أنقرة - جلال فواز
عمل الصحافي ومصور الفيديو "رفيق تكين" على تغطية حظر التجول في مدينة سيزر جنوب شرق تركيا والتي تقطنها أغلبية كردية لمدة أكثر من شهر إلا أن تقريرًا صادرًا عن وكالة أنباء موالية للحكومة حولته إلى "متطرف"، ورافق تكين مجموعة تحمل أعلام بيضاء أرادت استعادة الجثث والمصابين من شارع بالجوار عندما فتحت قوات الأمن النار فجأة، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص ومقتل اثنين بينهم عضو في مجلس المدينة، وأصيب تكين بطلق ناري في ساقه لكنه استمر في التصوير، وسحت ضابط شرطة الصحافي المصاب على الأرض إلى سيارة إسعاف، وذكر تكين " صرخ ضابط الشرطة في وجهي وأخبرني آلا أنظر إليه وقال لي جميعكم متطرفين وسوف ترون قوة الأتراك، وشعرت بالغرابة، ألست أنا مواطنا من هذا البلد؟".
ووصفت وكالة الأناضول التي تديرها الدولة الحادث بأنه اشتباك بين قوات الأمن والمتطرفين، واتهم تكين بكونه عضو في منظمة متطرفة وسقطت التهم عنه ولكن لا يزال الضغط عليه باقيا، وأضاف تكين الذي لا زال يستخدم عكازات وغير قادر على العمل " سيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للصحافيين الذين يحاولون تغطية ما يجري في المنطقة الكردية، وتسيطر الحكومة على التغطية وتمنع جزء كبير من البلاد من معرفة ما يجري بالفعل".
ويصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن الصحافة في تركيا هي واحدة من الصحافة الأكثر حرية في العالم إلا أن عدد قليل جدا من شأنه أن يوافق على ذلك، وأوضحت لجنة حماية الصحافيين في خطاب أرسلته إلى رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أن حرية الصحافة تحت الحصار مشيرا إلى زيادة أعداد الصحافيين المسجونين وارتفاع العنف ضد الصحافيين فضلا عن عرقلة وسائل الاعلام التي تنشر الأخبار الحرجة، وتحتل تركيا حاليا المرتبة 151 من بين 180 دولة في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود.
وتمثل تغطية الصراع في المنطقة الكردية جنوب شرق تركيا تحديا كبيرا للصحافيين، حيث أغلقت العديد من المواقع الإخبارية وحسابات تويتر المؤيدة للأكراد عقب انهيار هدنة وقف إطلاق النار الصيف الماضي والممثلة في عامين بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني (PKK)، وأقيل العديد من الصحافيين الأتراك من صحفهم لتغطية ما يحدث في المنطقة، ويواجه مراسلو الوسائل الإعلامية المؤيدة للأتراك الاحتجاز وتهديدات بالعنف ومضايقات من قبل قوات الأمن، والقي القبض على 7 صحافيين أكراد على الأقل في تركيا في الفترة من 1 ديسمبر/ كانون الأول حتى منتصف فبراير/ شباط، وأعتقل اثنين من الصحافيين العاملين في وكالة أنباء Dicle المؤيدة للأكراد في ابريل/ نيسان، وأعتقل المتدرب في إحدى الوكالات الإخبارية "ضياء أتامان" وأدين رسميا بتهم تتعلق بالتطرف.
وأفادت "جولر كان" رئيس قسم الأخبار في مكتب وكالة أنباء المرأة Jinha أن الصحافيين يتم وصفهم بالمتطرفين للقيام بعملهم، مضيفة " إنهم يستخدمون المواد الإخبارية التي نعمل عليها كدليل في المحكمة وقد ساء الوضع عقب انهيار عملية السلام"، واعتقلت الصحافية بريتين كانوزر لدى وكالة Jinha أثناء تغطية مظاهرة في ديار بكر لأن الشرطة رأت الصحافية متحمسة للغاية، وتميل وسائل الاعلام الموالية للحكومة إلى الوصول بشكل أفضل إلى عمليات أمن الدولة في حين يقول الصحافيون أنهم لا يستطيعون دوما كتابة ما يريدون، وأوضح الصحافيون العاملون في وسائل الاعلام الرئيسية أن تقاريرهم تخضع للرقابة بواسطة المحررين، وأن بعض وكالات الأنباء تفضل جلب صحافيين من أنقرة أو أسطنبول بدلا من الاستعانة بالصحافين المحليين بحجة أن الصحافيين على أرض الواقع عاطفيين جدا.
