جبال مونتينيغرو الضخمة

تعد الحياة الحقيقية لرادوفان بيريتش وعائلته في الجبل، مع الأربعين ماعز الخاصة بالأسرة, فصرَّح أنَّ تلك هي الطريقة التي عاش بها أجداده, ووصفها بأنها قدره.

وعاش بيريتش ثلاثين عامًا مع زوجته وابنته وأحفاده بعد ذلك, في هذا البيت البسيط الذي يطفو على التلال فوق المدينة القديمة كوتور, والقوس الذي يشكل الجزء الجنوبي من الخليج، وأعلن أنَّ ذلك كله شهد تغييرًا مفاجئًا، مما قام بدفع المناظر الطبيعية وسحبها بواسطة التقاليد في مقابل التقدم.

وفي ظل صخب المصانع المملوكة للشيوعية في الأسفل, الآن, يعيش بيريش في بيئة مزدهرة ويزرع كل طعامه, وينزل من الجبل فقط من أجل شراء الجعة, والقهوة والسكر.

وأكد بيريش: "وبصرف النظر عن الرعب الغريب الذي سببته مسابقة الأغنية الأوروبية إلا أني لم أكن أعرف القليل عن مونتينيغرو، سوى أنها تبدو خضراء، ولكن في بعض الأحيان متقلبة المزاج ورمادية، في ظل الجبال الضخمة وبطبيعة الحال، هناك الكثير من أصحاب الملايين يعيشون هناك".

وأضاف: "الآن أجرؤ بالكاد أنَّ أغمس إصبع قدمي في عالم العطلة متعددة الأجيال, أنا هنا مع والدتي, وأرى أنني كنت على حق, ولكن بطبيعة الحال, هذا مجرد غيض من فيض ما بعد الاتحاد السوفيتي".

وبدأنا في تيفات, حيث تعد أكبر الأماكن هي بورتو مونتيتغرو ذي الـ287 مليون يورو, المملوكة لصاحب مناجم الذهب الكندي بيتر مونك, والذي يطلق عليه أول يخت بحري ضخم في البحر الأدرياتيكي.

وأصبح المصنع العسكري ذو الأرصفة الكبيرة لصناعة السفن الحربية, الآن موطنًا لليخوت العملاقة حيث يتمتع به الأثرياء دون الكشف عن هويتهم ويتمتعون بفندق ريجينت الفاخر اللذيذ, وملهى ليلي متطور, وثلاث ملاعب تنس, وخمسة مطاعم فخمة, وحمام سباحة مفتوح, ومتاجر بمساحات 45 متر.

وتصل طول اليخوت الفاخرة إلى 80 قدم, أما اليخوت الضخمة فتتخطى طولها الـ164 قدم, وتكلف ما بين 15.000 جنيهًا إسترليني, و40.000 جنيهً إسترليني في العام للعبور هنا, ولكن يدفع المالكين نحو مليون يورو للمتر الواحد في اليخت, لذا فهي تعد مجرد نقطة في المحيط.

ويعد الشئ الأكثر غرابة هنا هو غواصة 1969 اليوغسلافية التي يبلغ طولها 165 قدم, والضارية على مسبح غير متناهي يبلغ طوله 210 قدم, وسكارامانغا, الملهى الليلي, وتم شرائها من قِبل وزارة الدفاع, من دون الإفصاح عن المبلغ, وأعيدت مرة أخرى للحياة عن طريق قبطانها الأخير, ويبدو ذلك تنافر لرؤية هذا التذكير الصارخ بالشيوعية وسط كل ذلك البهاء.

وتوجد السياحة الفاخرة في كل مكان, ففي بودفا, التي تطل على مشهد المدينة, ويذكر المرشد الخاص بنا, بيتار: "لو كنت أخبرتني من 15 عامًا مضوا أنَّ تلك كانت بودفا, كنت سأعتقد أنه تم التلاعب بها من خلال برنامج "الفوتو شوب", فالمال يتحدث في تلك المدينة, حيث الشقق الفاخرة الشاهقة والمنتجعات التي ظهرت فيها مثل الزواحف الجامحة".

