نيروبي نانسي نجم
تصعّب الكيني فريدريك أوكو، 34 عامًا، في الحصول على فرصة عمل مهمة، على الرغم من الشهادات الجامعية التي يحملها، حيث وجد نفسه مستبعدًا من العمل لأنه يستخدم كرسيًا متحرّكًا، مشيرًا إلى أن "مجرّد ركوب وسائل النقل العامة يستغرق وقتًا طويلًا حيث يجب عليك أولا انتظار حافلة بها مساحة تتسع لك وللكرسي الخاص بك، وعند ظهورك في أحد مكاتب مقابلات العمل يتم استبعادك وأنت على عتبة الباب لأنهم يظنّوك تتسوّل، هناك فكرة عامة أنه إن كنت معاقًا فأنت لا تحتاج إلى العمل لأن عائلتك تعتني بك أو أنك تستفيد من إعانات الحكومة، ولا يعتقد أي صاحب عمل أنك ترغب في العمل وأنك ربما تكون مؤهلًا".
وولد أوكو مُعافى لكنه عاني من مرض شلل الأطفال ما جعل ساقيه ضعيفتين، وتعتبر تلك مقدمة غير صالحة لأصحاب العمل الكينيين لذلك بدأ في التفكير في كيفية الوصول إلى الشركات التي ربما تهتم بتنويع القوى العاملة لديها مع شرح الفائدة المحتملة لضم موظّفين متنوعين للشركات الأقل تقدمًا، ولا يمكن الاعتماد على إحصاءات الحكومة بشأن المعاقين والتي تضم المصابين بالمهق، فيما تعتقد منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 3 مليون شخص معاق في كينيا
وبدأ أوكو في تطوير منصة على الإنترنت باسم "Riziki Source" لتوصيل الباحثين عن عمل بأصحاب العمل، ويعني الإسم باللغة السواحلية "الرزق"، ويقوم المستخدمون بإدخال مؤهلاتهم ومهاراتهم وموقعهم وما إن كانوا يعانوا من إعاقة ويتم توصيلهم بأرباب العمل المحتملين، ويمكن لأصحاب العمل رؤية مؤهلات ومهارات المستخدمين لكنهم لا يروا السيرة الذاتية الخاصة بهم، وعندما يبدي أحد أصحاب العمل اهتمامه بأحد المرشحين يتم التواصل معه من خلال أوكو وزملاؤه.
ويطلب قانون المعاقين في كينيا لعام 2003 من شركات القطاعين العام والخاص حجز 5% من الوظائف للمعاقين، ويوضح أوكو أنه "في الحقيقة لا يتم وضع ذلك في الاعتبار فليس هناك مراقبة او جهد منسّق من قبل الحكومة لتوفير فرص العمل للمعاقين ولكن هناك مواهب غير مكتشفة ستفقدها كصاحب عمل من خلال توظيف أي شخص من ذوي الإعاقة"، وساعدت منصة "الرزق" نحو 10 من الباحثين عن عمل للحصول على عمل في أحد الفنادق ومجال تكنولوجيا المعلومات والمحاسبة والبرمجيات، وجاء البرنامج على قائمة المرشحين لجائزة أفريقيا للابتكارات الهندسية في الأكاديمية الملكية الهندسية، وقدمت إدارة العمل في كينيا 30 ألف دولار تمويلًا لها.
ويهدف أوكو إلى تغيير كيفية تناول الإعاقة في أفريقيا، مبيّنًا أنه "نحن موارد هامة لم تهتم بلادنا باستثمارها، هل يمكن تطويع التحديات التي تواجهنا مع إعطائنا فرصة باعتبارنا مؤهلين سواء كنا معاقين أو لا؟"، وكان ذلك هو نفس تساؤل الزميل الكيني بيتر مبيريا طالب الهندسة الكهربائية القادر على العمل وعمره 26 عامًا خلال الأعوام الخمسة الماضية، والذي تعرّف على القيود الحالية للتكنولوجيا الخاصة بالمعاقين عندما صادف امرأة مصابة بالشلل تعاني من التهاب المفاصل.
وأضاف مبيريا: "أمكنني رؤية كيف عانت السيدة من أجل القيام بالمهام اليومية وكنت أرغب في تصنيع كرسي متحرك يناسب احتياجاتها حقا ومنها التحرك بشكل مستقل ومريح وسعيد، هناك في كينيا الأسطح غير مستوية ومعظمها صخرية وصعبة للأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة، وفي ضواحي نيروبي لا توجد منحدرات للكراسي المتحركة"، موضحًا أن "معظم الكراسي المتحركة تقتصر على وظيفة واحدة وبعضها يتناسب مع الأسطح المتساوية والبعض الأخر يتحرك في وضع مستقيم على الرغم من أنها يمكن أن تجمع بين 3 وظائف"، وقرر مبيريا تغيير ذلك من خلال الجمع بين مفهوم الدبابة العسكرية التي تضم 4 عجلات وتصميم الكرسي المتحرك العادي، وأنشأ ما يسمى “E-Con” والذي يسمح إلى المستخدمين بصعود أو هبوط الدرج والتحرك بحرية تامة، ويتحوّل الكرسي من شكله القياسي إلى الشكل العمودي المستقيم، ويمكنه التعامل مع الأسطح المسطحة والتضاريس الصخرية، وتتكون كل عجلة من 3 عجلات صغيرة ما يسمح بقدر أكبر من الحركة والتوازن.
ويبقى كرسي E-Con في شكله الأولي، فيما يجري مبريا محادثات مع منظمة كينية لتمويل بناء النموذج الأولي والذي سيتكلف 9 آلاف دولار، كما يجب استيراد العديد من مكونات الكرسي من الخارج لأنها ليست متوفرة في أفريقيا، وتوفت صديقة مبريا المصابة بالشلل قبل أن يتمكن من عرض اختراعه عليها، وتأثّر مبريا كثيرًا بوفاتها قائلا "كنت حزينًا للغاية لأني كنت أصنع الكرسي من أجلها سرًا لكنها رحلت دون أن تعرف ماذا كنت أعدّ لها، انكسر قلبي ولكني فكرت فيما بعد أن هناك الكثير مثلها ممن يرغبون في كرسي متحرك يمنكهم من التحرك بشكل مستقل"
وتشجّع مبريا من خلال هذه الفكرة لإتاحة الكرسي إلى المحتاجين دون تأخير، مبيّنًا أنه "عندما يتمكن الناس من التحرك بشكل مستقل يمكنهم التركيز على أحلامهم وأهدافهم في الحياة وسينجحون في تخطي التحديات التي تواجههم، والأن يمكنهم أن يسألوا أنفسهم هل يمكننا بدء عملنا الخاص؟ أو ماذا يمكننا أن نفعل لمجتمعنا؟ أو ماذا أريد أن أكون؟".