الرياض ـ مصر اليوم
يرى الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي أن المثقف العربي لم يكن غائبا عن المشهد، وأن حركة الشعوب التي عبرت عن تطلعاتها في الميادين العربية لم تسجل بالضرورة سبقا متقدما على حركة رجال الفكر والأدب والثقافة.. فالمثقف العربي لم يكن «معزولا عن الحراك الشعبي، حتى لو أشار البعض إلى أن دوره كان باهتا»، كما تحدث عن التجربة الثقافية والإبداعية الكويتية، مفندا القول إنها انكفأت في الداخل، كذلك رد على المشككين في المعايير التي اعتمدتها جائزة الرواية العربية (البوكر) التي ترأسها إبان اختيارها الروائي السعودي عبده خال، معتبرا أن الرواية الفائزة هي اختيار لجنة التحكيم بكامل أعضائها في تلك الدورة، «وهي رواية تستحق الفوز بجدارة». الحوار التالي مع الرفاعي أجرته "الشرق الأوسط" عبر البريد الإلكتروني: * هناك من يرى أن دور المثقف كان باهتا في الانتفاضات العربية، ما تعليقك؟ - بداية، لا بد من التفريق بين طبيعة فعل الفكر والوعي والثقافة وبين ممارسة الحياة اليومية. وحين تكون ممارسة الحياة تمر بمنعطف تاريخي حاد وبتواتر سريع ومتغير وملتهب، فإنه من المؤكد أن مواكبة المفكر والمثقف لها ستكون أعجز من إمكانية متابعة أحداثها والإلمام بها ومن ثم مسايرتها فكرا وإبداعا. وبالنظر إلى أن ثورات الشعوب العربية السلمية العظيمة، التي رمت بكل التنظيرات والشعارات الحزبية وراء ظهرها، آخذة زمام السبق، وتحديدا الثورة المصرية، فإنني أستطيع القول إن المثقف العربي، ولا أعني الكل، استطاع أن يقوم بدوره في الوجود ضمن تيار هذه الثورة، ومحاولة المشاركة والتأثير في مجرياتها عبر تواصله مع أهلها. فلا أظن أن المثقف العربي معزول عن الحراك الشعبي، حتى لو أشار البعض إلى أن دوره كان باهتا. * ما الذي يميز التجربة الكويتية؟ وما الذي يمكن أن يحصنها من الصدمات؟ - ما يميز الكويت أن لها تجربة ديمقراطية رائدة وراسخة منذ عام 1938، وقد تبلورت كأميز ما يكون بصدور دستور عام 1962، الذي رسم العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وشيد سقفا عاليا للحرية الفردية، وأقر مبدأ الانتخابات التشريعية المباشرة، وأوضح حق وواجبات كل طرف، علما أن المجتمع الكويتي كان على الدوام في خضم حراك اجتماعي وثقافي كبيرين، لكن هذا الحراك لا يخرج عن ثوابت الدستور، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتأكيد الوحدة الوطنية، وأن كل الكويتيين متفقون على حكم أسرة آل الصباح، ويسعون لكسب المزيد من الحرية وتأكيد دور وحضور مؤسسات المجتمع المدني، وتوفير فرص عمل للشباب، وهي مطالب مشروعة، وليس من وجه مقارنة بينها وبين ثورة جياع أو ثورة تغيير حكم والإطاحة بنظام. * لكننا نلمس أن هناك حراكا اجتماعيا وثقافيا تتباين درجاته.. كيف تنظر أنت كمثقف وكاتب لهذا الحراك؟ - أكثر المظاهر تجليا لهذا الحراك هو ما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات واختلاف في وجهات النظر، بغية الوصول إلى الصيغة الأكثر ديمقراطية وحرية، وكذلك ما تشهده الساحة الثقافية والفنية في الكويت، من حراك ثقافي متصل، سواء عبر أنشطة المؤسسة الرسمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو المؤسسة الأهلية «رابطة الأدباء الكويتيين»، أو من خلال الأنشطة التي تقدمها دور خاصة كدار «سعاد الصباح»، و«مؤسسة البابطين»، و«دار الآثار الإسلامية»، و«الملتقيات الثقافية». * هناك من يرى أن الثقافة الكويتية لم تنجح بعد في الخروج من أسر المحلية، ماذا تقول؟ - هذا اتهام مردود، فأعمال النحات والتشكيلي سامي محمد معروفة وموجودة في مختلف صالات المتاحف العالمية، وأعمال السينمائي وليد العوضي، بفيلمه الروائي «تورا بورا»، حازت على إشادات وجوائز من مختلف المهرجانات السينمائية العالمية، وأعمال الفنان المسرحي سليمان البسام طافت مسارح العالم، لتستقر الآن على أرقى مسارح باريس، ومعزوفات الطفلة لولوة الشملان صارت معروفة لمتذوقي الموسيقى الكلاسيكية العالمية وحصلت على أعلى المراكز في مسابقات العزف على البيانو، وصولا إلى روايات كويتية حصلت على مراكز متقدمة في النتاج الروائي العربي، كرواية «ساق البامبو» للروائي سعود السنعوسي التي حصلت على جائزة «البوكر» العربية لهذا العام، ورواية «حذاء أسود على الرصيف» للكاتبة باسمة العنزي التي فازت بالمركز الثالث في مسابقة الرواية في الشارقة. أنا هنا لست بصدد تعداد أسماء كويتية استطاعت بإبداعها أن تصل إلى المتلقي العربي والعالمي، لكني بصدد التوضيح ودحض الادعاء. * أنت تتحدث عن أفراد وليس عن حركة.. ماذا عن المؤسسات؟ - حراك الأفراد جزء من حركة المجتمع الكويتي، وإذا أردنا الحديث عن المؤسسات فلا أحد ينكر حضور ودور مجلة «العربي» التي تصدرها وزارة الإعلام منذ عام 1958، ولا أحد ينكر أن الكويت بتكليف من جامعة الدول العربية هي من نهضت بوضع قواعد خطة الثقافة العربية عام 1967، ولا أحد يمكنه أن يتناسى إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كسلسلة «عالم المعرفة»، و«عالم الفكر»، أو السلسلة الأقدم «من المسرح العالمي»، إلى جانب مؤسسات كويتية خاصة حفرت بصمتها على خريطة المشاهد الثقافي والفني العربي، إضافة إلى أحد أهم أوجه الحراك الشعبي الثقافي الخاص في المجتمع الكويتي، وهو الملتقيات الثقافية مثل «ملتقى الثلاثاء» و«الملتقى الثقافي» و«ورشة السهروردي» و«ملتقى قادمون» و«مشروع الجليس». * إلى أي مدى ساهمت الجهود الفردية للمثقفين الكويتيين في خلق تراكم معرفي تواصل عبر الأجيال؟ - إن الإبداع لا يمكنه أن يتنفس ويعمل إلا في جو من الحرية، وهناك أدباء عرب دفعوا أعمارهم ثمنا لقصة أو قصيدة أو أغنية، أما في الكويت فمنذ أطلق المرحوم عبد العزيز الرشيد عام 1928 مجلة «الكويت»، ومنذ أن أصدر الطلبة الكويتيون في القاهرة مجلة «البعثة» عام 1946، والمبدع الكويتي يكتب وينشر كل ما يخطر في باله، من دون أن يخشى لومة لائم. وقد يبدو موقع المثقف الكويتي خاصا، لكونه ارتضى لنفسه أن يأخذ المبادرة الثقافية، فحركة التعليم جاءت بمبادرة شعبية، فأول مدرسة نظامية أنشئت في الكويت «المدرسة المباركية»، انبثقت فكرة