واشنطن - رولا عيسى
اتُهم المرشح الرئاسي دونالد ترامب بكل شيء بداية من العنصرية وكره النساء حتى سعيه في الوصول إلى البيت الأبيض لكنه اكتسب المزيد من الدعم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويبقى السؤال هل ترامب عميل روسي؟ وفي حين أن الجواب ربما يكون لا، لكنه بالتأكيد ما وصفه الزعيم الروسي لنين بـ "الأحمق المفيد" في إشارة إلى الموجودين في الغرب والذين تجاهلوا القتل الجماعي واختاروا دعم المشروع الشيوعي العظيم، وكان هذا استنتاج مراقبي الكرملين المخضرمين عالميا أثناء تقييم السلوك غير العادي للمرشح الجمهوري والخلفية المشكوك فيها لمستشاريه، ويحظى ترامب باعترافه بعلاقات عمل وثيقة مع روسيا، وتعني طريقته المبتهجة في التعامل مع أموال الناس بجانب العديد من الإفلاسات في العقود الماضية أن البنوك الأميركية تتجنبه، حيث نمت ديون ترامب خلال العام الماضي من 270 مليون إسترليني إلى 485 مليونًا ما يوحي أنه اقترض بكثافة، ومع ذبول الأصول النقدية لترامب يصبح السؤال من أين تأتي الأموال؟ وتعد روسيا الإجابة الموجزة .
ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية :" منذ فترة الثمانينات قام ترامب وأفراد أسرته بالعديد من الرحلات إلى موسكو بحثا عن فرص عمل والتي تعتمد على المستثمرين الروس في شراء عقارات في جميع أنحاء العالم"، وتفاخر نجل ترامب دونالد الابن في مؤتمر للعقارات عام 2008 قائلا " يشكل الروس شريحة من أصولنا" موضحا في نفس الخطاب أنه زار روسيا 6 مرات خلال 18 شهرا سابقة، وساعد الروس في تمويل مشاريع بناء له في تورنتو والأكثر إثارة للجدل هو تطوير عمارات ترامب سوهو في مانهاتن، ويحدث كثيرا في المشاريع التجارية لترامب أن المستثمرين يخسرون بسبب مبالغة ترامب في فائدة العملاء وينتهي الأمر إلى المحكمة، وينتهي الأمر باسترداد معظم الأموال والاستمرار في إنكار المخالفات، وكشفت وثائق المحكمة عن بعض الملامح الغريبة في أعمال ترامب التجارية مثل وجود أموال نقدية من روس يعملون لصالح بوتين فضلا عن تورط اثنين من الروس من ذوي الخلفيات موضع الشك بما في ذلك من إدانات جنائية.
وكان شريك ترامب في مشروع عقاري في منهاتن شركة تدعى Bayrock Group، ورئيسها توفيق عارف وهو مسؤول ذو علاقات جيدة في عهد الاتحاد السوفيتي، حيث كان يسمح له الزعماء الشيوعيون السفر للخارج في الوقت الذي كان فيه هذا الامتياز يمنح فقط لكبار المسؤولين في KGB ومسؤولي الحزب، وكانت السلطة التنفيذية للشركة أيضا من عهد الاتحاد السوفيتي، حيث كان لدى فيليكس ساتر إدانة جنائية بتهمة الاعتداء، كما عمل في شركة سمسرة للبورصة والتي اعتبرها النيابة العامة مرتبطة بأربع عائلات بارزة من المافيا والاحتيال بقيمة 40 مليون دولار، وزعم المستثمرون الساخطون على مشروع ترامب في فينيكس وأريزونا أن ساتر هدد المستثمر وشملت التهديدات صدمات كهربائية لخصيتيه وبتر ساقه ثم القتل، فيما نفى السيد ساتر والسيد عريف ارتكاب أي مخالفات، بينما نفى ترامب ومتحدث باسمه أن الأعمال مع الرجلين كان كبيرة أو مستمرة، والحقيقة أن الجمعيات المشكوك فيها هي سمة عادية في تاريخ أعمال ترامب.
وأوضحت جريدة نيويورك تايمز أن ترامب استفاد في أعماله من جهود طويلة وناجحة للحد من تحقيقات إنفاذ القانون في تعامله مع كبار رجال العصابات ومنظمات الجرائم المنظمة وقادة النقابات الفاسدة والمحتالين وأحد مرهبي المخدرات والذي جعله ترامب على رأس خدمة الهليكوبتر الشخصية الخاصة به، وبدأت علاقة ترامب بروسيا منذ عام 1988 عندما كان الزعيم الروسي ميخائيل غورباتشوف يزور نيويورك، وكان ترامب يحرص على أن يزور رجال الدولة الروسية برج ترامب وهو إحدى ناطحات السحاب في مانهاتن، وكان ينشر الشائعات بأنذ ذلك سيكون جزء من البرنامج الرسمي، وظهر ترامب في فيديو مرحبا بضيفه الذي خرج من سيارة ليموزين سوداء فخمة ولكن تبين أنه ليس الزعيم السوفيتي لكنه شخص أخر انتحل شخصيته يدعى رونالد ناب، وكان ترامب ضحية لهذه المزحة، وتابع ترامب المصالح التجارية في روسيا وسجل اسمه كعلامة تجارية في موسكو من خلال الحصول على ترخيض لعلامة تجارية تدعى Trump Super Premium Vodka.
