والد جوليان آسانج

أود أن أطلب منك أن تصف ظروف احتجاز ابنك، وهل يستطيع مقابلة المحامين والزائرين؟
كان جوليان قد احتجز بشكل غير عادل لفترة 50 أسبوعاً في السجن الأشد رقابة. ويُسمح له بزيارتين في الشهر لمدة ساعتين، هذا إن استطعت الحصول عليهما، ويقضي 22 إلى 23 ساعة يومياً في زنزانته، أي حبس انفرادي. ولا يتاح له استعمال الكمبيوتر ومطالعة الكتب وإمكانية الذهاب إلى صالة الرياضة، لذا يمكنكم أن تروا بنفسكم أنه يعيش في ظروف قاسية ووحشية وغير ملائمة. وكان المقرر الأممي الخاص بشؤون التعذيب نيلز ميلتسير قد زار جوليان أسانج خلال آخر 50 اسبوعاً مع الخبيرين الطبيين واستنتجوا - كل هذا متوفر في الانترنت إذا أردتم قراءة ذلك - أن جوليان كان يعاني من أعراض التعذيب النفسي المنبثقة عن عزلته التامة طوال أعوام. 

ذكرتم المقرر الأممي الخاص الذي تحدث عن ظروف جوليان أسانج، هل تعتقدون أن بريطانيا تنفذ حالياً التزاماتها بعد نشر ذلك التقرير؟
حسناً، يتوقف هذا الأمر على حزمتين من الالتزامات التي تكلفت بها المملكة المتحدة. الأولى هي الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنح اللجوء. والثانية هي اجراءات تُستخدم لتطبيق هذه القوانين. إذا ما نظرنا إلى القانون البريطاني فيُلاَحظ تشويه مستمر والأكاذيب لهذه الإجراءات. بالحديث عن القانون الدولي، كما يتضح الأمر، تجاهلت المملكة المتحدة الاتفاقيات الدولية المتوصل إليها بشأن منح اللجوء وتجاهلت تقرير نيلس ميلتسير ومجموعة العمل الأممية الخاصة بالاعتقال التعسفي. وقد عُرض كل ذلك على الصحفيين لكي يؤدوا واجبهم بهذا الصدد.

لقد قلتم وأقتبس "إن ابنكم من الممكن أن يُسلَّم". إذا جرى تسليمه إلى الولايات المتحدة، هل يمكنكم تصور هذا السيناريو؟
حسناً، 175 عاماً على السجن يعادل حكم الإعدام. فلا يمكن لأحد أن يعيش طوال هذه المدة، 175 عاماً. هذا حكم الإعدام. إضافةً إلى ذلك، يستغرق الإجراء البطيء من المحاكمة تجاه جوليان سنوات عديدة، أي 9 أعوام وكان طوال 3 سنوات أخرى يكافح ضد تسليمه. وسيكافح ربما على مدار عامين آخرين في المحكمة الأوروبية. اذاً، كيف نسمي ذلك؟! قتل بطيء. هذه كارثة. ولا تتمثل مهمتي هنا في اتهام الناس بهذا الشيء وذاك بل التأكد من امتلاك الناس بحق تطبيق الإجراءات والإفراج عن جوليان. هذا عملي. وطبعاً هذا يتطلب انتقاداً أحياناً ولكن في أغلب الأحيان يجب على الناس أن يكونوا أكثر انسانيةً تجاه ظروف جوليان.

زرتم جوليان. هل هذا صحيح؟
نعم، الأول من أمس.

حبذا لو تحدثتم لنا عن حالته الحالية.
إذا أخذنا خبراء الطب الذين يعتنون بجوليان فلم أر أسوأ اعتناء طبي كهذا بعد. قد ظهرت لدى جوليان أعراض التعذيب النفسي المنبثقة عن تواجده في الحبس الانفرادي. أطن أن تواجده في الحبس الانفرادي هو التعذيب. وفَقَدَ 15 كغ من وزنه ويعاني من قلق شديد. ويكاد يكون بلا مستقبل. حقيقة، ليس هناك نوافذ في محبسه. وهو يومياً يراجعه حياته ويفكر متى انتهائها، لكن ليس هناك نهاية وليس هناك استنتاجات محتملة. ولا يتعرض إلا لأعمال التعذيب الوحشية. بالتحدث عن جلسته الأخيرة في محكمة الصلح ببريطانيا بشأن تسليمه قد رفضت القاضية طلب الكفالة واتخذت قرار عدم الإفراج عن جوليان بسبب اختفائه المحتمل. ألا يشبه هذا سخرية فرانس كافكا. لم يكن هناك طلب الكفالة لكنها اعتبرت أن طلب الكفالة ممكن.

