باريس ـ صوت الامارات
أكَّدت المترجمة والباحثة الفرنسية الدكتورة بولين كوتشيه، مديرة قسم الدراسات العربية في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت، اهتمام القراء الفرنسيين بالنتاج الثقافي العربي المترجم، وإقبالهم الكبير على الكتب المتخصصة في الأدب العربي المعاصر، وأشارت إلى أن اللغة العربية هي اللغة الثانية الأكثر استخداما في فرنسا، لكن تدريسها في المدارس لا يزال محصورا على بعض الفئات، وهذا الوضع مقلق لأن بعض الفرنسيين يخشون اللغة العربية، وهذا يعني تماماً أننا بحاجة إلى المزيد من الاهتمام باللغة العربية لإظهار غناها، وليس التضييق عليها.ورأت الباحثة الفرنسية المتخصصة في فلسفة القرون الوسطى المكتوبة باللغة العربية، أن ترشح ترجمتها لكتاب «الشكوك على جالينوس لأبي بكر الرازي» إلى القائمة القصيرة لجائزة زايد – «فرع الترجمة» تشريف واعتراف بقيمة أهم فلاسفة العصور الوسطى وأكبر علماء وأطباء الإنسانية في الحضارة الإسلامية، وقالت: «يسعدني هذا الترشيح للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد، إذ يعترف بقيمة العمل المنجز لسنواتٍ عديدة ودقته. وهو في نظري اعترافٌ بمكانة كتاب الشكوك على جالينوس في تاريخ الفلسفة العربية، وبأهمية النصوص الفلسفية المكتوبة باللغة العربية، لأنها تمثل صلة الوصل بين الشرق والغرب، ومما لا شك فيه أن أبا بكر الرازي مؤلف هذا الكتاب، من أهم فلاسفة العصور الوسطى. وأعتبر أن هذا الترشيح تشريفٌ لفكره، وتعريفٌ بقيمته وأسلوبه».
أمانة النص
وحول أسباب اختيارها كتاباً غزير المادة العلمية ويتضمن نقد الرازي للطبيب والفيلسوف اليوناني الإغريقي جالينوس، وطبيعة التحديات التي واجهتها لتحقيق النص. تقول الدكتورة «كوتشيه»: «في الحقيقة الأسباب متعددة، ولكن من وجهة نظري، وكمتخصصة في كتابات الطبيب والفيلسوف أبي بكر الرازي الذي تُوفي في بداية القرن الرابع الهجري، أنه من أهم فلاسفة القرون الوسطى، ولم ُيترجم كتابه المهم إلى أي لغة أوروبية حتى الآن، رغم أنه يطرح نظام التفكير الفلسفي الأصلي للرازي في مواضيع الفلسفة والطب والعلاقة البرهانية بينهما، وأمور فكرية متعددة. وهذا الكتاب يساعدنا أن نفهم كيف نشأت الفلسفة العربية في العصر العباسي وعلاقتها بالطب».وحول التحديات، تتابع الدكتورة «كوتشيه»: «استغرقت مني ترجمة العمل سبع سنوات من التحقيق والترجمة، لأنه كان من المستحيل أن أقوم بترجمة النص من غير أن أرجع إلى جميع المخطوطات الموجودة لكتاب الشكوك، وأعيد تحقيق النص، وأدرس كتب الطبيب اليوناني جالينوس الذي ينتقده الرازي. كان علي أولاً أن أفهم رأي جالينوس، ورأي الرازي في مواضيع مختلفة. أما التحدي الأكبر الذي واجهني، فهو أن أحافظ على أسلوب المؤلف، وهو أسلوب جميل يعكس واقع اللغة العربية في القرن الرابع الهجري. إضافة إلى ذلك، يبني الكاتب نصه على مجموعة من المفاهيم والمعاني الدقيقة التي حاولت أن أنقلها إلى اللغة الفرنسية، محافظةً على هوية النص وخصوصيته».
حب للعربية والفلسفة
أما لماذا اختارت صاحبة كتاب «مقدمة في الفلسفة العربية» اللغة العربية للترجمة، هل بسبب الدراسة الأكاديمية أم هي هوىً معرفي وشخصي؟ تقول الدكتورة «كوتشيه»: «أتحدث العربية بشكل جيد، خصوصاً اللهجة الشامية، بفضل إقامتي الطويلة في عدة بلدان عربية كمصر وسوريا ولبنان. منذ أيام المراهقة كنت مهتمةً بالعالم العربي الذي يتقاسم مع أوروبا تاريخاً غنياً مشتركاً، وبدأت أتعلم اللغة العربية في الجامعة لأتحدث مع العرب بلغتهم. اهتمامي الأكاديمي مبني على حبي للمنطقة وللغة وبالتأكيد للفلسفة. لذا قررت أن أدرس الفلسفة العربية كجزء من تاريخ الفلسفة أولاً، وكانت هذه أولويتي، وكجزء من تاريخ العالم العربي ثانياً».
تقارب الثقافات
وتؤمن المترجمة والباحثة الفرنسية الدكتورة بولين كوتشيه بأهمية الترجمة كفضاء مشترك لنمو الثقافات وتقاربها، وتقول: «قال المنظر الفلسطيني - الأميركي إدوارد سعيد: إن تحقيق النصوص هي لقاء بين قارئ ونص، وأعتقد أن هذا الكلام صحيح أيضاً بالنسبة إلى الترجمة التي تسمح بإنتاج فضاء مشترك بين الثقافات من دون أن تلغي خصوصية لغاتها».ومن أعمالها الأخرى كتاب بعنوان مقدمة في الفلسفة العربية (Introduction à la philosophie arabe) ونشر عام 2011، وهو مجموعة من النصوص الفلسفية المترجمة.
قد يهمك ايضا:
تنظيم إيقاعات أول أمسية شعرية افتراضية في أبوظبي
"نيويورك أبوظبي" تفتح باب التسجيل في ماجستير الاقتصاد والفنون الجميلة