الفرنسيين

قبل سبعة أشهر من انطلاق الانتخابات الرئاسية في فرنسا بات الملف الأمني ومكافحة الاٍرهاب ، على رأس شواغل المواطن الفرنسي و معيارًا أساسيا في اختياره الرئيس القادم للبلاد، فالمواطن الفرنسي يعيش وسط حالة من الخوف والترقب بعد سلسة الهجمات الدامية غير المسبوقة التي شاهدتها البلاد على مدار العامين الماضيين -منذ يناير 2015 ، وأوقعت 238 قتيلا و مئات الجرحى - وكذلك مع استمرار تحذير الحكومة مرارا بأن التهديد الارهابي بات مرتفعا أكثر من أي وقت مضى . 

وازدادت قناعة الفرنسيين بان التهديد الارهابي سيظل مستمرا لفترة قادمة -لاسيما بعد اعتداءات نيس (جنوب) وكنيسة "سان اتيان دو رفريه" (شمال) في يوليو الماضي وكذلك الهجوم الذي تم إحباطه مؤخرا بالقرب من كاتدرائية "نوتردام" بباريس- مما دفعهم للبحث عن المرشح الذي سيحقق لهم الأمن والامان .

وهذا ما اكدته استطلاعات الرأي الاخيرة حيث كشفت أن الأمن و مكافحة الاٍرهاب جاء في مقدمة اهتمامات %64 من الفرنسيين ، يليها الأولويات التقليدية مثل البطالة و تحسن النشاط الاقتصادي (%63) فيما تتساوي في المرتبة الثالثة الضرائب و أزمة المهاجرين ثم اخيراً آلية عمل الاتحاد الاوروبي و الاغراق الاجتماعي و غيرهما من الملفات.

و قد حذر المراقبون انه حال حدوث عمليات قتل واسعة النطاق مجددا على غرار هجومي "13 نوفمبر" و "14 يوليو" سيكون لذلك تأثيرا مباشرا على الرئاسيات المرتقبة و انه كلما تكررت الاعتداءات كلما اهتزت صورة الحكومة الاشتراكية و مصداقيتها في مكافحة الاٍرهاب و تدنت فرص ترشح الرئيس فرانسوا أولاند لفترة ثانية.

و هذا يعني عمليا أن قضية مكافحة الأرهاب ستطغى على حملة الإنتخابات الرئاسية التي انطلقت المرحلة التمهيدية منها بالفعل عند اليمين الفرنسي و بالتالي ستأتي على رأس أولويات الرئيس القادم الذي سيجرى انتخابه في ابريل 2017.
و من ثم ، فان الناخبين سيولون اهتماما بالغا بالشق الخاص بكل مرشح لفرض الأمن و محاربة التطرّف و الإرهاب على التراب الوطني و بمدى صرامة التدابير المقترحة على مختلف المستويات و منها تشديد الرقابة على الحدود اضافة الى مواجهة جنوح الشباب و السيطرة على ملف الهجرة. 

و يقول المراقبون إن المرشحين الذين سيستفيدون من الوضع الراهن هم من يتركون انطباعا بأنهم يتبنون المواقف الأكثر صرامة للتعامل مع التهديد الاٍرهابي و فرض الامن، و يَرَوْن ان ذلك ينطبق حتى الآن على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي - الذي يسعى بقوة الى العودة الى قصر الاليزيه- و كذلك على مارين لوبن زعيمة حزب اليمين المتطرف "الجبهة الوطنية".
و يعزز تلك الفرضية استقصاء جرى حول انتخابات المناطق في فرنسا التي جرت في ديسمبر 2015 أي بعد نحو شهر من هجمات نوفمبر الدامية حيث اظهر تحول جزء من أنصار اليمين الى "الجبهة الوطنية." 

و من المؤكد انه حال وقوع هجمات جديدة قبل الإنتخابات الرئاسية سيخدم ذلك مصلحة مارين لوين على الأقل بالنسبة للجولة الاولى الا ان هناك بعدا اخر لا بد من اخذه في الاعتبار و هو ان الفرنسيين قد يقدموا في الجولة الثانية على انتخاب المرشح الذي سيقود حربا شرسة على الاٍرهاب دون المخاطرة بتمزيق المجتمع اذ ان الفرنسيين يدركون وجود خطر محتمل باندلاع مواجهات طائفية أو حربا أهلية بالاراضي الفرنسية.

و في ضوء ما سبق، يحذر المراقبون من أن انتخاب شخصيات تتبنى خطابا انقساميا مثل نيكولا ساركوزي أو مارين لوبن من الممكن ان يساهم في تأجيج الاستقطاب داخل المجتمع، و يؤكدون ان الأوفر حظا سيكون المرشح الذي يدعو الى التوافق و التهدئة و هذا يرجح كافة الان جوبيه.
و قد تشهد الجولة الثانية من الرئاسيات - بحسب التوقعات- مواجهة بين مرشح مثير للجدل يراهن على التهديد الارهابي المستمر و هي مارين لوبن و مرشح أخر يمكن ان يعبر بالبلاد الى بر الأمان و يتجاوز الاضطرابات التي قد يشهدها المجتمع الفرنسي في السنوات القادمة و هو رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه.
وتبقى جهود مكافحة الاٍرهاب محل جدل متواصل بين الحكومة الاشتراكية و المعارضة اليمينية التي تطالب باجراءات اكثر صرامة للتصدي للارهاب. و كانت من ابرز هذه التدابير تلك التي اقترحها نيكولا ساركوزي بإنشاء محكمة خاصة لمكافحة الإرهاب و توفير قضاة متخصصين.
كما اقترح ساركوزي انشاء اجنحة خاصة في السجون للمدانين المتطرفين و الاحتجاز الإداري التلقائي للأشخاص الخطرين الذين يشتبه بارتباطهم بالإرهاب وكذلك الطرد الفوري من الأراضي الفرنسية لأي أجنبي أدين بالإرهاب بعد انتهاء عقوبته.