آسف، قد كانت ثمة تقارير تذكر أن ابنكم كان عرضةً للتنصت في السفارة الاكوادورية. وتفيد هذه التقارير بأن وكالة الاستخبارات المركزية تجسست عليه. هل هذا صحيح؟
نعم. كان عقد طويل الأمد مع شركة عالمية في عهد رافاييل كوريا. وكانوا يتدخلون أكثر فأكثر طوال سنوات في حياة جوليان ولم يبقَ في السفارة مكان ليس فيه تجسس أو تنصت عليه. أما فيما يخص الحالات غير المؤكدة فتعرض جوليان أثناء لقائه مع محاميه إلى تصويره، فهذا أمر غير قانوني. الشخص الوحيد الذي اعتقل كان جوليان. أما اولئك الذين خالفوا هذا القانون وارتكبوا هذه الجرائم فكانوا يحصلون على المال لإخبارهم وكالة الاستخبارات المركزية والسلطات الاكوادورية وكانوا يبيعون تلك المعلومات لمجموعات - لا أتذكرها بالتحديد - حاولت ابتزاز ثلاثة ملايين دولار من ويكيليكس بغية نشر هذه المعلومات فيما بعد. ولا شيء اُنجز منذ ذلك الحين. وما نطالب به من أجل جوليان هو أن يحصل على المعاملة التي تنص عليها اتفاقية اللجوء الدولية ومتطلبات الكفالة خلال جلسات التحقيق في التسليم. ويكفي أن تلتزم الحكومات بقوانينها بغية حل قضية جوليان أسانج بفاعلية. 10:32

كان هناك الكثير من التأييد لجوليان، بما في ذلك مظاهرات خارج مبنى وزارة الداخلية البريطانية. فهل كان لهذا أثر على القضية؟
نعم، فالحراك السياسي والتعريف بالقضية هو أداة أساسية من أجل إطلاق سراح جوليان ومنحه إمكانية اللقاء مع أسرته والمشي في الشوارع بحرية وشرب القهوة مع أصدقائه. هذه هي الأداة الأساسية، الضغوط التي نمارسها ومطالبة الحكومة بالتوقف عن الاضطهاد. هذا بيدنا، وسنفعل هذا. 

قال نعوم تشومسكي: "لقد قدم جوليان خدمة جليلة لجميع الناس الذين يقدرون عالياً الحرية والديمقراطية". وبصرف النظر ما سيحدث لابنك، هل تعتقد أن هذه هي الصورة التي يجب أن تبقى في ذاكرة الناس عن جوليان؟
فضل جوليان علينا في الصحافة ونشر ويكيليكس، فضله علينا جميعاً، على ملايين الناس، على عشرات الدول، على مئات المجتمعات، عظيم يفوق كل التقدير. نحن نعرف شؤون العالم، نعرف مواقف الناس، من المرتشي، من القذر، من خان بلاده، ومن قاوم محاولات الولايات المتحدة خيانة بلدهم، نعرف هذا كله. وفي حالة أهل جزيرة تشاغاس الذين هجّرتهم المملكة المتحدة من جزيرتهم ومن ديارهم ورمتهم في موريشيوس لكي تعطي مجالاً للولايات المتحدة ببناء قاعدة سلاح جوي تسمى دييغو غارسيا لتستطيع قاذفات B-52 قصف الناس في العراق وتخرب البيوت وتدمر المجتمعات وموارد المياه والموانئ... وبفضل هذه المعلومات استطاع أهل جزيرة تشاغاس أن يرفعوا دعوى في محكمة العدل الدولية وأن يربحوا القضية، وكل هذا لأنه قد سنحت لهم فرصة للاطلاع على البرقيات الموجودة في مكتبة ويكيليكس. وهناك حالات مماثلة كثيرة، مئات من الأمثلة. لذا فالفوائد علينا جميعاً من عمل جوليان الصحافي ونشره لويكيليكس يفوق التقدير، وسوف تستمر فائدته سنوات طويلة. 

لنعد الآن إلى الوطن. [تداخل: "نعم"] صرح رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون [Scott Morrison] أن جوليان "لن يتلقى أية معاملة خاصة". فهل أحبطك غياب الدعم من جانب الحكومة الأسترالية؟
نعم ولا. في أيام رئيس الوزراء مالكولم توربنول [Malcolm Turnbull] رفعت وزيرة الخارجية آنذاك جولي بيشوب [Julie Bishop] موضوع جوليان مع جيريمي هانت الذي كان وزير الخارجية البريطاني حينها وبعد أسبوع تطرقت لهذا الموضوع مع وزير الخارجية [الأمريكي] بومبيو في كاليفورنيا. أي أن قضية جوليان نوقشت على أعلى المستويات الحكومية. ومع الحكومة الحالية لم نر بعد فهماً كافياً لوضع المواطن جوليان أسانج. إلا أن التأييد في البرلمان يتنامى ويقوى، لذا نتوقع في القريب العاجل أن تؤدي المساعي الدبلوماسية من أستراليا إلى ضمان عودته إلى وطنه أستراليا وسلامته من خطر تسليمه إلى الولايات المتحدة حيث يواجه ما يصل إلى 175 سنة سجناً، أي ما تبقى من عمره.

