رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي

يستعد رئيس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايته ماريانو راخوي التقدم إلى البرلمان للحصول على ثقته في جلسه تنصيب، تعقد خلال اليومين القادمين وذلك بعد حصوله على موافقة الاشتراكيين على الامتناع عن التصويت في البرلمان؛ لإفساح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف شهر نوفمبر المقبل.

وتشكل هذه الخطوة انفراجة كبيرة للمأزق السياسي غير المسبوق الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عشرة أشهر لم تتمكن خلالها من تشكيل حكومة رسمية وظلت بحكومة تسيير أعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية للبلاد. 

جاءت هذه الانفراجة نتيجة تخلي الاشتراكيين عن موقفهم الرافض لمنح الثقة لراخوي وذلك عقب استقالة الأمين العام للحزب بيدرو سانشيز أوائل الشهر الجاري والذي كان يرفض بشكل قاطع السماح بتشكيل حكومة يمينية، واستمرار راخوي رئيسا للحكومة، وبعد استقالة سانشيز من قيادة الحزب، قرر أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الفدرالية بغالبية كبيرة بلغت 139 مقابل رفض 96، الامتناع عن التصويت في البرلمان بهدف السماح لراخوي بتشكيل حكومة جديدة وتفادي إجراء انتخابات ثالثة قبل نهاية هذا العام.
 
كان الحزب الشعبي بزعامة راخوي قد فاز في الانتخابات التشريعية التي أجريت في ديسمبر 2015، ويونيو 2016 دون أن يحصل على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، كما أخفق الحزب في التحالف مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة توافقية، وهو ماوضع البلاد في حالة فراغ سياسي غير مسبوق. 
ورغم التحديات الهامة التي تنتظر حكومة المحافظين الجديدة، والتي من أهمها قيادة إسبانيا للخروج من أزمتها الاقتصادية وخفض معدلات البطالة البالغة 20%، غير أن التوقعات تشير إلى أن الحكومة المقبلة ستكون ضعيفة بدرجة كبيرة، حيث أنها ستكون حكومة أقلية مدعومة فقط من 137 نائبا من أصل 350 وبالتالي فإنها ستواجه صعوبات كثيرة لتمرير مشاريعها نظرا لافتقارها للأغلبية المطلقة بالبرلمان كما أنها ستكون في مواجهة مستمرة مع الأحزاب الأخرى وستكون ولايتها على الأرجح أقل من أربع سنوات.

في ضوء ماسبق، يرى المراقبون أن الأزمة التي تمر بها البلاد حاليا تكشف عن العديد من التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية الإسبانية مؤخرا والتي من أبرزها انتهاء الثنائية الحزبية بين الحزبين الشعبي والاشتراكي اللذين كانا يتناوبان على استلام زمام الحكم في مدريد على مدار الأربعين عامًا الماضية، وظهور قوى سياسية جديدة، وهما حزبي "بوديموس" اليساري و "سيوددانوس" الليبرالي، نجحت في خلق مكانة وثقل لها داخل المشهد السياسي وفرضت على الأحزاب التقليدية فتح قنوات للتفاوض معها وإشراكها في إدارة شئون البلاد. 

من بين التغيرات أيضا التي شهدتها إسبانيا مؤخرا هي حالة الانقسام الواضح داخل صفوف الحزب الاشتراكي والتي لعبت دورا جوهريا في استمرار الجمود السياسي داخل البلاد على مدار العشرة أشهر الماضية، فقد شهدت مواقف الاشتراكيين تناقضات واسعة حول عدد من الموضوعات كان على رأسها استمرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريانو راخوي في قيادة البلاد حيث عبر الفريق الأول بقيادة الزعيم السابق للحزب بيترو سانشيز وأنصاره عن رفضهم القاطع لاستمرار راخوي رئيسا للحكومة نظرا لتردي أوضاع البلاد خلال فترة ولايته الأولى وتفشي الفساد وتنامي الفوارق الاجتماعية، بينما رأى الفريق الآخر أن الحل الأفضل يتمثل في الامتناع عن التصويت لتسهيل تنصيب الحكومة الجديدة بقيادة راخوي في محاولة للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد وتجنب اللجوء مرة ثالثة إلى صناديق الاقتراع. 
وأدى هذا الخلاف إلى انقلاب غير مسبوق داخل صفوف الاشتراكيين انتهى بإرغام سانشيز لتقديم استقالته، وتولي خافيير فيرنانديز رئاسة الحزب والذي أبدى استعداده للسماح لراخوي بتشكيل حكومة.

في ضوء المشهد السابق، يخلص المراقبون إلى أن حالة التخبط التي يعيشها الحزب الاشتراكي حاليا تعكس عمق الأزمة التي تواجهه، فقد تراجعت مكانة الحزب بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة وفقد مصداقيته على المستوى الشعبي وهو ما ظهر واضحا في الانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو الماضي حيث حصل على عدد أصوات أقل من الانتخابات التي سبقتها في ديسمبر، كما ظهر هذا التراجع أيضا في نتائج الانتخابات التي جرت نهاية سبتمبر الماضي في إقليمي غاليسيا والباسك والتي تراجعت فيها مكانة الحزب الاشتراكي إلى المركز الثالث بعد أن تخطاه حزب "بوديموس" اليساري وحقق نتائج متقدمة في الوقت الذي فقد فيه الاشتراكيون 11 مقعدا في كلتا المنطقتين ليكونوا بذلك أمام أسوأ نتيجة لهم منذ عام 1980.

ويرى المراقبون أن الحزب الاشتراكي يواجه تهديدا حقيقيا في الفترة الراهنة وأنه من المتوقع أنه سيسعى جاهدا خلال المرحلة القادمة لتحسين صورته واستراداد مكانته في الشارع الإسباني خاصة في ظل التنامي الملحوظ لحزب بوديموس الذي تمكن من توسيع قاعدته الشعبية على حساب قاعدة الاشتراكيين ويسعى للتحول إلى الحزب القائد لليسار في البلاد، لاسيما أنه يحظى بدعم الأجيال الشابة ويعتمد على قيادات لم تتلطخ بفضائح الفساد المستشرية في الأحزاب التقليدية فضلا عن تجديده لخطابه السياسي وتركيزه على مبادئ اليسار الأساسية المطالبة بالحقوق الاجتماعية وبمستوى أفضل للمعيشة.