بغداد - صوت الامارات
قرر مجلس الوزراء العراقي إقرار تطبيق «الإستراتيجية الوطنية الثانية للتخفيف من الفقر» للأعوام 2018 – 2022، من خلال تنفيذ البرامج والنشاطات التي تضمنتها، خلال احتفال برعاية منظمة «الأمم المتحدة» في العاصمة بغداد، حضرها ممثلون عن منظمات دولية وسفراء دول عربية وأجنبية، ونص القرار على «اعتماد آلية دائمة لضمان الإدارة الرشيدة في تنفيذ نشاطات الإستراتيجية وبرامجها، ومتابعتها وتقويمها، ودعم بعض النشاطات الإستراتيجية وتنفيذها ضمن مشاريع خاصة يشارك في دعمها المانحون والمنظمات الإقليمية والدولية، إضافة إلى العمل على تنفيذ مسوح للأسر وأخرى إحصائية، ودراسات تخدم رصد الإستراتيجية وتقويمها، فضلًا عن تحسين قواعد البيانات الإدارية ذات الصلة بالإستراتيجية في الوزارات والجهات المعنية».
ويشهد العراق تناميًا غير مسيطر عليه في نسب الفقر التي بلغت 32 في المئة وفقًا لآخر إحصاء، بعدما كانت 22 في المئة قبل سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» "داعش" على مدن عراقية، فيما تعرض البلد لهزات مالية عنيفة تزامنت مع الحرب على التنظيم، في مقدمها هبوط أسعار النفط عالميًا وارتفاع موجات النزوح، ما اجبر الحكومة على تبني سياسة تقشفية صارمة زادت المشكلة حدة.
وقال وزير التخطيط سلمان الجميلي، خلال الاحتفال، إن «الوزارة سعت إلى تبني نهج علمي في التعامل مع مشاكل الاقتصاد والتنمية في العراق، وذلك عبر المسح والبحث والتحليل للمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد»، مضيفًا أن «الوزارة أسست قاعدة بيانات شاملة تنبني على المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة والمسوح الأخرى، والتي تؤمن بيانات موثقة عن الأوضاع المعيشية للأفراد والأسر في العراق»، مشيرًا إلى أن «المسوح شخصت وجود مستوى مرتفع من الفقر، على الحكومة التعامل معه ومعالجته والتخفيف من آثاره».
وتتضمن الإستراتيجية اقتراض 300 مليون دولار من «البنك الدولي» لتمويل مشاريعها التي يرى القائمون عليها بأنها توجد بيئة ملائمة لتقليص نسبة الفقر في العراق، والتي وصفوها بالمرتفعة، وأكدت عضو اللجنة العليا لإستراتيجية التخفيف من الفقر، النائب نورة البجاري، في تصريح صحافي، أن «إستراتيجية التخفيف من الفقر ركزت على قطاعات مختلفة وعلى النازحين، خصوصًا أن 36 في المئة ممن يعانون من الفقر هم من النازحين». وتابعت أن «رئيس الحكومة وجّه بإطلاق تمويل لإكمال المشاريع المنجزة غير المدفوعة الخاصة بسكن الفقراء وبناء المدارس وتأمين فرص عمل للشباب، والترويج لإنشاء القرى الرائدة في الريف العراقي، وإيجاد بدائل بناء السكن الاقتصادي لمعالجة السكن العشوائي، وتبني سياسات من شأنها تقليص معدلات الفقر بنسب واضحة ومن خلال متابعة تلك السياسات».
وكشفت البجاري أن «اللجنة العليا بدأت بتنفيذ برامجها على ستة محصلات منها المشروع الطارئ لدعم الاستقرار الاجتماعي والصمود، وتوزيع قرض البنك الدولي على مشاريع التشغيل والقروض لأغراض العمل»، مؤكدة أن «نسبة الفقر في العراق أكثر بكثير من 23 في المئة، خصوصًا إذا احتسبنا عدد العشوائيات التي تؤوي ما يقرب من 4 ملايين عراقي، إضافة إلى النازحين الذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليوني نازح بحالة معيشية متفاوتة، لذا يمكن القول إن ثلاثة ملايين إنسان أضيفوا إلى قائمة خط الفقر في العامين الماضيين».
وفي شأن رواتب الرعاية الاجتماعية، قالت البجاري إن «عدد المشمولين هو مليون فرد وبعضهم يعيل أسرًا مكونة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، ما يعني أن عدد المستفيدين أكثر من 4 ملايين شخص، لكن حجم الاستفادة غير مجدٍ كون الراتب لا يتجاوز 100 دولار شهريًا بينما معدلات الفقر والتضخم والبطالة عالية جدًا».
