يشقّ طريق "أورشارد"، وهو عبارة عن أرض كانت تمتد في السابق إلى مزارع جوزة الطيب وحدائق التوابل ومزارع الفلفل، المركز التجاري النابض بالحياة في سنغافورة والذي يبدو للوهلة الولى كأي منطقة أخرى في مدينة عالمية.

تتعرض المدينة النابضة إلى الإجهاد بسبب الازدحام إذ توجد أجهزة الاستشعارات وإشارات المرور، على كل عمود إضاءة وعلى كل شجرة وفي كل تجمع عام، ويتعامل مواطنو المدينة في جميع معاملاتهم التجارية بوسائل الدفع الإلكترونية، كما يمكن لسيارات أن تعمل دون سائق وأن تتجول في الموانئ مع حاويات الشحن، وتسعى الحكومة في سنغافورة إلى مزيد من التطوير، فمرحبا بك في سنغافورة، وهي مدينة على الطريق لتصبح أول "دولة ذكية" في العالم.

ويشرح كوك بينغ سون، الرئيس التنفيذي الجديد لمكتب التكنولوجيا الحكومية GovTech، والرجل المسؤول عن خطة مدتها 5 أعوام أطلقت هذا العام لتبسيط البنية التحتية والحد من البيروقراطية باستخدام أحدث التقنيات.

يقول كوك: "رؤيتنا واسعة.. لقد بدأنا في تنفيذ العديد من المشاريع الوطنية من أجل بناء الأمة الذكية..

نريد أن نرى ما يمكننا القيام به لتحسين حياة السنغافوريين ونرى ما يمكننا القيام به لخلق فرص عمل"، ومن خلال تحديث خدمات القطاع العام تأمل GovTech أن تمنح السنغافوريين سهولة الوصول إلى كل ما يحتاجون إليه حيث تركز الحكومة تعميم أجهزة الاستشعار الذكية واستخدام التكنولوجيا في جميع نواحي سنعافورة، فتزوّد الحكومة 120.000 من أعمدة "الإناره الخافتة" بأجهزة استشعار التعرف على الوجوه التي تقوم بالمراقبة لمدة 24/7 لمزيد من الأمان للمواطن، كما يتم نشر أجهزة استشعار الحركة في حمامات السباحة للكشف عن احتمالية غرق أي شخص، وأيضا تتخذ وكالة المياه الوطنية إجراءات وقائية لمنع زيادة ملوحة الصرف في موسم الرياح الموسمية من خلال الكشف عن مستوى المياه.

وأثار الوصول الجماعي لبيانات المواطنين تساؤلات بشأن الاختراقات المحتملة للخصوصية، لكن بينغ سون حريص على أن يؤكد للسنغافوريين أن الحكومة تأخذ خصوصية بيانات الخصوصية على محمل الجد، وقال بينغ سون "هذا هو الشعور الذي تم تقاسمه.. أنا دائما نضمن سرية خصوصية البيانات. معظم هذه المعلومات نلتقطها وتستخدم فقط على أساس مجهول".
وظهرت بعض التقنيات التجريبية على رادار سنغافورة أيضًا، ويجري بالفعل اختبار طلبات الحصول على تقنية blockchain، وهو سجل لا مركزي لاختبار صحة الشهادات التعليمية، في حين يجري اختبار المركبات ذاتية الخدمة في المواقع ثابتة ولخدمات النقل العام مثل الحافلات المكوكية، وفي الوقت نفسه يجري النظر في تمديد الذكاء الاصطناعي إلى المطارات

. يمكن مستقبلا للمسافرين في العالم أن يسافروا على متن طائرة في مطار جيان تشانجي والذي من المقرر افتتاحه في العام المقبل دون الحاجة إلى القيام بمسح جوازات السفر في المستقبل القريب والواضح من خلال التعرف على الوجوه أثناء الرحلة.

وتخطط سنغافورة لخطة غير التقليدية وهي تجربة تكنولوجية لخلق بلد مليئة بالأشجار، حيث تدير شركة NParks التابعة إلى حديقة سنغافورة الوطنية خطة لوضع ما يقرب من مليوني شجرة، وتحت إشراف GovTech، تم رسم خريطه لـ500000 شجرة على الأقل على منصة trees.sg الرقمية.

ويمكن للسنغافوريين من خلال الوصول إلى قاعدة البيانات معرفة وقت ازدهار شجرة معينة، والشارع الذي تقع فيه، إلى أين تمتد وفقا لبينغ سون، فإن الفكرة هي أكثر من مجرد وسيلة للتحايل. إن خريطة الأشجار تتعلق أساسًا بإعطاء السنغافوريين فرصة التفاعل مع الطبيعة، ومع بعضهم البعض.

وتعدّ قفزة سنغافورة إلى الأمام إنجازًا في حد ذاتها بالنسبة إلى بلد بحجمها ومكانتها، ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمكن للمملكة المتحدة أن تنظر إلى الخارج وإلى سنغافورة للحصول على دروس، ومن الإنجازات الأخرى لسنغافوره، أنه في الشهر الماضي، في فندق Orchard Hotel Singapore التابع إلى مدينة المدينة، تم إطلاق مبادرة جديدة تسمى "منصة التجارة الشبكية" (Networked Trade Platform)، والتي وعدت بتبسيط قواعد البيانات المعقدة التي تشابك العمليات التجارية.

ويعد نقل الوثائق بين وكلاء الشحن والإقرارات الجمركية وحجز البضائع وخدمات الشحن ليس سوى بعض من الخدمات اللوجيستية التجارية المجمعة في المنصة الجديدة

. ويقول بينغ سون إنها تسمح بسهولة حركة السلع والخدمات خلال الموانئ. من خلال رقمنة العملية برمتها فإن التخليص الجمركي الكامل للسلع والخدمات يمكن أن يتم بشكل أسرع.

وتعدّ هذه الخطوة منطقية لدولة تفتخر بواحد من أكثر الموانئ ازدحاما في العالم، لكن مع تعثر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في التجارة، فإن أي حل قد يضمن التخليص التجاري قبل أن تلمس السفينة الشاطئ أو يزيد من سرعة عملية التحميل والتفريغ، يستحق النظر به.

ويقترح بينغ سون في تقييمه للتقدم في سنغافورة أنه على يحب المملكة المتحدة تحذو حذوها، لكن يؤكد أن سنغافورة لديها خمسة أعوام لتنفذ كل خططها المستقبلة.