الكل يؤيده في أنه كان عليه نشر المعلومات، وهناك الكثير من الناشطين يساندونه. بما أن لك باع طويل في الاحتجاجات ضد الحرب، فقد كنت ناشطاً،  فما مدى تأثير هذا على ابنك؟
لا أظن أن تأثيري كان كبيراً. إنه نوع من التعايش. فأمه طوال عمرها كانت تكافح ضد العنف والجور. وأعتقد أن هذا كله انعكس في نفس جوليان بأسلوبه الخاص: طلب الحق والعدالة ومواجهة العنف والوحشية. قد يبدو لأول وهلة أنه تأثيري، ولكن دوافعه الحقيقية لن تعرفها إلا منه بعد أن نخرجه من سجن بيلمارش. وأهلاً بك حينذاك. 

وفيما يخص أم جوليان، ما مدى تأثير هذا على أسرتكم؟
تأثيره مدمر. أولا, لا يستطيع جوليان رؤية أطفاله بسبب المراقبة المستمرة والضجّة السلبية التي قد تجعل اللقاء صعب المنال. لكن بالطبع يرغب جوليان بهذا اللقاء بشكل كبير. فكل هذه الحالة تعذّبنا جدا. أما أمّه فتشملها الخوف العظيم من أنهم سوف يقتلون ابنها. لذلك أصبحت قضية جوليان مأساة تمرّ بها كل العائلة التي تضمّ أطفالا وإخوةً وأخوات والأمّ والأب والأعمام وأطفال الأشقاء..

كل ذلك يمثّل موضع قلقنا الشديد. وفيما يخصّني شخصيا وأنا أب جوليان فقد أصبحتُ أشعر بالتعاطف مع جميع الوالدين الذين وقعوا أطفالهم في ورطة مماثلة. لا أود أن أعتبر تجربتي استثنائيةً لكن أظنّ أنني يجب اليوم أن أفعل كل ما في وسعي للمساهمة في إطلاق سراح جوليان من كماشة تلك المنظّمات والأجهزة. 

هل لديكم رسالة ما تريدون توجيهها إلى حكومات الدول أو الناس العاديين والمؤيّدين لقضية جوليان؟  
نعم. أعتقد أنه إذا أصرّتْ حكومات دول العالم على ضرورة أن تحترم المملكة المتحدة المعاهدات والاتفاقات الدولية بشأن التعامل مع اللاجئين والتي كانت قد وقّعتها في الماضي سوف تستفيد تلك الحكومات من هذه المطالبة من حيث المزايا والقدرات السياسية. كما سيستفيد من هذا الأمر أناس عاديون يعيشون في هذه الدول. هذا واضح. إضافة إلى ذلك لا بد أن يؤدّي ذلك إلى إعادة الوزن السياسي للصحافة لكي لا يشعر الصحفيون بأي خوف على حياتهم من محاولات اغتيالهم مثلما حدث مع الصحفية المالطية دافني غاليسيا (Daphne Galizia) التي قد قُتلتْ بتفجير بسبب عملها الرائع كصحفية استقصائية. وفي حال كان كل من الحكومات والمواطنين والصحفيين يبذلون جهدهم لتحرير جوليان عن طريق تطبيق القوانين المعمول بها لحماية الصحفيين وطالبي اللجوء فإنهم سوف يستفيدون من ذلك بأنفسهم ناهيك عن إطلاق سراح جوليان. هذه الجهود تُعدّ متبادلة النفع للحكومات وخاصة الحكومة والألمانية والصحفيون وكل الناس الذين قد يتقدّمون بطلب اللجوء لسبب أو آخر. جميعهم يحتاجون لدعم الاتفاقات والقوانين الدولية. كما يتوقّف هذا الوضع الآن على قضية جوليان. وإذا نال جوليان حريته التي يستحقّها إطلاقا سيمكّننا ذلك من حريتنا للعيش تحت حماية القوانين الوطنية والدولية التي تغطّي وضع الصحفيين وطالبي اللجوء. سيكون هذا مزيةً للجميع.

قد يهمك أيضا :

  أول رد من خطيبة مصطفى أبو تورتة على عروض الهدايا