغرافي والفن المعماري أيضا في فترة ما قبل الحكم النازي. فعرضت أعمالا لإيلزه إيرنيستين المعروفة باسم إيفا Yva، والتي تعبر عن الابتهاج الذي ساد في عشرينيات القرن الماضي. كما يقدم العرض أيضا نموذجا عن برج بوتسدام للمهندس المعماري، إيريش ميندلزون، والذي قدم أعمالا تميزت بالحداثة ومتطورة. واستطاع ميندلزون الهرب إلى الخارج، فيما قضت إيفا في معسكر الإبادة في سوبيبور. ومعلومات كهذه، وضعت وإن بشكل مقتضب عن كل رسام إلى جانب أعماله. وتذكر العروض الثقافية لهذه السنة في إطار موضوع "التنوع المدمّر"، بما فيها العرض المقدم في رواق برلين، بالعقود الثمانية الأخيرة. كما أنها تضم خمسمائة من العروض المختلفة، تسعى جميعها إلى توضيح ما دُمر. وعبر معرض "منبوذون، مطاردون وممنوعون" تسعى إدارة الرواق إلى وضع الزائر أمام لحظة تأملية لاستحضار ما حدث في الماضي، ولكي يدرك قيمة التنوع الثقافي في الحياة البشرية. بعد ذلك، يعود الزائر إلى أحضان العاصمة التي تحررت منذ مدة طويلة من القمع النازي واستعادت تنوعها الثقافي والفني.معرض "منبوذون، مطاردون وممنوعون" يستمر في رواق برلين إلى غاية الثاني عشر من آب/ أغسطس 2013.