وتشعر جماعات حقوق الإنسان بالقلق نتيجة عدم وجود تغطية مستقلة في منطقة الجنوب الشرقي، وذكر زكي برلك من مؤسسة تركيا لحقوق الإنسان ومقرها ديار بكر " إذا كان هذا ما يحدث أمام عيون الجمهور فنحن قلقون عما يمكن أن يحدث عند عدم وجود تغطية إعلامية على الإطلاق، ويجب أن يكون هناك تغطية غير منحارة وتحتاج وسائل الإعلام إلى أن تكون قادرة على الرصد والسؤال عن انتهاكات حقوق الإنسان".
وتلقى تكين اتصالا هاتفيا في شقته في ديار بكر بعد إصابته بالرصاص من زميل يبلغه بأن محطة IMC TV لتي يعمل لديها ربما يتم إغلاقها بسبب مزاعم نشر دعاية متطرفة ، وبعد بضع ساعات توقف بث القناة بواسطة القمر الصناعي التركي مزود خدمة البث، وتابع تكين " لقد وصلنا إلى نقطة أن كافة وسائل الاعلام التي لا تعبرعن وجهة نظر الحكومة ينظر لها كأعداء، فضلا عن وجود استقطاب شديد بين الصحافيين لقد أصبحت تركيا مملكة الإبلاغ عن الأكاذيب".
وتراجعت الثقة في وسائل الاعلام وأصبحت التغطية الإعلامية الرئيسية موضعا للسخرية، وفي فبراير/ شباط نشرت مواقع إخبارية فيديو نشره الجيش يصور استسلام ثلاثة مسلحين أكراد، وفي نهاية الفيديو قال أحد المسلحين " أيها الأصدقاء نحن لم نفعل شئ سوى إيذاء السكان المحليين، تعالوا وسلموا أنفسكم فلن يمكنكم الفرار من الحكومة، والشرطة لم تؤذ أحد منا"، وأضاف أحد المعلمين في ديار بكر " لقد ضحكنا جميعا عندما شاهدنا ذلك، ويبدو الأمر وكأنه مسرحية مدرسية سيئة، حتى جدتي سخرت مما شاهدت، يحاولون خداع من بهذا التصرف السئ؟"، وأوضح خبراء الاعلام أن انتهاكات حقوق الإنسان والقصص وراء هذه الصور مثل هذا الاستسلام المزعوم لا زالت في الظلام باعتبارها دعاية، وغالبا ما تفشل تقارير منطقة الجنوب الشرقي في الإجابة على الأسئلة المُلحة تاركه هذه الصور لشغل أدوار إما الأبطال أو الأشرار، وانتقد مواقع مؤيدة للأكراد في كثير من الأحيان بسبب اللغة الأكثر دراماتيكية، وذكر أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان من ديار بكر " يتم استخدام كلمات مثل مجزرة أو إبادة جماعية بسهولة، أليس رهيبا بما يكفي أن نقول أن شخصا مدنيا قٌتل أمام منزله أو منزلها".
وبيّن أحد الباحثين الأكاديميين الذي فضّل عدم ذكر اسمه خشية الوقوع في مشاكل بسبب التحدث عن تغطية القضية الكردية " نحن بحاجة إلى الصحافة أكثر من أي وقت مضى، وهناك بالكاد صحافة مناسبة حاليا، ونحن تقريبا لم نسمع عن قصص إنسانية أو قصص عن مدنيين في المنطقة، كلا الجانبين يحاول تعدل القصص لصالحه"، وأشار الأكاديمي إلى تغطية الاشتباكات بين أعضاء حزب العمال الكردستاني المحظور وقوات الأمن في داجليكا في مارس/ أذار، حيث ذكرت وسائل الاعلام الرئيسية أن المسلحين هربواتاركين ورائهم أعداد كبيرة من الأسلحة والذخيرة والتي لم يتضرر منها أفراد الجيش، فيما قالت وسائل الاعلام الموالية لحزب العمال الكردستاني أن 26 جنديا قٌتلوا.
وتابع الأكاديمي " يتم إنتاج إزدواجية هم ونحن يوميا من كلا الجانبين، الأمر مثل الأبيض والأسود فليس هناك مناطق رمادية ولا ظلال، ولا أحد يشعر بالحاجة إلى طرح أسئلة المتابعة".