باريس - إبراهيم محمد
تؤمن الدكتورة أميرة عبدالعزيز، أن التناغم بين الإبداع والنظم السياسية لا يتأتى إلا بتمكين المبدعين من التعبير عن مواهبهم وأفكارهم كيفما يشاؤون، وأن من شأن ذلك أن ينعكس إيجابًا على هذه النظم ويصوِّب أخطاءها، وليس العكس، وذلك في حوارها مع "بيان الكتب"، وأشارت أميرة والتي تقيم في العاصمة الفرنسية باريس حيث أسست رابطة "إبداع العالم العربي والمهجر"، إلى أن أدباء المهجر ينجحون أكثر من غيرهم؛ لما يحظون به من حرية لا تتاح لمجموعة من المبدعين العرب في بعض الدول، وهم فعليا سفراء فخريون لأمتهم.
وأوضحت أن حياتها الأدبية بدأت حينما استكملت دراساتها العليا في جامعة غرب باريس نانطير لا ديفونس، حيث أفضى الأمر بعد إنهاء الدراسة، إلى مجال التعليم في السوربون وإيفراي، هذا على المستوى الأكاديمي، ويتوازى مع ذلك عطائها الأدبي؛ إذ أسست رابطة "إبداع العالم العربي والمهجر".
وأضافت أن فكرة هذه الرابطة بدأت كتحدٍّ لكسر وردم الهوة التي افتعلتها السياسة بين العالمين الغربي والشرقي، وهذه الفجوات لا يرممها سوى الأدب؛ لأن حامل وهاجس الأدب إنساني في المقام الأول، من هنا أتت فكرة إنشاء الرابطة لتكون جسرَ وصل بين موطن الاغتراب والوطن الأم، وعلى صعيد نشاط الرابطة هذا العام، أطلقوا مجلة ثقافية ناطقة باسمها "السفير" عبر نسخة إلكترونية، وكذلك تطبع نسخة ورقيةّ منها.
وأكدت أميرة عبدالعزيز أن الرابطة نظمت مؤتمرًا لتكريم اللغة العربية في باريس في السابع عشر من مارس آذار 2016، ودعوا إليه عددًا كبيرًا من الشعراء العرب من مختلف البلدان، واستمر ثلاثة أيام متتالية، وأوضحت أن لديهم أيضًا أجندة حافلة بالأنشطة والفعاليات المختلفة على مدار العام؛ منها فعالية كبيرة تنظم بالتعاون مع منظمة اليونسكو والسفارة السودانية في باريس لإقامة مؤتمر ثقافي تكريمًا للأديب السوداني الراحل محمد الفيتوري، وكذلك هناك العديد من الأمسيات المتنوعة أيضًا.
وردًا على اتهام الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون بأنه ينحاز إلى الرؤية الاستشراقية على حساب هويته العربية في تصويره لبلاده بأعماله الأدبية، مما يؤكد تغير رؤية المبدع المغترب لبلاده والبلد المقيم فيه أو الغرب بصورة عامة، أوضحت أنه ليس بالضرورة أن يُسقَط الأمر على جميع الأدباء المغتربين، فكلٌ له رؤيته ومنظوره الخاص تجاه قضايا بلاده والموطن الجديد، وتتغير الرؤية حسب معطى الأديب ومدى اتصاله بوطنه، ولا بد من دراسة حيثيات وجوده هنا.
وحول ما إذا كان هذا الاغتراب طوعيًا أم قسريًا، شرحت أميرة: "انطلاقًا من هنا نستطيع تلمس مضمر ما يكتبه أو يصرح به، "كبد الحقيقة" إلى أي مدى يُسهم مبدعو المهجر في تغيير النظرة الغربية تجاه العرب، لا سيما في خصوص ما يرتبط بالإرهاب؟ لا شك أن المبدع العربي المغترب سفير فخري لبلده أولًا ولأمته في الدور الثاني، ومسؤوليته أمانة ورسالة تجاه وطنه وعليه أن يوصلها بأبهى حللها، لكنه يبقى يصفق بكف واحدة في ظل غياب الوسط الرسمي العربي الغارق في مناكفاته، وهذا ما يجعل عجلة التواصل بينه وبين المتلقي الفرنسي، على سبيل المثال، تسير بخطى وئيدة، لأنه في المطلق يحتاج إلى حوامل تغطي حراكه الثقافي".
وتعقيبًا على اعتبار الناقد المصري جابر عصفور أن الرواية تتصدر وصف الزمن حاليًا، أكدت: "لعله أصاب كبد الحقيقة؛ لأن الرواية تعمّر، فرغم حضور المنتج الشعري الذي بدا مطروقق الأفكار، بالإضافة إلى عوامل تقنية أخرى فيما يخص وسائل التواصل الاجتماعية والمنتديات، لا يزال إيقاع الرواية رزينًا متهاديًا يمشي بخطى ثابتة. وهذا ما يعطي فرصة لفرز الغث منن السمين".
وعلى الرغم من شهرة الرواية اتجهت الأديبة إلى كتابة الشعر موضحة أنه بعيدًا عن قضية شهرة نوع كتابيٍّ ما، تؤمن بأن الكتابة معادلة رياضية بحتة، تتعرض إلى قوانين تصيرها، تراها "أرشميديسية"، إما أن تطفو كفقاعة وتتلاشى مع أول تيار، وإما أن ترسخ في القاع لتترك بصمتها الخاصة.
