نيودلهي - صوت الامارات
صُنِعت العروستان الرائعتان "تشيكوتي" و"بوميكا" يدويا من قطع ساري قديمة مهترئة ومن المخلفات الصناعية، لتصبحا مثل تميمتين تعبران عن الصمود والمرونة والأمل في ولاية كيرالا التي شهدت واحدة من أعنف الفيضانات مؤخرا، العروسة "تشيكوتي" صغيرة مصنوعة من قطع قديمة من ساري منسوج بأداة نسيج يدوي في بلدة تشيندامانغلام التي تشتهر منذ قرون بالغزل اليدوي وصناعة النسيج، وبخاصة الذي يُصنع الساري منه، وكان ما يقرب من 600 ناسج في القرية منشغلين في الاستعداد لمهرجان «أونام» للحصاد، عندما حدثت الفيضانات ودمرت منازلهم، والأدوات المستخدمة في النسيج، والمواد الخام، ومخزون يقدّر اثمنه بالملايين.
خلّف الفيضان وراءه أكواما من القماش الممزق المبتل عديم القيمة، وحاول النساجون تنظيفه، لكنّهم فشلوا وكانوا على وشك إحراقه باستثناء اثنين من أصحاب المشاريع الرائدة، هما لاكشمي مينون وغوبيناث باراييل اللذان حوّلا قطع الساري المهترئة إلى مشروع مربح، حين تحرّكت مشاعرهما بسبب مشهد النسيج الممزق، وقطع الساري المهترئة، قرّرا إعادة تصنيع المنتجات لمساعدة النسّاجين في استعادة ثقتهم بأنفسهم.
وجمعت لاكشمي قطع السّاري الممزقة من النساجين، وتدريب متطوعين، وأخذت الكثير من قطع السّاري إلى منزلها وأضافت إليها الكلور وقامت بغليها لتطهيرها. وتقول: "حتى بعد إضافة الكلور والغلي ظلّت رائحة الملابس كريهة بسبب مياه الفيضان العكرة. لذا؛ كان علينا غسيل القماش كثيرا حتى يصبح من الآمن استخدامه".
جمال مبادرة تشيكوتي هو أنها قائمة على الناس، فقد تحوّلت المبادرة حاليا إلى برنامج قائم على المتطوعين. وتطوع الناس للمشاركة في تلك المبادرة بكتابة المحتوى، وإنشاء موقع إلكتروني، وتصنيع العرائس. حتى بيناراي فيجايان، رئيس وزراء ولاية كيرالا، شارك في دعم المبادرة، وكتب في منشور له عبر موقع "فيسبوك": «تشيكوتي هي الطفلة التي تغلّبت على الفيضانات. لقد أصبحت تلك (العروسة) رمزاً لكيرالا التي تجاوزت الأزمة وكانت أكبر منها».
يصنع متطوعون كل عرائس تشيكوتي، وتشرح مينون تقنيات صناعة «العروسة» للمتاجر وصنّاع الملابس وكل من يرغب في تقديم المساعدة، وتخبرنا بأن العملية لا تستغرق أكثر من خمس دقائق، وتوضح قائلة «إن الأمر لا يقتصر على شخص واحد أو مؤسسة واحدة، فلا تشبه أي (عروسة) من عرائس تشيكوتي الأخرى. باستثناء الخطوات الأساسية للتصنيع يعود أمر الألوان واللمسات والزينة لصنّاع العرائس أنفسهم».
يمكن استخدام «العروسة» اللينة يدوية الصنع التي تباع مقابل 25 روبية، ميدالية مفاتيح، أو ديكوراً يزين الحائط، أو تُربط في حقيبة، لكن في كل الأحوال ستظلّ ذكرى لتضحيات وصمود ولاية ضربها فيضان مدمر.
ويقول المصنعون إن تشيكوتي بها بقع وآثار جروح، لكن كل عروسة تمثل أحد النّاجين من الفيضانات.
وتقول مينون، إن المشروع مربح للغاية بالنسبة إلى النسّاجين الذين تمكنوا من صناعة ما يقرب من 360 «عروسة» باستخدام ست ياردات من قماش السّاري الذي كان سيمكنهم بيعه من جني 1500 روبية، في حين أنّهم نجحوا بجني 9 آلاف روبية من مبيعات «العروسة»، وستُحوّل تلك الأموال مباشرة إلى حساب نسّاجي بلدة تشيندامانغلام.