إنشائها من ديوانية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي عام 1911، والنادي الثقافي تأسس عام 1924 بجهد شعبي، ومجلة «الكويت» لصاحبها عبد العزيز الرشيد جاءت بجهد شخصي، وغير ذلك كثير، مما يدلل على أن موقع المثقف الكويتي كان ولا يزال حاضرا ومؤثرا في المجتمع الكويتي. * كنت أول خليجي يترأس لجنة تحكيم «البوكر» للرواية العربية عام 2009، حين فاز بالجائزة الروائي السعودي عبده خال.. كيف ترد على من يشكك بمعاييركم المعتمدة في تلك الدورة بشكل خاص؟ - بداية، لأي إنسان الحق في قول ما يشاء، ولكن أي مطلع ولو بشكل بسيط على قواعد مسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية، أو ما بات يعرف بـ«البوكر»، فإنه يعرف أن هناك قائمة طويلة، عادة ما تكون 16 رواية، وأن هذه القائمة ترى النور بعد اعتمادها من جميع أعضاء لجنة التحكيم. وتاليا تأتي القائمة القصيرة وعادة ما تكون 5 روايات، ويتم اعتمادها من جميع أعضاء اللجنة أيضا. وهذا يظهر أن رواية «ترمي بشرر» للكاتب عبده خال، وصلت إلى القائمة الطويلة ومن ثم القصيرة، وأخيرا المركز الأول والفوز بالجائزة نتيجة اعتمادها من قبل جميع أعضاء لجنة التحكيم وليس من طالب الرفاعي، فأنا كصوت واحد في لجنة التحكيم لا يمكنني أن أمنح الجائزة لمن أريد. وعليه فالرواية الفائزة هي اختيار لجنة التحكيم بكامل أعضائها في تلك الدورة، وهي رواية تستحق الفوز بجدارة. * بالنسبة للملتقى الثقافي الذي أسسته قبل عامين في بيتك كصالون ثقافي، ما أبرز المنتجات الثقافية التي ساهم في صياغتها؟ - أسست الملتقى الثقافي بمشاركة مجموعة من زملائي الأدباء والفنانين، على رأسهم الروائي إسماعيل فهد السماعيل والأستاذة ليلى العثمان والمسرحي سليمان البسام والسينمائي وليد العوضي والناقدة نجمة إدريس، إلى جانب أسماء أخرى كالكاتبة هدى الشوا ومحمد جواد وفهد الهندال وباسمة العنزي وخالد النصر الله ويوسف خليفة وبسام المسلم وفتحية الحداد وسعود السنعوسي وآخرين. الملتقى أخذ على عاتقه تنظيم أمسية كل أسبوعين، مساء الأحد، تتناول الحديث عن إصدار جديد أو مناقشة قضية ثقافية أو فنية، أو استضافة مبدع من داخل أو خارج الكويت. وقد سعد الملتقى في موسمه الأول باستضافة وزير الإعلام رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح، ودار حوار مفتوح وصريح حول كل ما يخص الثقافة والفن، وتلقى الوزير بصدر رحب واحترام كل الآراء التي طرحت في الجلسة. ويعمل الملتقى الآن بالتعاون مع مجلة «بنيبال» التي تصدر في لندن باللغة الإنجليزية، وتهتم بتقديم الأدب العربي، على إصدار عدد خاص عن «السرد في الكويت»، مما يجعل الملتقى يساهم في إيصال الإبداع الكويتي إلى القارئ الأجنبي. * ما آخر مشاريعك على المستوى الشخصي؟ - أكاد أنتهي من كتابة رواية اشتغلت عليها منذ قرابة عام بعنوان «كوثر»، وتتمحور حول امرأة تدعى كوثر، وأتوقع نشرها في نهاية العام الحالي، كما أنني أشارك الصديق الفنان السوداني المعروف راشد ذياب في إنجاز قصة للناشئة، قد تطبع باللغتين العربية والإنكليزية.