لندن - ماريا طبراني
اعترف رئيس الوزراء السابق توني بلير في لقاء تليفزيوني بأنه يتحمل جزءًا من المسؤولية في صعود تنظيم "داعش" المتطرف، معربًا عن أسفه بسبب حرب العراق.
ويأتي هذا الاعتراف غير العادي بعد 12 عامًا رفض خلالها بلير الاعتذار عن هذا الصراع، كاشفًا عن الجحيم الذي نتج عن قراره هو وجورج بوش للإطاحة بصدام حسين.
وكرر بلير أسفه عن أفعاله، مشيرًا إلى الإدعاءات التي تزعم بأن الغزو كان جريمة حرب، نافيًا في الوقت نفسه أنه ارتكبها.
وتعرض بلير لسؤال صريح في مقابلة له مع قناة "سي إن إن" عن ما إذا كانت حرب العراق خطأ، وأجاب بلير: "أعتذر عن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت خاطئة، وأعتذر عن بعض الأخطاء في التخطيط وخطأ فهمنا لما سيحدث بمجرد إزالة النظام".
وأضاف بلير: "كانت حرب العراق السب الرئيسي لصعود تنظيم داعش، وبالطبع لا يمكن القول أن نحن الذين أطحنا بصدام حسين عام 2003 لا نتحمل أية مسؤولية عن الوضع في عام 2015".
واتهم المذيع فريد زكريا، بلير بكونه منصاعًا للرئيس بوش في الصراع، ويأتي اعتراف بلير بعد أسبوع من نشر جريدة "ذا ميل" الأحد قنبلة بشأن مذكرة البيت الأبيض التي تكشف عن اتفاق بلير وبوش على صفقة الدم قبل عام من غزو العراق، وكشفت المذكرة في عام 2002 من وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول إلى الرئيس أن بلير تعهد بدعم الصراع سرًا في حين أنه يقول للنواب والناخبين البريطانيين إنه يسعى إلى حل دبلوماسي.
وطلب بلير صراحة الصفح عن خطأه في مقابلته مع قناة "سي إن إن"، مشيرًا إلى أنه لم يكن يعرف ماذا سيحدث بمجرد إزالة النظام، لكن مذكرة باول تشير إلى أن بلير أوضح للرئيس بوش أنه فكر فيما سيحدث في اليوم التالي، في إشارة إلى عواقب الغزو، ولا زالت الفوضى الدموية مستمرة في المنطقة حتى هذا اليوم.
وكشف وزير الداخلية السابق لحزب "العمل" ديفيد بلانكيت، أنه تحدى بلير قبل حرب العراق بشأن تجنب الفوضى بعد سقوط صدام، وأوضح بلانكيت أن بلير لم يقدم حينها أية ضمانات ووضع ثقته العمياء في اثنين من أهم رجال الإدارة الأميركية وهما نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
وأشار بلانكيت إلى أن السير جون تشيلكوت، الذي يقود التحقيق في الحرب على العراق والذي تأخر كثيرًا فشل في طلب أية أدلة من بلير، مضيفًا: "شعرت بدهشة عندما لم يطلب السير جون تقديم أية أدلة شفوية أو مكتوبة، كنت أتصور أن السير جون سيجد الوقت ليسأل وزير الداخلية حينها عن ما يعرفه في التحقيق الذي استمر لمدة ستة أعوام".
ويتناقض اعتراف بلير بشأن حرب العراق وصعود تنظيم "داعش"، مع رفضه بإلقاء اللوم على الصراع أو عواقبه على المدى الطويل، وفي عام 2004 أخبر بلير مجلس النواب: "أنا لن أعتذر عن الصراع وأعتقد أنه كان صحيحًا"، وتمسك بلير برأيه حتى عام 2007 قائلًا: "لا أعتقد أننا يجب أن نعتذر عن ما نقوم به في العراق".