وتبنّى مركز «إنفوبارك» لتكنولوجيا المعلومات في مدينة كوتشي، حركة عرائس تشيكوتي من خلال دعم المبيعات، حيث دُشّن تطبيق على الهاتف المحمول في سيليكون فالي لتعريف قطاع أكبر من العملاء على مستوى العالم بتلك «العروسة». وبدأ الناس في شراء «العروسة» عبر الموقع الإلكتروني، و«فيسبوك»، و«واتساب»، متخطين بذلك كل الحدود والحواجز الجغرافية.
يذكر أن إطلاق اسم تشيكوتي على «العروسة» يحمل معنى عميقا، فكلمة تشي تعني الطّين، وكوتي تعني طفل في اللغة الماليالامية. وتقول لاكشمي: «توجد آثار جروح وبقع على تشيكوتي، لكنّها تمثّل كل واحد من الذين نجوا من الفيضانات. أشعر بسعادة وأنا أشاهد (عروستنا) قد أصبحت رمزاً لكيرالا التي صمدت أمام الفيضانات المدمرة». من المرجح أن يوفّر المخزون المتوافر فرصة تصنيع المزيد من تلك العرائس القماش من خلال هذه المبادرة، وهو أمر يُسعد النساجين. كذلك يبعث ذلك الأمر على الشّعور بالارتياح في نفوس النسّاجين إذ لم تذهب أشهر من العمل سدى.
وقال أجيث كومار، أمين جمعية «تشيندامانغلام كاريبادام» التعاونية للنساجين اليدويين، إن المبادرة قد أنقذت تلك الصناعة، حيث ستساعد النساجين اليدويين في إعادة ترتيب حياتهم، وجني رزقهم. وأضاف قائلاً «لقد أصبحت تشيكوتي الآن أيقونة عالمية».
«العروسة» بوميكا
ظهرت بعد أسابيع من ظهور تشيكوتي، ومثل شقيقتها الكبرى كان الهدف من تصنيعها هو إنقاذ ومساعدة البلدة التي ضربها الفيضان. وتم عمل شعر تلك «العروسة» على شكل ضفيرة طويلة سوداء، وعلى جبهتها نقطة حمراء زاهية، لكنها لا تبتسم. وأصبح فستانها الطويل منثنيا ليكون على شكل قارب صغير مثل ذلك الذي كنّا نصنعه من الورق حين كنا صغاراً.
سوبها فيشواناث، مصممة أزياء مقيمة في مدينة كوتشي هي من كان وراء تصنيع تلك «العروسة»، وتتحدّث عن «العروسة» بوميكا قائلة: «لقد أردت تصنيع (عروسة) قوية شجاعة. كثيراً ما يُصوّر النساء على أنهنّ ضعيفات ويتّسمن بالجبن، لكن على العكس من ذلك كانت النساء أثناء الفيضانات من سارعن لتقديم المساعدة».
ويمكن تعديل «العروسة» حسب الطلب؛ إذ تُرسل الطّلبات إلى صفحة «قرية النسّاجين» على موقع «فيسبوك» أو من خلال البريد الإلكتروني weaversvillage@gmail.com، يمكن للمرء أيضاً شراء «العروسة» من «ستايل بلاس». ويوضح ديباك شيفاراجان، الرجل الذي صمم «العروسة»، قائلاً: «لقد تلقينا بالفعل طلباً بمائة (عروسة) من دبي. ومعنى بوميكا (ابنة الأرض)، وهي رمز الأمل في منطقة تحتاج إلى ذلك الأمل أكثر من أي وقت مضى. (العروسة) لا تبتسم لأنه لا يوجد ما يفرح حالياً في كيرالا، لكن النقطة الحمراء ترمز إلى الصمود الهادئ للسكان المحليين».
يأمل صنّاع «العروسة» في أن يُباع ما يكفي منها لجمع المال اللازم لشراء مواد وأدوات مثل أجهزة ترشيح للمياه، وألواح شمسية لمساعدة المناطق المتضرّرة من الفيضان في الولاية. وسوف يوظّفون الأموال خلال المرحلة المقبلة في توفير فرص تدريب مهني للنساء في أنحاء كيرالا، ومن المعجبين بـ«العروسة» بوميكا نجوم من بوليوود، منهم النجمة كاترينا كيف، والنجم سيدهارث مالهوترا، ويقتني كل منهما واحدة في منزله.
وتوضح سوبها، أنه في الوقت الذي تمثل عرائس تشيكوتي مبادرة لن تتكرّر، سوف تصبح بوميكا مشروعاً مستداما، وتقول عنه «إنه مبادرة طويلة الأجل لتوفير فرص عمل للنساء، ومساعدة ولاية كيرالا في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وستكون بمثابة هدية صديقة للبيئة تساعد في إعادة إعمار الولاية»