دمشق - جورج الشامي
"ستة أيام كفيلة أن تقتلك في فرع الأمن العسكري 215 ولو لم تعذب بضربة كرباج"، يقول أحد الناشطين في رسائل نشرها، بعد أن جمع فيها شهادات معتقلين سابقين في هذا الفرع وهي مغمسمة بجراحهم وأنّاتهم، التي كان يرتد صداها إليهم من جدران سجن الفرع التابع لسرية المداهمة في كفر سوسة. تتحدث الرسائل التي نشرتها تنسيقية كفرسوسة في دمشق عن المعتقلين الذين يحشرون في زنزانات (الفرع 215) والتي لا تتسع لربع عددهم فيصبحون أكواماً من الأيدي والأرجل والرؤوس، وبعض المعتقلين لا يستطيعون لمس الأرض من كثرة الأجساد تحتهم وفوقهم وعن يمينهم ويسارهم، ويبقى المعتقلون على هذه الوضعية أياماً وأياماً، يأكلون ويبولون ويتبرزون كليا أو جزئيا ويتعرقون وينزفون وجراحهم تتقيح وتتفسخ وتتعفن وهم على هذه الحالة. وبسبب التزاحم داخل الزنزانة تتشكل عقدة من البشر لا يمكن حلها، عقدة خلاياها هؤلاء المعتقلين المصابين بجروح التعذيب والكدمات والأمراض، ويجبرون تحت ضرب السياط والقضبان البلاستيكية وعصي الخشب على الوقوف كل بضع دقائق إما لتوزيع الطعام (المكون من رغيف خبز فوقه بعض اللبن الرائب) أو لإحصاء المعتقلين، يشرح أحدهم هذه الحالة: (يقوم الشاويشية بضغط المعتقلين إلى الخلف بعد أن يقفوا ليخلقوا مساحة مترين من الفراغ ليبدأوا بعدّ المعتقلين واحدا واحدا وغالبا ما يفشلون في إحصائهم بسبب استحالة عدهم على هذه الحالة). تمر الأيام على المعتقل في هذه الظروف وهو لا يجد موطئ قدم وعندما يجد يستمر واقفا فيه على هذه الحالة لساعات طوال أو ليالٍ ينام خلالها أحياناً وهو واقف فيسقط فوق أكوام المعتقلين ثم يعود الى حالته واقفاً. يومياً تتساقط جثث الموتى في المهجع، إما لقلة النوم أو اختناقاً أو فتكاً بالأمراض، تسحب هذه الجثث كالسجاد العتيق من قبل "الشاويشية" وبعض المعتقلين ،وتكوم في الممر الذي يصفه أحد المعتقلين السابقين بأنه يتميز عن باقي المهجع بالانخفاض البسيط لحرارته عن حرارة باقي المهجع التي قد تصل إلى الأربعين في أحد أيام الشتاء القارس!. تؤكد الرسائل المتسربة من هناك أن "الذين لا يحتملون قلة النوم وقوفاً يتوفون على هذه الحالة، وقد شاعت طريقة الموت هذه في الفرع واصطلح عليها المعتقلون عبارة "فَصَل" فيقولون عمن مات على هذه الحالة :إنه فَصَل". وبعضهم يسقط من الإرهاق فينام لبعض الوقت نوماً عميقاً يصحو بعده ليجده الآخرون منفصم الشخصية أو مجنوناً أو مهلوساً. ولأن القاتل والجلاد هو نفسه، تتشابه آلام المعتقلين السوريين وعذاباتهم في معظم سجون الأسد وأفرعه الأمنية، حيث يتعرض المعتقلون في سجني (الأمن السياسي) و(الأمن العسكري) بمدينة حمص إلى شتى أنواع التعذيب الجسدي حتى الموت، ومن يبقى حياً داخل هذه الزنازين فإنه يتعرض للقهر النفسي حتى يتمنى اللحاق برفاقه إلى الموت بدلاً من إهانته وشتم عرضه ودينه. ويقول الناشط "حسام، ن" وهو معتقل سابق: "يتم تخريج جثث شهداء يومياً من هذين الفرعين البغيضين، وكل هؤلاء الشهداء قضوا تحت التعذيب على أيدي المخابرات والشبيحة بعد أن ثقبت أجسادهم بأدوات حادة وتكسير ضلوعهم وأطرافهم بقضبان حديدية". ويضيف: "فروع الأمن تقتل الشباب والرجال وحتى النساء الذين تعتقلهم في المدينة دون توجيه أية تهمة أو تهمة وحيدة هي "الإرهاب"، وتؤكد صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد أن فرع الأمن العسكري بحمص تحول إلى مقبرة". لا تتوقف رسائل الاستغاثة عن التدفق إلى وسائل الإعلام دون أن يكترث إليهم أحد في الخارج، يؤكد ذلك "أبو ناجي" الذي يعمل في مجال الإغاثة ببستان القصر في حلب، فأبناء عمومته الأربعة مازالوا داخل سجن حلب بينهم طفل لم يتجاوز 14 ربيعاً وقد علم مؤخراً أنه من الممكن أن يكون قد فارق الحياة تحت التعذيب بعد أن نقلوه إلى زنزانة بعيدة عن أشقائه. وقد سرّب السجين السياسي "أبو البراء" لأحد مواقع المعارضة من خلف قضبان سجن حلب المركزي رسالة واصفاً ما يحدث من انتهاكات بأدنى حقوق الإنسان بحق 4500 سجيناً يعيشون في ظروف قاسية، وأفاد أن ما يزيد عن 110 من السجناء تعرضوا للتصفية الجسدية وأكثر من 200 جريح حالات بعضهم حرجة يعانون من الأوجاع ومهددون بالموت وهم متروكون بلا دواء أو علاج. وقال ناشطون إن عناصر السجن ينفذون الإعدامات بحق بعض السجناء بشكل شبه يومي وذلك لإرهاب السجناء وصرف نظرهم عن القيام بأي عمل عصياني. وأكدت منظمات حقوقية في جنيف العام الماضي ارتكاب نظام الأسد جرائم بحق المعتقلين، ووصلت هذه الانتهاكات من وجهة النظر القانونية والحقوقية إلى المرتبة الأولى في إجرام السجون على مستوى العالم، يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان المحامي المعتصم بالله الكيلاني: "كل هذه المخالفات التي يرتكبها النظام في طرق اعتقال وتصفية المدنيين محمية تحت بند قانون "مكافحة الإرهاب" الذي أصدره النظام ليبرر جرائمه الوحشية". في هذا الشأن، يقول الحقوقي والباحث السوري المعارض د. خالد العيسى إن رسائل السجناء تؤخذ على محمل الجدية ويتم توثيقها، ولكن المشكلة هي غياب التنسيق بين المنظمات والهيئات الحقوقية التي تعنى بتوثيق الانتهاكات، وتبقى المشكلة في وجود ثغرة قانونية تكمن في عدم انضمام سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية وعدم توقيع اتفاقية روما ما يسهل عملية تملص النظام من ملاحقته قانونياً ودولياً حول انتهاكه حقوق السجناء وتعذيبهم أو تصفيتهم.