لندن ـ كاتيا حداد
توجَّه أحد مراسلي صحيفة "غارديان" البريطانية برفقة أصدقائه إلى مقاطعة جنوب تيرول، الواقعة شمال إيطاليا؛ للاستمتاع بالطبيعة والمناظر البانورامية للجبال.وتوجهت المجموعة الأسكوتلندية المكونة من 6 أشخاص لتحمل مشقة تسلق جبال جنوب تيرول، في رحلة استغرقت أسبوعًا واحدًا في جميع أنحاء وادي "سارينتينو"، برفقة المرشد "ريتشارد أوبركالمستينر، الذي استهل الرحلة قائلاً: "الرجال الأشداء فقط هم القادرون على دخول الحديقة أو إتمام الرحلة".
يذكر أن المجموعة ذاتها أجرت رحلة مختلفة إلى جبال الألب قبل 6 أعوام ولكن في تيرول الشمالية،على الحدود النمساوية، عندما كان متوسط أعمارهم 40 عامًا، وتوجهوا هناك للتخلص من أزمة منتصف العمر الجماعية، ويعودون هذه المرة على الجانب الجنوبي، من الناحية الإيطالية، ولكن لا تزال الثقافة النمساوية ملحوظة للغاية في الثقافة الجبلية.
وتضم تيرول مجموعة مختلفة من الوديان تتميز بلهجاتها الفردية المختلفة، أي أن كل عالم قائم بذاته، ويبدو أن ريتشارد يميل إلى أن يكون نمساوي أكثر منه إيطالي، ويتميز بحجم عضلاته الهزيلة التي تناسب الطقس الخارجي، فقد قضى حياته في تيرول إما سيرًا على الأقدام أو تزلجًا.
وكان يحمل من سن العاشرة عامًا بالة تضم 30 كغم من القش على المنحدرات المذهلة لهذه الجبال، وكان يسير في خطوة متأنية متزنة وصافية، حتى يتوقع الصعوبات التي قد تواجهه صعودًا وهبوطًا، وكان قويًا متمتعًا بالشباب، وبينما يسير بانسيابية بدون أيّة آلام، تصدر أصوات الأنين والألم من المجموعة المرافقة حيث يبلغ متوسط أعمارهم 50 عامًا.
وبدأ اليوم الأول بركوب الحافلات من فيرونا إلى الفندق في قرية "سارنتينو"، حيث قضت المجموعة معظم اليوم الأول في تهيئة المعدات اللازمة للتسلق، وقضوا ليلة رائعة في فندق Höllrig حيث تناولوا وجبة طعام لذيذة، وخدمات فندقية ممتازة، وأهداهم الموطفون هدايا رائعة من المطاوي.
وبدأ اليوم الثاني بصعود 1.742 متر، حيث هطلت الأمطار بغزارة، ووجدوا حينها صعوبة في المشي، وخلال طريقهم في المروج الجبلية شاهدوا مجموعة من الماشية الصامتة التي تشبه الموجودة على جبال الألب، ثم قادهم ريتشارد من خلال الغابات ووسط الأمطار الغزيرة، وسط الضباب إلى كوخ خيالي بطريقة لا تصدق، يشبه تلك الأكواخ في فيلم "lord of the rings" وهناك استقبلهم مزارع وزوجته وقدما لهم أشهى المأكولات مثل الفطائر من نبات القراص، ولحم الخنزير البري مع الجبن، مع الصلصات الشهية، ويعطي هذا الطعام طابعًا إيطاليًا أكثر ابتكارًا من طعام الشمال الذي تميز بمخللات الملفوف.
وتعتبر جبال الألب في تيرول جبال صغيرة السن تبلغ عمرها 160 مليون عام فقط، وهذا هو السبب في أن ذروتها مرتفعة، كما تعتبر جبال مراهقة بالنسبة إلى جبال جرامبيانز في اسكتلندا، والتي يعود تاريخها الجيولوجي إلى أكثر من 470 مليون عام.
وبدأت الأوجاع وآلام الجسد تهدأ في اليوم الثالث ويخف إيقاع المشي، وبدأت المشاهد تتحول من الرعوية الخضراء إلى اللون الرمادي، ووصلت المجموعة إلى منطقة Alpenrosen، وعبروا وعاءً جليديًا مكونًا من الحصي والحطام الجيولوجي الذي يغطيه بالصقيع، حتى وصلوا إلى منطقة Flaggerschartenhütte القاتمة الرائعة على ارتفاع 2.481 مترًا، وتتمتع بالجمال الطبيعي الشديد على الرغم من عزلتها، وهناك وجدوا عنبر دافئ للنوم المليء بالروائح الرائعة، كما قدمت لهم بعض المطاعم، لوازم كل ضيف من النبيذ والبيرة والحساء الشهي والخبز المنزلي.
أما اليوم الرابع فكان يوم التخييم وكانت المجموعة تشعر بسعادة لقضاء الوقت وسط الطبيعة الساحرة؛ حيث بدأت الغيوم تنقشع في السماء لتكشف عن أشعة الشمس الساحرة وجمال الطبيعة التي تلغي أي إحساس بالإجهاد أثناء السير البطيء، وعندما وصلوا إلى ارتفاع 2.200 متر، وجدوا أنفسهم في مرج عشبي واسع وسط الخيول الرعوية الرائعة، واستمتعوا بتناول لفائف لحم الخنزير والتفاح تحت الشمس، وهم يضحكون.
وبعد ظهر ذلك اليوم قاموا بتتويج رحلتهم إلى تيرول الجنوبية، بوصولهم إلى ممر "بينسر جوش"، ومشاهدة أهم المعالم السياحية وهو كوخ "ريفوجو سانتا كروشي" الجبلي الذي تم بناؤه العام 1860 على أنقاض كنيسة الحج في القرن الـ16، ووجدت المجموعة على يسارها، أنها تطل على أحد أهم المعالم السياحية الجغرافية الأكثر روعة في أوروبا، وهو "الدولوميت"، الذي يرتفع مثل تموجات من انفجار جيولوجي رمادي من وسط التلال المحيطة الخضراء.
ثم استغرقت المجموعة 3 أيام المتبقية سيرًا على الأقدام، نزولاً إلى "بولزانو" حيث شعروا بمتعة لا تقارن وهم يقومون بمختلف أنواع الأنشطة من الطعام والشراب والضحك وتجاذب أطراف الحديث الممتعة حتى يتمكنوا من الخروج من أزمة منتصف العمر.