الدوحة - صوت الإمارات
يشكل "الحوار" بين القوى السياسية السودانية الحاكمة والمعارضة المدنية والمسلحة أبرز القضايا التي تتصدر اهتمامات الشارع السياسي في السودان حاليا.
ويبدو واضحا أن القوى السياسية كافة وباختلاف توجهاتها تشدد على أهمية الحوار باعتباره الأسلوب الأفضل والأنجع لتحقيق الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ولحل مشكلات سودانية معقدة، وبينها الصراع الدموي في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكانت الدعوة الرسمية إلى الحوار بين الحكومة وقوى المعارضة تبلورت في مبادرة أعلنها الرئيس عمر البشير في يناير الماضي، ووصفت ب "مبادرة الوثبة"، أعقبها في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي خطوة جديدة نحو حوار "مجتمعي" بحسب التعبير الرسمي، وفي أحدث تطور في هذا الشأن أصدر البشير قراراً بتشكيل "اللجان القومية للحوار المجتمعي"، وتضم القائمة "لجنة الإنتاج ومعاش الناس" و"لجنة الثقافة والتعليم والرياضة و"لجنة قوى المجتمع الفاعلة" و"لجنة قطاع السلم الإجتماعي وتزكية المجتمع" و" لجنة قطاع منظمات المجتمع المدني و "لجنة قطاع المغتربين"، وقالت المصادر الحكومية إن ذلك يجيء "لدعم الحوار الوطني الشامل.
ورغم تشكيل لجان مشتركة للحوار الوطني بين الحكومة وبعض قوى المعارضة ووضع "آلية" في هذا الشأن سميت ( 7+ 7) أي سبعة أعضاء من قوى مشاركة في الحكومة وأخرى معارضة لها، إلا أن هناك قوى سياسية ذات ثقل ووزن سياسي امتنعت عن المشاركة في جلسات الحوار السياسي، وهي ترى ضرورة توفير مناخات مناسبة للحوار، ومن بينها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمحكومين سياسيا، وتوفير الحريات العامة والإعلامية، وتشدد القوى الرافضة للمشاركة في لجان الحوار على أهمية تطبيق إجراءات وخطوات تعتبرها ضرورية لبناء الثقة بين الأطراف كافة، وترد على ذلك الحكومة بأنها ترفض الشروط المسبقة، وأن كل شيء يمكن مناقشته في جلسات الحوار.
وبالإضافة إلى ذلك توجد قضايا خلافية، بينها مسألة وضع دستور جديد للسودان بعدما انفصل جنوب السودان عن شماله في التاسع من يوليو 2011، كما تطالب القوى المعارضة بتشكيل حكومة تسميها "انتقالية " للإشراف المستقل على الإنتخابات، وترد الحكومة على ذلك بأنه يمكن إجراء تعديل وزاري لتشكيل حكومة تمثل الجميع، وترفض فكرة الحكومة الإنتقالية كما تشير إلى ذلك عدد من التصريحات.
وقد وقعت "الجبهة الثورية" "إعلان باريس" مع حزب الأمة السوداني، حيث سارعت الحكومة إلى رفضه، والتنديد بموقعيه الذين يرون أن الإعلان "يركز على الأزمة السودانية بمشاركة القوى كافة.
وبدا لافتا في غمرة هذه التفاعلات التي شهدها ويشهدها السودان حاليا أن الإتحاد الإفريقي الذي يضم 52 دولة دخل بقوة على خط الوساطة بين الأطراف السودانية دعما للحوار الوطني، في سبيل المساعدة على تحقيق تفاهمات تؤدي إلى توافق سوداني، ويتولى رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو أمبيكي رئاسة الدور الإفريقي بدعم من الأمم المتحدة.
ويشار إلى أن أمبيكي يخوض منذ فترة غمار وساطات لم تسفر حتى الآن عن حل شامل للصراع الدموي المدمر بين الفرقاء المتصارعين في دولة جنوب السودان وهم حلفاء الأمس القريب، كما يواصل وساطة افريقية بين الحكومة السودانية و" الحركة الشعبية قطاع الشمال"، وها هو يطرق الآن باب " الحوار الوطني الشامل " بين القوى السودانية في الشمال .
ولوحظ في ظل تفاعلات الأحداث السودانية المتسارعة، خاصة بعد "إعلان باريس" أن الحكومة السودانية أرسلت وفدا إلى أديس أبابا يمثل " آلية الحوار الوطني " (في الشمال) في أوائل سبتمبر الماضي، ونجح في توقيع "اتفاق مبادئ" مع "الجبهة الثورية"( تضم حركات مسلحة دارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال)، وهناك أيضا جرى التوقيع على اتفاق آخر في شأن الحوار الوطني وعملية البناء الدستوري ووقع باسم ممثلي "إعلان باريس" الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، ومالك عقار رئيس الجبهة الثورية، وأكد الإتفاقان اللذان وقعا في أثيوبيا برعاية رئيس آلية الحوار أمبيكي وفريق الوساطة في العاصمة الأثيوبية على أن "الحل السياسي الشامل هو الخيار الأمثل لحل كافة مشاكل السودان "وتم التشديد على أن "وقف الحرب ومعالجة الأوضاع الإنسانية يجب أن تكون لها الأولوية القصوى في عمليات إعادة بناء الثقة، وأن ضمان الحريات وحقوق الإنسان الأساسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمعتقلين المحكومين هي الأولوية لبناء الثقة وخلق التواصل".
