أبوظبي - صوت الإمارات
تركزت جهود باحثي النبات خلال العقد الماضي على امتلاكه للوعي والإدراك لبيئته، بما فيها جيران من فصيلته، وأكدوا إنه يستطيع التواصل والتعبير عن إحساسه، كما ثبت بالدليل أن للنبات ذاكرة خاصة، قادرة على دمج كم هائل من المعلومات, ويرى بعض علماء النبات أن لديه نوعا خاصا من الذكاء بفضل جهازه العصبي .
في ،1900 بدأ عالم الفيزياء الحيوية الهندي "جاغديش تشاندرا بوز" سلسلة من التجارب وضعت الأساس لما يطلق عليه البعض اليوم "بيولوجيا الأعصاب لدى النبات"، وقال إن النبات قادر على التعلم وتعديل سلوكه ليتكيف مع احتياجاته وأهدافه، موضحاً أن السبب الرئيسي لهذا يكمن في الجهاز العصبي للنبات.
وأشار إن الأنسجة الوعائية الموجودة أساساً في اللحاء، تستخدم لنقل المواد الغذائية، ويعتقد أن ذلك يسمح للمعلومات بالانتقال إلى جميع أجزاء النبات عبر إشارات كهربائية وبعد عشر سنوات، كان أنتوني تريويفز من جامعة أدنبرة في المملكة المتحدة، أول من طرح موضوع ذكاء النبات بجدية غير مسبوقة، وعرف تريويفز الذكاء بالقدرة على الإحساس بالبيئة المحيطة، للتعامل مع مايدرك من خلال هذا الإحساس ودمج هذه المدركات الحسية، وتقرير آلية التصرف .
وكانت المشكلة الكبيرة المتعلقة بالسلوك النباتي عدم القدرة على مشاهدته بصفة دائمة، بحسب تريويفز، على الرغم من بعض الاستثناءات، مثل تصوير نبات فينوس صائد الذباب، وأضاف "إن عملية النمو السلوك الأكثر وضوحا لدى النبات، كما إنها عملية بطيئة للغاية" . وتم التغلب جزئيا على هذه المشكلة بعد ابتكار أدوات التصوير الفوتوغرافي والفيديوي المتطورة .
وعندما طرح تريويفز فكرة ذكاء النبات، سارع البعض إلى دعمه، وفي ،2005 تشكلت جمعية علم أعصاب النبات لتبني القضية وتغيير أفكارنا حول النبات .
أحد مؤسسي الجمعية ستيفانو مانكوسو،والذي يعمل في جامعة فلورنسا في إيطاليا، يشير "اعتقادنا بضرورة وجود المخ ليوصف الكائن بالذكاء ليس صحيحا، إذ يوجد نوع من النبات من العائلة الشوفانية، ليس لديه خلايا عصبية ولا جهاز عصبي مثل الحيوانات، لكنه قادر تماما على معالجة ودمج المعلومات التي تقرر السلوك، وربما يسمى ذلك ذكاءً" .
والجذور عبارة عن تجمعات معقدة، لها غطاء يحميها عبر تنقله في التربة، ويستشعر مجموعة كبيرة من الخواص الفيزيائية، مثل الجاذبية، والرطوبة، والضوء، والأكسجين، والمواد المغذية . ويقف وراء ذلك النسيج الإنشائي، وهو منطقة انقسام الخلايا المتسارع، وعلاوة على ذلك، هناك منطقة الاستطالة، حيث تنمو الخلايا وتطول، ما يسمح للجذور بالاستطالة والانثناء . وتتسم المنطقة بين النسيج الإنشائي ومنطقة الاستطالة والتي تعرف بالمنطقة الانتقالية بالغرابة، ودرج الاعتقاد بأن ليس للنبات أي أهداف، على الرغم من اعتقاد بالوسكا ومانكوسو أن هذه المنطقة مركز الأعصاب في النبات .
واكتشف العالمان أنها تمر بمرحلة انتقالية نشطة كهربائيا، بل واكتشفا ما هو أكثر أهم، فداخل هذه المنطقة هرمون يسمى الأوكسين، مسؤول عن ننظيم عملية نمو النبات، يتنقل داخل حاويات بروتينية تسمى الحويصلات، يعاد استخدامها بمجرد إفراغ حمولتها، ويتماثل ذلك مع تنقل الناقلات العصبية في أدمغة الحيوانات، حيث يعتقد بأن إعادة دورة الناقلات العصبية مهم لتبادل المعلومات بكفاءة ودقة عبر نقاط الاشتباك العصبي .
وهذه المنطقة الانتقالية المستهلك الرئيسي للأكسجين أيضا، ما يقربها من خواص الدماغ البشري، ودفع كل ذلك بالوسكا ومانكوسو إلى القول إن هذه المنطقة هي المكان الذي تترجم فيه المعلومات الحسية التي جمعها غطاء الجذور إلى أوامر تتلقاها منطقة الاستطالة، وبالتالي تتم السيطرة على سلوك النبات .
وما يثير الاهتمام والفضول أن وظيفة المنطقة الانتقالية ترتبط بفرضية جذر الدماغ لداروين، ويرى مانكوسو أنه يجب التركيز على الجذور لاكتشاف الجزء من النبات حيث تعالج المعلومات .
ولايتوقف تشابه ذكاء النبات مع ذكاء الحيوان عند هذا الحد، فبالإضافة إلى السلوك الغريب الشبيه بسلوك دماغي، في المنطقة الانتقالية للجذور، هناك العديد من الخلايا النباتية التي تنشط عصبيا، ففي النبات، تستطيع كل خلية تقريبا إنتاج وتوزيع إشارات كهربائية، وفي الجذور، تتمتع كل خلية حية بهذه القدرة أيضاً، بحسب مانكوسو، وبالمثل، فإن لحاء النبات نشط كهربائيا وقادرعلى إصدار الإشارات الكهربائية السريعة، بحسب مانكوسو .
سوزان مورش من جامعة كولومبيا البريطانية في كيلونا في كندا، أثبتت أن عقاقير مثل البروزاك، والبيتالين، والميثامفيتامين التي تعطل وظيفة الناقلات العصبية في أدمغتنا يمكنها أداء الدور نفسه في النباتات .
وعلى الرغم من كل ذلك، لايزال مصطلح الأعصاب في النبات مثيراً للجدل بين كثير من الباحثين، واضطر مؤسسو جمعية "أعصاب النبات" إلى تغيير هذا المصطلح إلى عبارة "سلوك النبات وإشاراته" . لتتجنب الجدل حولها .