وفي عام 2013 تمت مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو وهي المرة الأولى التي جرت فيها في روسيا، وتمت دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكنه أرسل هدية ورسالة تهنئة، وأوضح أراس أغلاروف قطب العقارات الروسي والوسيط بين ترامب والكرملن أن ترامب وقع صفقة لبناء برج ترامب في العاصمة الروسية، إلا أن البرج لم يتم بناءه ولم يتضح ما إذا كان الملياردير والزعيم الروسي التقيا، وفي 2014 زعم ترامب أنه تحدث بشكل غير مباشر مع الرئيس الروسي وأنه كان لطيفا للغاية، ثم عاد لينفي أي اتصال شخصي بينه وبين الرئيس الروسي، فيما يقول مسؤولون سابقون في المخابرات أن ترامب عميل مزروع لصالح جهاز مخابرات الكرملين، فضلا عن زيادة لغة الأنا لديه وحبه الطفولي للإطراء وثقته المفرطة بذاته وعدم الرغبة في الاعتراف بأخطائه.
واشار الرئيس السابق للاستخبارات المركزية مايكل موريل أنه لا يشك في أن بوتين يرى ترامب باعتباره وكيلا له دون قصد، وتوضح عوائد ضرائب ترامب العلاقة بينه وبين العصابات الصديقة للكرملين وغاسلي الأموال، ورفض ترامب نشر عوائد الضرائب الخاصة به في خرق فاضح للممارسة السياسية العادية، وكانت ذريعته المثيرة للسخرية هو أنه لا يزال يجري التدقيق فيها، وليس الأمر مجرد صداقة ترامب مع روسيا ولكن كونه عاملا حاسما مريرا للقادة الأميركيين.
وذكر ترامب هذا الأسبوع أن الرئيس أوباما هو مؤسس تنظيم داعش وكرر تأكيدا مثيرا للسخرية بشأن ولادة أوباما في كينيا وليس في هاواي كما تظهر السجلات الرسمية، وإذا صدقت مزاعمه يعني ذلك أن أوباما لم يكن مواطن طبيعي المولد وفقا لما ينص عليه الدستور وبالتالي فهو غير مؤهل ليكون زعيما للشعب الأميركي، وزرعت روسيا وسائل اتصالات عدة في واشنطن منذ سنوات على أمل اكتساب معرفة سياسية ونفوذ، وتستأجر الحكومة الروسية والهيئات الصديقة للكرملين جماعات للضغط للتبرع بالمال لمؤسسات الفكر والرأي وتعمل على تعزيز العلاقات التجارية المؤثرة سياسيا، واخترق الجواسيس الروس أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالحزب الديمقراطي وهيلاري كلينتون 4 مرات وسرقوا كنزًا من الوثائق والتي سلطت الضوء على المكائد الداخلية للحزب، كما اخترقوا رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون المرشح الرئاسي المنافس لترامب والتي كانت مخزنة على الحاسب الشخصي لها عندما كانت وزيرة للخارجية، ويمكن نشر هذه الرسائل بالتدريج من خلال وسائل الاعلام في الفترة التي تسبق الاقتراع في نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن العوامل الدامغة الأخرى لعلاقات ترامب مع روسيا تكوين دائرته الداخلية، واستفاد رئيس حملة ترامب الانتخابية بول مانافورت من الصفقات التجارية بملايين الدولارات مع الموالين للحكومة الروسية، وكان مستشار مقرب من الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الذي أطيح به عام 2014، وتلاحق يانوكوفيتش سوابق جنائية واتهامات ذات صلة بالجريمة المنظمة ، واتُهم داخل أوكرانيا أنه كان في تحالف مع بوتين، وأكيح به من خلال انتفاضة شعبية وسافر إلى روسيا منذ عامين وتبعها هجوم عسكري من الكرملن على أوكرانيا والاستيلاء على شبه جزيرة القرم، ولا يرى السيد منافورت حرج في تلميع صورة يانوكوفيتيش وهو الرجل الذي اكتشف شعبه ومعظم الدول الغربية أنه دمية في يد الكرملن.