وبقيت مادونا ورولينغ ستونز في فندق "سبلينديد" في جناح ملكي مبهرج سيء السمعة, والآن في موسم منخفض, هناك رافعات وأعمال بناء تنتشر في الأفق.

"وبقينا في فيلا فيتا، حيث مجموعة جميلة من الفلل مع قطيع الماعز الخاص بها, ففخامتها في بساطتها, ويوجد غرفة هنا مكرسة للثوري العسكري ورجل الدولة اليوغوسلافي, تيتو, ويوغسلافيا القديمة مع لوحات وحلي من قِبل التسعينات عندما انتهت الشيوعية, وتكريمًا لأبسط المرات التي قام فيها الملاك بصناعة الجبن والزبادي الخاص بهم, وبعد ذلك يوجد حمام سباحة, يا له من حمام, لم أر حمامًا غير متناهي من قبل, ماذا يحدث عندما تعوم إلى حافته؟", وذلك كما قالت الأم.

وأضافت: "كان يأخذنا بيتار في الصباح إلى قبو النبيذ حيث نشرب الخمر جميعنا في التاسعة صباحًا, يبدو أنَّ ذلك صحيًا, على عكس إقتناعي ولكن على أيّة حال فإنَّ طعمه رائعًا".

ويقسم الطعام في مونتينيغرو بشكل تقليدي على حسب الثروة, ففقراء الشمال يرافقهم وجبة من الخبز والجبن واللحم, وعلى الساحل تعد وجبة السمك والمأكولات البحرية شئ أساسي, مع شئ متخصص يتضمن خبز أسود, والخمر أيضًا جيدًا جدًا هنا, خاصة إذا كنت لا تتحمل زجاجة "الغرابا" غير المتناهية.

وتعد زيارة "أمان سفيتي ستيفان"، إحدى العناصر الرئيسية للسياحة في مونتينيغرو وهي جزيرة صغيرة يستهلكها منتجع فندق وحيد هو "فيلا ميلوسر", وأصبح المقر الصيفي للملكة، وكان يوجد ملعب أدرياتيكي للأثرياء والمشاهير في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ولكن تفكك يوغوسلافيا شهد تراجعه.

وبعد التجديد المضني الذي شهد إزالة كل طوبة أصلية، عادوا إلى وضعهم الأصلي، وأصبح الموقع الجميل الآن فندق خمس نجوم ممتاز مملوك لمجموعة "أمان"، مع 58 غرفة وأكواخ وأجنحة، والضيوف رفيعة المستوى مثل رومان ابراموفيتش, ويسترخي العمال في شواطئ الملوك والملكات.

وفي موسم ذروة السياح يقومون بالدفع للحصول على حزمة الشاطئ التي تتضمن المناشف والمظلة, وفي الوقت نفسه، على ضفاف خليج كوتور حيث الماء الهادئ الذي يبدو وكأنه مكوي, نجلس أنا ووالدتي خارج مقهى "فيري" حيث يجلس كبار السن من الرجال محتسين القهوة ومدخني السجائر، ويقرأون الصحف المحلية, وأخبرتني برانكا المالكة: "نحن لا نذهب إلى المدينة, بل نجلس هنا حيث الهدوء والسكينة".

ونرتفع إلى جدران القلعة التي تطل على مضيق كوتور البحري, وكان ذلك المكان في السابق هو أكثر مكان آمن للعيش في مونتينغرو, أما الآن فمنزل بيريتش وبقايا منهارة من قرية سبايرالي هم كل ما تبقى منه.

ويتغير الآن نسيج مونتينغرو, فكل غرزة تأخذه أبعد مما كان عليه من مكان لقضاء العطلات السلافية البسيطة, الآن يكثر الأغنياء هناك, أما بالنسبة لأي شخص آخر فهناك مساحات خضراء جميلة تتضمن أربع حدائق وطنية وآخر غابة مطيرة متبقية في أوروبا, وغذاء فخم, وتاريخًا رائعًا حقًا.