كما برز في اجتماعات أديس أبابا تأكيد على ضرورة البدء في الحوار والعملية الدستورية بعد وضع الأسس والقواعد والإجراءات التي سوف يتم بموجبها الحوار، كما تم الإتفاق هناك على أن "جميع المشاركين في الحوار لهم حرية التعبير عن مواقفهم وآرائهم، مع أهمية "توفير الضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار والبناء الدستوري إضافة إلى "ضرورة مشاركة كل الأطراف لضمان التوصل لتوافق وطني".
وشكل هذان الإتفاقان حدثين مهمين في سياق التطورات السودانية، مثلما شكل اتفاق الجبهة الثورية مع حزب الأمة في باريس تطورا بارزا حرك مياها كثيرة، كما أثار جدلا وخلافا بين الحكومة أيضا في سياق سلسلة تطورات سودانية عدة، لكن الجديد اللافت الذي أطل في سياق التفاعلات السياسية الساخنة أن الحزب الحاكم في السودان (حزب المؤتمر الوطني) رحب باتفاق وفد "آلية الحوار" مع الجبهة الثورية رغم انتقاداته الشديدة لاتفاق الجبهة مع حزب الأمة في باريس.
وفيما رأى مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الثورية وهو الأمين العام لـ "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، ياسر عرمان بعد اجتماع اديس ابابا أن "الإتفاق (بين وفد آلية الحوار الذي أوفدته الحكومة السودانية إلى أديس أبابا والجبهة الثورية ) يمثل نقلة نوعية لخريطة طريق الجبهة الثورية وإعلان باريس"، شدد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان على لسان المتحدث باسمه ياسر يوسف على أن التوقيع الذي تم في العاصمة الأثيوبية بين موفدي آلية الحوار الوطني والحركات المسلحة "خطوة مهمة للأمام باعتبارها تلبي مطلبا جوهريا من مطلوبات الحوار الوطني وهو اشراك الحركات المسلحة في عملية الحوار".
وفي ظل مناخ اتسم بارتفاع معدل التصريحات الحكومية في الخرطوم التي رحبت باتفاق "آلية الحوار الوطني" مع الجبهة الثورية نوّه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون باتفاق المبادئ واعتبره "مبادرة لعقد حوار وطني شامل في السودان لتحقيق السلام المستدام"، وكان المتحدث باسمه حض جميع الأطراف المعنية، وخاصة الحكومة على ضمان خلق بيئة مواتية لإجراء حوار شامل وشفاف وموثوق به، على النحو المتوخى في الإتفاقية التي وقعت ( في اديس ابابا)، على أن يشمل ذلك وقف العدائيات، وضمان الحريات السياسية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين".
كل هذه التطورات التي يشهدها السودان حاليا تؤكد عددا من الحقائق، وفي صدارتها أنه رغم حدة الخلافات بين الحكومة السودانية ومعارضيها المدنيين والمسلحين، إلا أن القاسم المشترك بين الجميع يكمن في الدعوة الى وقف الحرب وإحلال السلام الشامل في السودان الذي أنهكته الحروب، وبدا واضحا في هذا الإطار أن مجلس السلم في الإتحاد الإفريقي يسعى للعب ادوار مهمة في سبيل حلحلة أزمات سودانية طاحنة، وتعكس زيارات رئيس الآلية الإفريقية ثامبو أمبيكي إلى العاصمة السودانية ولقاءاته مع كبار المسؤولين السودانيين أبعاد الدور الإفريقي الذي يعطي أولوية للملفات السودانية (في الشمال والجنوب)، ويلقى هذا التحرك دعما من دول افريقية وعربية وغربية.
وبدا لافتا أن دور الإتحاد الإفريقي يلقى دعما معلنا وواضحا من مجلس الأمن الذي درج من وقت لآخر على عقد اجتماعات خاصة بالشأن السوداني، وهذا معناه أن الأطراف السودانية كافة أمام تحديات كبرى تختبر مدى صدقيتها في دفع جهود المعالجة للأزمات السودانية إلى آفاق النجاح في عالم ينشغل فيه المجتمع الدولي بملفات ساخنة في مواقع مهمة من العالم، وهذا يعني أيضا أن لا خيار أمام القوى السياسية السودانية الحاكمة والمعارضة سوى طريق الحوار الحقيقي الشفاف الذي لا يقصي أحدا ولا يضع عقبات أمام المساعي الإفريقية الهادفة لإخراج السودان من النفق المظلم عبر الحوار بين السودانيين أنفسهم.
- قنا -