وانتقالًا إلى قضية انحصار غالبية النقاد أن الأدب العربي في إقليمه بسبب تقاعس الترجمة عن نقله للخارج، وعدم توجه المبدع إلى الكتابة بلغة أخرى مما سيسهم في توسع الإبداع العربي وانتشاره، أردفت: "في الأمر شيء من الصحة، إذ تعرض الأدب العربي إلى عزلة مقيتة. وهذه العزلة أسهمت في تهميش الكثير من الإبداعات. وهو يعود، كما أسلفت، إلى سياسات الدول والقائمين على الحوامل الثقافية الرسمية، على الرغم من أن هناك أدباء عربًا كبارًا، أثْروا كثيرًا الساحات الثقافية الغربية، ولم تزل منجزاتهم تعتبر مراجع في الجامعات الغربية وغيرها، بالطبع، ليس على الكاتب العربي أن يكتب بكل اللغات ليوصل خطابه، لأن هذا الأمر ليس مسؤوليته هو؛ بل مسؤولية الدول".
وبشأن وجود تغطية نقدية لما يقدمه المغتربون العرب في الغرب اعتبرت أميرة عبدالعزيز أن الأمر يعود إلى جنس المنتج أولًا، فالنقد حاضر إنْ كان هنا أو هناك، والمادة المنتقدة هي التي تجير النقد وليس العكس، فالنقد الغربي تراه كفانوس ينير للمادة الطريق التي تنهجه، بينما هناك نقدًا عربيًا زاخمًا في عباءة المديح تارة وأخرى نقدًا هدامًا شوّه الكثير من الإبداعات، وذلك لأن مرجعيتها تعود إلى شعبية الكاتب لا إلى عائدية منتجه.
وتعليقًا على تعرض العالم العربي لمتغيرات الربيع العربي، وكيف تم التعبير عن هذه الثورات أدبيًا والتوقيت المناسب، شرحت: "فيما يطلق تعريفًا على كلمة ثورة هذا يعني أنها حالة جماهيرية، والحالات الجماهيرية نهضوية قامت للمطالبة بالأحسن. وفيما يخص ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي أتلمس حراكًا نشأ في البداية تحت مطالب مُحقّة سرعان ما جرى اختطافها من مريديها لتتحول إلى صراعات داخلية جعلتنا نخسر الكثير والكثير".
وأضحت أنه بحكم عملها، استُهلكتُ في كتابة البحوث والمحاضرات باللغة الفرنسية والإنكليزية، وحاليًا، ميولها الشخصية هو إلى الكتابة بالعربية، فأعمالها في الجامعة كلها باللغة الإنكليزية، المحاضرات والمراجع، وقد نشرت لها قصائد باللغة الفرنسية في فرنسا، لكنها ترجمات للنص العربي وليست الأصل.
وحول أحدث الأعمال التي تعكف عليها حاليًا، قالت: "بعد مجموعاتي الشعرية، أعكف الآن على كتاب جديد " أنا وصديقي الرجل "، وسيرى النور في القريب العاجل، إضافة إلى ترجمة رواية الكاتبة جين أوستين من الفرنسية بعنوان "برايد أند بريجوديس" "Pride and prejudice".
يعبر "أنا و صديقي الرجل"، عن الحب كبوابة للمعاناة حيث تعتمد على الجانبين السيكولوجي والسوسيولوجي حيث تُوضح فيها وجهات النظر المختلفة التي بدأت منذ سيدنا آدم وحواء، وهي جدلية المرأة والرجل التي تحتل مساحة كبيرة في الفكر العربي والغربي، وتجد المؤلفة لنفسها مساحة خاصة للانطلاق من كونها امرأة إلى كاتبة عن المرأة وعلاقتها بالرجل.
وتتناول الكاتبة ثيمة "الحب" إذ تشير إلى أهميته وتأثيره، موضحة أنه يضفي على الروح حالة من الشغف والبريق الذي لا ينتهي، وعلى الرغم من قوة الحب التي تقر بها، إلا أنها تدين الحب وتحمله كل معاناة في الحياة، فحب المال وحب النفس وحب الامتلاك وحب السلطة وحب الحياة وحب امرأة، جميعها يحيل إلى الخطيئة التي نحملها داخل أنفسنا، كما تتساءل عن حقيقة علاقة المرأة بالرجل، فهل تفضل الخروج من عباءته والانطلاق والتحليق أم الالتحاف بظله وحمايته "بإطلالة حرة دون أي قيد أو سلطة".
ومن خلال الكتاب تنطلق أميرة عبدالعزيز مما هو سوسيولوجي (مجتمعي) إلى ما هو سيكولوجي "نفسي"، وذلك بالنسبة إلى وضع المرأة في المجتمع الذي يجعلها خاضعة لمجموعة من المفاهيم هي التي تتحكم فيها وتحركها وبنظرتها للرجل ولنفسها، لهذا يعتبر الكتاب من آمراه لكل أطياف المجتمع بأطيافه رجاله ونسائه، للتعرف على ملامح نظرة حواء.