وأوضح بلير في مذكراته عام 2010 سبب رفضه الاعتذار عن الصراع، مشيرًا إلى أنه كان يعلم أن اعتذاره سيتصدر عناوين الصحف، قائلًا: "إذا ما اعتذرت فأنا أعرف النتيجة ستقول الصحف بلير يعتذر عن الحرب، أنا لا أستطيع قول آسف بالكلمات".
ويعد اعتذار بلير محاولة منه لدرء الانتقادات اللاذعة لطريقة تعامله مع حرب العراق والمتوقع أن يتم تضمينها في نتائج تحقيق تشيلكوت.
وتدرك جميع الشخصيات الرئيسية بما في ذلك بلير وغيره من كبار السياسيين تجاه تشيلكوت إلى الحكم عليهم بشكل علني العام المقبل، وربما أدرك بلير الحاصل على الماجستير في العلاقات العامة والتلاعب الإعلامي أنه من الأفضل أن يتطوع باعتذار الآن بدلًا من اتهام تشيلكوت له بارتكاب أخطاء كبرى واضطراره حينها إلى الاعتذار رغمًا عنه.
وأثنى المذيع زكريا، وهو صديق شخصي لبلير على اعتذاره، موضحًا أنه الضيف الوحيد في البرنامج الذي تحمل مسؤولية الحرب في العراق على الكاميرا، في حين أن معظم المشاركين في اللقاءات من كبار الشخصيات السياسة والعسكرية اتهم كل منهما الآخر.
وعثرت الصحيفة على مذكرة باول بين وثائق وزارة الخارجية الأميركية أثناء البحث في رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية، وكُتبت المذكرة في آذار/ مارس 2002 قبل أسبوع من لقاء بلير مع بوش لعقد قمة في مزرعته في كروفورد في ولاية تكساس.
وأوضحت الصحيفة في التقرير الذي تصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، أن باول قال: "إن بلير سيكون معنا ويجب على الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري في العراق وسوف تتبعنا بريطانيا".
ونجح بلير في إقناع الناس بأن صدام يشكل تهديدًا حقيقيًا في الواقع، واكتشف بعد الحرب أن مزاعم بلير بعد قمة كروفورد بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق كانت كاذبة.
وأفاد اللورد بلانكيت للجريدة السبت، بأنه تحدى بلير خلال اجتماعات مجلس الوزراء قبل الحرب بشأن مستوى التخطيط لما بعد الصراع في العراق، ولفت اللورد بلانكيت الموالي لبلير أنه سعى إلى التأكيد على أن الولايات المتحدة لديها خطة متماسكة لحكم العراق بعد سقوط صدام.
وأضاف بلانكيت: "لم أتلق هذه الضمانات والتأكيدات، ولم يكن بلير قادر على قول ما الذي سيحدث بعد انتهاء العمليات القتالية، لكنه فقط قرر أن نثق في تشيني ورامسفيلد، ومن خلال الاستفادة من تجاربنا علمنا الآن أنهم قرروا اقتلاع جذور حزب البعث في العراق من خلال تفكيك البنية التحتية للحكومة بأكملها، ونتج عن ذلك تفكك كل أشكال الأداء الحكومي وخلق فراغ في السلطة، ما أدى بدوره إلى تسلل المتطرفين إلى العراق وإثارة السخط".
وتابع بلانكيت: "أنا لا أسعى إلى جعل بلير كبش فداء، ولكننا جميعًا مسؤولون عن خداع أنفسنا بأننا لدينا تأثير كبير على واشنطن"، ودعا بلانكيت تشيلكوت إلى إصدار نسخة مؤقتة من النتائج فورًا أو المخاطرة بالعملية برمتها والتي ستفقد مصداقيتها تمامًا.
وأعتذر المذيع زكريا للمشاهدين بسبب دعمه الأولي للحرب، مشيرًا إلى أنه غيّر رأيه بعد مشاهدة اضطراب ما بعد الحرب والصعود الدموي لتنظيم "داعش"، ويمكن للمشاهدين استخلاص النتيجة التي توصل إليها بلير للسبب نفسه.