وسبق أن أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء، مهدي العلاق، إنشاء «صندوق التنمية الاجتماعي»، لإيجاد إمكانات تمويل مشروع الفقراء سواء من جهة تأهيلهم أو من جهة بناء بعض القدرات، مثل إنشاء مصانع صغيرة"، فيما أوضح «البنك الدولي» أن «الإستراتيجية شددت على ضرورة تفعيل القطاع الخاص بهدف إيجاد فرص عمل للفقراء والنازحين، وغيرهم من الشباب العاطلين من العمل».
وأفادت دراسة لوزارة التخطيط بارتفاع نسبة الفقر في المحافظات الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى 41 في المئة، ووصلت النسبة في بغداد إلى 13 في المئة، فيما بلغت في محافظات الوسط 19 في المئة، وفي محافظات الجنوب 31.5 في المئة، وفي إقليم كردستان 12.5 في المئة».
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أقر خلال اجتماع اللجنة العليا لسياسات التخفيف من الفقر، إستراتيجية لمعالجته تبدأ هذا العام وتنتهي في 2022، وأكد خلال الاجتماع «على ضرورة تبني سياسات من شأنها أن تقلل معدلات الفقر بنسب واضحة ومن خلال متابعة تلك السياسات».
وارتفعت نسب الفقر في العراق خلال الأعوام الثلاثة الماضية من 17 إلى 32 في المئة بفعل الأزمة المالية التي تعاني منها البلد أثر هبوط أسعار بيع النفط، والحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي استنزف 30 بليون دولار من خزينة الدولة خلال عام ونصف عام»، مؤكدًا على «توفير فرص عمل للشباب، والترويج لإنشاء القرى الرائدة في الريف العراقي»، مشيرًا إلى «ضرورة مواصلة تقويم بدائل بناء السكن الاقتصادي لمعالجة السكن العشوائي».
وتعتمد خزينة الدولة العراقية على النفط بنسبة 95 في المئة لتغطية الأنفاق الحكومي، إذ تدفع الحكومة رواتب أكثر من خمسة ملايين موظف ومتقاعد ومليوني عراقي مشمولين بالحماية الاجتماعية، ما يكلف 42 بليون دولار سنويًا، ولم تفلح السياسة التقشفية لحكومة العبادي من تقليل حجم الأنفاق».
وأقرت اللجنة خلال الاجتماع، الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر في العراق للفترة 2018 - 2022، وتحقيق هدفها الأساس في خفض مستويات الفقر العام. وشدّد العبادي على أن» العراق يجب أن يخرج من حالة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي، باتباع إجراءات تستهدف الفئات الهشة خلال مدة تنفيذ هذه الإستراتيجية مع تشديد المتابعة على ذلك». «كما وافقت اللجنة «على المشروع الطارئ لدعم الاستقرار الاجتماعي والصمود بقرض من البنك الدولي، على أن يوزع على مشاريع التشغيل والقروض لأغراض العمل، فضلًا عن إطلاق تمويل أكمال المشاريع المنجزة "غير المدفوعة" الخاصة بسكن الفقراء وبناء المدارس».
ووفقًا لدراسة قامت بها «الحياة» بشان توزيع الدخل على فئات المجتمع العراقي خلال حقب زمنية مختلفة، تبين أن عام 1979 كان المجتمع العراقي ينقسم إلى ثلاث فئات رئيسية، الفقيرة 40 في المئة، والمتوسطة 40 في المئة، والغنية 20 في المئة، وكانت حصة الفئة الأولى من الدخل 17 في المئة والوسطى 42 في المئة والغنية 41 في المئة .
إما عام 1988 فأصبحت حصة شريحة الفقراء من الدخل 21 والوسطى 42 والغنية 37 في المئة، وفي 1993 إي بعد تطبيق العقوبات الدولية الاقتصادية أصبحت حصة شريحة الفقراء من مجمل الدخل القومي 14 في المئة فقط والوسطى 38 في المئة وارتفعت حصة الطبقة الغنية إلى 48 في المئة إي دون النصف بقليل».
وفي نهاية مرحلة التسعينات وتحديدًا عام 1998، أصبحت حصة الفقراء 9 في المئة فقط و30 للوسطى و61 لطبقة الأغنياء. وبعد عام 2003 والتوجه نحو اقتصاد السوق، حصل اختلال في التوزيع الطبقي إذ باتت طبقة الأغنياء تشكل ما نسبة 23 في المئة من السكان، واستحوذت على 75 في المئة من الدخل القومي. أما الوسطى فحافظت على مستوياتها لأنها فقدت نسبة باتجاه الطبقة الأولى والثالثة التي توسعت لتشكل ثلث سكان العراق».
