موسكو ـ ريتا مهنا
كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول تأكيد علني على عمق مشاركة روسيا في الحرب الأهلية السورية، أنَّ روسيا تمد الجيش السوري بالتدريب والدعم اللوجستي، معلّقًا على التقارير التي تفيد بنشر القوات الروسية في سورية، قائلا إنَّ مناقشة التدخل العسكري المباشر أمر سابق لأوانه بكثير لكنه لم يستبعد اتخاذ مثل هذه الخطوة في المستقبل.
وأكد بوتين، عندما سُئل عن التدخل الروسي في سورية خلال المنتدى الاقتصادي في فلاديفوستوك، "إنه أمر سابق لأوانه أن نقول إننا على استعداد للقيام بذلك اليوم؛ لكننا نعمل بالفعل على مساعدة سورية من خلال إمدادها بالمعدات والأسلحة وتدريب الجنود، ونريد حقا خلق نوع من التحالف الدولي لمكافحة التطرف، وتحقيقا لهذا نُجري مشاورات مع شركائنا الأميركيين في هذه المسألة، وتحدثت بنفسي مع الرئيس الأميركي أوباما في الأمر".
واستخدمت روسيا مرارا حق الفيتو في مجلس الأمن لدعم الرئيس السوري بشار الأسد طوال فترة الحرب التي استمرت لمدة 4 أعوام ونصف وأودت بحياة حوالي 250.000 شخص، وكانت روسيا موردًا طويل المدى للأسلحة إلى الحكومة السورية، وهو ما تبرره روسيا الآن بضرورة محاربة تنظيم "داعش".
وتزايدت التكهنات بتوسع مشاركة روسيا بصورة كبيرة في سورية في الأشهر الأخيرة بما في ذلك شحنات الأسلحة المتطورة وقطع الغيار للآلات الموجودة بالفعل فضلا عن نشر أعداد كبيرة من المستشارين العسكريين والمدربين.
وأصدر التليفزيون السوري الرسمي الأسبوع الماضي صورًا تظهر مدرعة متقدمة ناقلة جنود روسية الصنع، كما نُشر مقطع فيديو يوضح القوات المشاركة في العمليات القتالية وهى تصرح بالإرشادات باللغة الروسية.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الأسبوع الماضي عن مصادر دبلوماسية غربية أن روسيا كانت على وشك نشر آلاف من القوات في سورية لإقامة قاعدة جوية بحيث يتمكن سلاح الجو الروسي من شن غارات قتالية ضد "داعش"، إلا أن المحللين الروس وصفوا تقرير الصحيفة بكونه " بعيد المنال" مشيرين إلى الحذر الروسي من تكرار التجربة الأميركية في العراق فضلا عن إجهاد الجيش الروسي جراء الحرب السرية في أوكرانيا.
وأصر المحللون الموصولون في الحكومة في وقت سابق أن دعم روسيا للرئيس بشار الأسد هو أمر سياسي صارم رافضين تقارير التدخل العسكري واصفين إياها بالجنون، وقال الجنرال المتقاعد Yevgenny Buzhinsky الذي يترأس حاليا المركز التحليلي لشرطة التدخل السريع في موسكو " إنها تقارير كاذبة، ويتطلب نشر تقارير بهذه الحساسية موافقة مجلس الاتحاد، وعلى حد علمي فإن روسيا لا تشارك في القتال".
وتتناسب تصريحات بوتين مع الخبراء الذين يقولون إن الحكومة الروسية على استعداد لتزويد الجيش السوري بالدعم اللوجستي والمشورة وتنأى بنفسها عن التدخل في الأمر على نطاق واسع.
وذكر المُعلق المستقل المعني بالشؤون العسكرية الروسية Pavel Felgenhaeur " مثل هذه الأمور تكون سرية للغاية، ولكن هناك بالتأكيد عدد كبير من المستشارين والمدربين وربما تكون أعدادهم بالمئات، بما في ذلك المستشارين الفنيين والمهندسين لصيانة المعدات العسكرية المتطورة ومشاة البحرية لحمايتهم، ولا يمكن لطائرات الأسد أن تحلق بعد 4 أعوام من الحرب دون المساعدة التقنية الروسية".
وأضاف السيد Felgenhauer: "أتصور أن أعضاء البعثة الاستشارية وجدوا أنفسهم أحيانا في القتال أو ربما تعرضوا لإصابات"، وأوضح مسؤول سوري رفيع المستوى انشق عن النظام في عام 2012 لجريدة التليغراف، أنه عمل شخصيا مع الضباط الروس باعتبارهم خبراء وليسوا مقاتلين.
وذكر الضابط المنشق نقلا عن زملائه السابقين الذين ما زالوا يعملون مع حكومة الأسد: "قام الخبراء الروس بتخطيط معظم غرف العمليات وخطوط الدفاع ولذلك فهناك كوادر فنية إضافية الآن في دمشق".
وجاءت تقارير الدعم المتزايد من روسيا إلى سورية بعد الحملة الدبلوماسية الأخيرة التي حاولت روسيا من خلالها إقناع الحكومات الغربية والعربية وأعضاء المعارضة السورية بأن الأسد يجب أن يكون جزءا من حكومة الوحدة الوطنية والتحالف الدولي لمكافحة "داعش".
وكشف بوتين الجمعة أن الأسد وافق على هذه الصفقة والتي تقتضي عقد انتخابات برلمانية مبكرة وإقامة اتصالات مع ما يسمى بالمعارضة الصحية وإشراكهم في الحكم، إلا أن الحكومات الغربية وقادة المعارضة السوريين يصرون حتى الآن أنه لا يوجد مكان للأسد في سورية ما بعد الحرب، ويظل نظام الأسد أكبر قاتلا للمدنيين في ظل حرب وحشية يقودها مقاتلي داعش.
وبيّن رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية خالد خوجة بعد اجتماع عقد أخيرًا مع المسؤولين الروس في موسكو أنه لم يتم طرح فكرة تقاسم السلطة مع الرئيس الأسد، بينما طُرح خيار آخر في دوائر السياسة الخارجية يقضى بتنحي الأسد ليحل محله حاكم مقبول من الطرفين، وعارضت روسيا هذا الرأي مشيرة إلى أن إزالة الأسد من الحكم ستؤدي إلى الانهيار الكامل لسورية كدولة.
وأفاد البنتاغون يوم الجمعة أنه اطلع على التقارير التي تزعم نشر قوات وطائرات روسية في سورية وأنه يراقب الوضع عن كثب، وبشأن إمكانية انضمام روسيا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" أعرب المتحدث باسم وزارة الدفاع بيتر كوك عن ترحيبه بانضمام الآخرين إلى القتال، وأضاف كوك: "لا يمكن أن يكون نظام الأسد شريكا في الحرب ضد الإرهاب لأنه فشل في التصدي للأمر بفاعلية".