ويعد الموقف الأكثر إثارة للجدل سلوك واحد من كبار جواسيس اميركا الجنرال مايكل فلين الذي يعمل حاليا كمستشار لدونالد ترامب، وأذهل فلين زملاءه في جهاز الاستخبارات عندما زار موسكو في ديسمبر/ كانون الأول 2015 وظهر جالسا بالقرب من بوتين في حفل عشاء للاحتفال بعمل شبكة RT وهي شبكة الدعاية الأجنبية الرئيسية في الكرملين، ويعتبر كارتر باج من مستشاري السياسة الخارجية في حملة ترامب وقضى باج معظم حياته في روسيا وخدم في مهمة طويلة وقدم المشورة في شركة الغاز الوطنية الروسية غازبروم، ولا تعد غازبروم مجرد شركة طاقة عادية لكنها الفرع المسيس للسياسة الخارجية للكرملين والتي تستخدم عقود مربحة لمكافأة حلفاء روسيا في حين تعاقب خصومها بقطع إمدادات الطاقة، وبرر باج الغزو الروسي لأوكرانيا نافيا الثورة المؤيدة للديمقراطية في البلاد والقيادة الموالية للغرب، وانتقد تركيز أمريكا المنافق على الديمقراطية وعدم المساواة والفساد وتغيير النظام الخارجي، وفي مقارنة هجومية شبه باج معاملة إدارة اوباما بالعبودية مع روسيا.
ويبقى دونالد ترامب نفسه أكبر مشجعا لروسيا، فعندما كتب بوتين مقالة انتقد فيها دور أميركا باعتبارها شرطي العالم وصفها ترامب بأنها رائعة، وأشاد ترامب ببوتين بسبب إعادة بناء روسيا عام 2007، وبعدها بعام قال في إشارة إلى بوتين "يقوم بعمله جيدا أفضل من رئيسنا جورج بوش"، وعلى الرغم من هذه الأدلة الوفيرة إلا أن ترامب نفى اغتيال الكرملين لمنتقديه، فيما أشاد بوتين أيضا بترامب واصفا إياه بالموهوب، والمقلق حقا أن هذا الملف العميق لا يكفي لنسف حملة ترامب الرئاسية، ويعد علامة على مدى غضب ويأس الكثير من الأميركيين من نظامهم السياسي بسبب إهمال تقارير علاقة ترامب بالكرملين باعتبارها نتاج تحيز وسائل الاعلام أو شيء لا يستحق القلق، وكشف ترامب عن فتوره تجاه حلفاء أميركا التقليديين عندما قال في مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز أن في عهده ستدافع أميركا عن أعضاء حلف شمال الأطلسي إذا أوفوا بالتزاماتهم فقط، ويعد الأميركيون على حق في انتقاد الدول الأوروبية التي لا تنفق ما يكفي على الدفاع، ومن بين حفنة الدول التي تلتزم بهدف التحالف من حيث إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع هي استونيا الدولة البلطيقية التي تقع تحت التهديد المباشر لروسيا، وفي حين تعد أستونيا حليف يستحق الدعم الأميركي إلا أن نيوت غينفريتش الذي يراه الكثيرون بمثابة وزير خارجية في إدارة ترامب يعتبرها لا تستحق الدعم الأميركي باعتبارها مجرد ضاحية لسان بطرسبرغ، وهو ما يرسل رسالة تقشعر لها الأبدان لحلفاء أميركا ويتردد صداها في أروقة الحكومة البريطانية، وعندما سُئل ترامب عن حقوق الإنسان قال " أميركا لديها فوضى تدعو للقلق وبعبارة أخرى فمهمتها منذ 60 عاما في الدفاع عن الحرية والديمقراطية انتهت"، وإذا ما شعرت الدول الحليفة الهشة مثل أستونيا أنه يمكن التخلي عنها في حرب باردة جديدة فربما يفكر يعضهم في أفضلية عقد صفقة مع روسيا الأن بدلا من التفاوض تحت تهديد السلاح ودون صداقة، ويمكن القول أن نهج ترامب تجاه الغرب وإضعاف عزيمة الحلفاء في الناتو ينسجم تماما مع خطة بوتين لتدميره، وذكر مدون موالي للكرملين " ترامب سيدمر أميركا كما نعرفها"، ولا يحتاج بوتين إلى توجيه ترامب لكن حماقته المفيدة وفقا لعبارة لنين الكلاسيكية تعد كافية، وما يريد الزعيم الروسي فعله هو مساعدته من خلال تقويض السيدة كلينتون باعتبارها الشخص الوحيد الذي يمكنه إبقاء ترامب خارج البيت الأبيض.
ويتشابه الرجلان في نظرتهم للسلطة والقوة فقط دون اعتبار للقيم، لكن الفارق أن بوتين هو ضابط KGB ذات مهارات عالية وتعلم فنون الخداع والتجنيد ويجيد استخدامها، وبالمقارنة بعد ترامب طفلا مدللا لعائلة ثرية تعود الهروب من العقاب بجدارة من خلال الخداع والكلام المنمق، وإذا اجتمع الرجلات كزعماء للعالم سيكون بوتين من يبدأ بإرسال الطلقات وسوف نكون جميعا خاسرين.