وأعلنت وزارة التخطيط أخيرًا، عن إنجازها مسحًا وتقويمًا للفقر في العراق بالتعاون مع البنك الدولي، استمر لأكثر من شهر وشمل محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، باستخدام تقنيات حديثة، وقال الناطق باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي في بيان، إن المسح الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء شمل لأول مرة محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى بعد تحرير هذه المحافظات من احتلال داعش»، موضحًا «أنه يعد المسح الأول من نوعه الذي ينفذ باستخدام التقنيات الحديثة في العمل الميداني، من خلال إدخال البيانات عبر الأجهزة اللوحية إذ تصل البيانات مباشرة من الباحث الميداني إلى مركز الإدخال والمعالجة في مقر الجهاز المركزي للإحصاء، وهذه التقنية من شأنها المساعدة في تسريع إظهار النتائج فضلًا عن دقتها العالية» .
وأضاف الهنداوي «أن مسح وتقويم الفقر في العراق الذي ستعلن نتائجه قريبًا، سيكشف لنا عن المعدلات الحالية للفقر بعد أكثر من ثلاثة أعوام على إجراء آخر دراسة، والتي أظهرت أن نسبة الفقر في العراق بلغت عام 2014 نحو 23 في المئة، متأثرة بداعش والنفط».
وأوضح الباحث العراقي تيسير عبدالجبار الآلوسي في دراسة حديثة، أن» الفقر ظاهرة عالمية وهناك فقراء في دول فقيرة وغنية على حد سواء، لكن بنسب متباينة ويعيش حوالى نصف فقراء العالم في دول غير منخفضة الدخل». ومن هذه البلدان العراق الذي يعاني اتساع ظاهرة الفقر فيه ليتجاوز الـ 11 مليون عراقي. ولفت إلى أن النظام الجديد يتحمل مسؤولية كاملة في تأخر معالجة الظاهرة طوال الأعوام الماضية وانشغاله بظواهر ثانية لا علاقة لها بالموضوع».
ويشار إلى أن الفقر في العراق سمة رئيسة اليوم على رغم موارد كبيرة تدرها الثروات الطبيعية كالنفط وقدرات الإنتاج الفعلية لو تم تشغيلها، إما الأسباب فهي كثيرة وتتعلق بطبيعة توزيع الدخل القومي والثروة الوطنية. كما أن الفوارق في المداخيل مرعبة»، وأضاف الآلوسي «تلك الفوارق لم تأتِ عن طريق نمو متدرج في البرجوازية الوطنية، بل عن طفرات في الاقتصاد الطفيلي وما رافقه من فساد بقمة الهرم الاجتماعي وبنية مؤسسات الدولة مع سحق مرعب للفئات الواسعة... وهناك الفساد ونهب رؤوس الأموال الكبرى، في متابعة سرقة جيوب الفقراء عبر نظام الرشى المرافق للفساد، إضافة إلى التضخم والأزمات والحروب والكوارث الطبيعية».
وأعاب الآلوسي على الحكومات عدم تبنيها برامج أصلاح وتصحيح هيكلي وما رافقها من سياسات وإجراءات، تسببت باتساع البطالة وانحدار العملة، ومن ثم إلى سوء حصة الفرد الغذائية، وتراجع الخدمات الصحية، مع تدهور في مستويات التعليم ومجمل الخدمات العامة»، متابعًا «كما لم نشهد إدارة رصينة للموارد إذ تفتقر الخطط الوطنية لوجود استراتيجيات للتنمية الاقتصادية، ما يعدّ سببًت خطيرًت في نشوء ظاهرة الفقر وتزايد نسبها، وهناك مسببات أخرى تتعلق بحجم الأسرة العراقية وطبيعة البنية فيها وضغط النمو السكاني غير المسيطر عليه».
وبشأن إيجاد حلول لهذه الظاهرة، دعا الآلوسي إلى توفير دخل أعلى من العمل للفقراء وتحسين المستوى الصحي وتوفير أطر أوسع للتعليم، وتحديثه وتحسينه للفقراء، وتوفير سكن صحي لائق وإيجاد ضمان اجتماعي وحماية للفقراء وتقليص الفجوة بين النساء والرجال الفقراء.
وكشفت وزارة التخطيط في العراق أن أي فرد عراقي يعيش في أسرة يبلغ إنفاق الفرد الشهري فيها أقل من 50 دولارًا، يقع في صنف الفقراء، وأي فرد عراقي يعيش في أسرة يبلغ إنفاق الفرد الشهري فيها أكثر من 60 دولارًا يعتبر من غير الفقراء"، وقد ارتفع هذا المبلغ لتحديد حد الفقر في عام 2012 ليصبح 84 دولارًا للفرد الواحد في الشهر إي ما يساوي 2,8 دولار في اليوم.