تدهور الوضع الأمني الحالي في اليمن

مثلما يشكل تدهور الوضع الأمني الحالي في اليمن تحديا كبيرا وخطيرا للمنطقة العربية التي تعاني من تداعيات الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا وتفاعلات أخرى لا تقل سخونة في مواقع عدة على الخريطة العربية، فإن تفاعلات الأحداث الحالية في صنعاء ومدن يمنية أخرى تشكل أيضا تحديا متناميا للأمم المتحدة التي تواصل اهتمامها بملف المصالحات اليمنية من خلال موفدها إلى صنعاء جمال بن عمر الذي قام بجولات كثيرة على الساحة اليمنية، والتقى أطرافا عدة، وفي هذا السياق جاء الدعم الدولي للمبادرة الخليجية ليضفي على المواقف الخليجية الداعمة لاستقرار اليمن أهمية وحيوية في ظل تعقيدات ومستجدات الأحداث في اليمن.
وفي أحدث إشارة إلى القلق الدولي من مسارات الأحداث في اليمن حذر المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر من سماهم "معرقلي العملية" الانتقالية، وقرن ذلك بالتلويح بوجود استعداده (دولي) لفرض عقوبات على "معرقلي العملية الانتقالية" بناء على القرار الدولي 2140 .
وجاء تهديد المبعوث الدولي لدى مخاطبته مجلس الأمن قبل أيام، مؤكدا أن "العملية الانتقالية مهددة بالانهيار"، ومشددا على أن "الطريقة الوحيدة لإنقاذها تكون عبر التنفيذ الكامل لاتفاقية السلم والشراكة الوطنية الذي وقعت في ظل تداعيات الأزمة الحالية، وكانت القوى السياسية توافقت قبل ذلك وبدعم خليجي ودولي على نتائج "حوار وطني شامل" وضع أسسا ومرتكزات لبناء دولة مستقرة. 
ورغم الترحيب الدولي بتعيين السيد خالد بحاح رئيسا جديدا للحكومة اليمنية عقب عمليات شد وجذب ساخنة بين الفرقاء السياسيين، لوحظ أن المنظمة الدولية التي دعت إلى تشكيل وزراء الحكومة الجديدة "في أسرع وقت" وجهت رسالة إلى من يعنيهم الأمر في صنعاء بأن مجلس الأمن سيوظف كل الجهود لدعم اليمنيين في خطاهم وتطلعاتهم لتحقيق التغيير السلمي.
وعكست إشارة ابن عمر إلى أن "جميع أعضاء مجلس الأمن يدركون المخاطر المحدقة بالعملية السياسية"، رسالة مهمة، خاصة أن رئيسة المجلس لشهر أكتوبر الحالي السفيرة الأرجنتينية ماريا كريستينا بيرسيفال أعلنت تجديد الدعم للرئيس عبدربه منصور هادي، لكن ذلك لم يخف الطلب الدولي في شأن ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية والتطبيق الكامل لمخرجات الحوار الوطني واتفاقية الشراكة الوطنية والسلم، وهنا تكمن رسالة تحمل دلالات عدة في ضوء ما جرى في صنعاء ومدن يمنية من أحداث دموية.
وفي سياق الاهتمام الدولي بتطورات الشأن اليمني برزت "المبادرة الخليجية" التي رأت النور في عام 2011 واستطاعت أن تخرج اليمن من عنق الزجاجة في توقيت دقيق وصعب سادته مخاوف من مواجهات بين اليمنيين وخصومهم بعدما نجح الشعب اليمني بتجسيد حقائق انتصار ثورة شعبية يمنية أذهلت العالم كله فأطاحت سلميا بالنظام السابق. 
يؤدي الحل الذي سيفضي إليه هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وأن يلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح، وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. كما نصت على أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا وتوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض. 
كما ركزت على أهمية التوافق بين اليمنيين، ومن بنودها المهمة التي توضح أهمية الدور الخليجي والدولي أنها نصت على أن "تكون دول مجلس التعاون والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شهودا على تنفيذ الاتفاق".
ويلاحظ أن المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر يجدد الحديث من وقت لآخر عن أهمية "المبادرة الخليجية"، وقال لدى مخاطبته مجلس الأمن في منتصف اكتوبر الجاري إن المبادرة الخليجية ما زالت أساس العملية الانتقالية وأن مخرجات الحوار واتفاقية السلم والشراكة الوطنية أكدت التزام الأطراف بها.
وها هي تداعيات الأحداث الدموية في اليمن وتطوراتها الساخنة تفرض وجودها بشدة، كما أثارت حيرة واستغراب وغضب أوساط عدة في اليمن وخارجه، كما أحدثت أصداء واسعة في الأوساط الخليجية الرسمية والشعبية في ضوء علاقات تاريخية وجغرافية لا فكاك منها للجانبين الخليجي واليمني، وأيضا في ظل وجود مصالح مشتركة تفرض بدورها معادلة تأثير وتأثر متبادلة، ولعل أحدث تطور عكس أبعاد الاهتمام الخليجي بالوضع في اليمن تمثل في الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء داخلية دول مجلس التعاون بجده بالمملكة العربية السعودية في نهاية سبتمبر الماضي، حيث أعلنت الدول الخليجية الست موقفا جماعيا موحدا أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية في اليمن"، وأكدت أن "أمن اليمن وأمن دول المجلس يعتبر كلا لا يتجزأ".
وبدا واضحا أن اجتماع وزراء الداخلية الخليجيين سادته روح التفاهم والتنسيق، خاصة أنه وفقا لتأكيدات  خليجية "عقد بناء على توجيه قادة دول المجلس للنظر في الأحداث التي تشهدها الجمهورية اليمنية، وتقييم المستجدات والتطورات على الساحة اليمنية ومخاطرها وانعكاساتها المباشرة على الأمن المحلي والإقليمي لدول المجلس".
وجاء في البيان الخليجي أن "وزراء الداخلية تدارسوا تطورات الأوضاع الأمنية في الجمهورية اليمنية في ضوء الأحداث المؤسفة التي جرت في محيط العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق وما تعرضت له المؤسسات الأمنية والمدنية في اليمن من اعتداءات تمس سيادة الدولة وتعرض أمن الشعب اليمني الشقيق للخطر"، و "أعربوا عن قلقهم البالغ من التهديدات التي وجهت للحكومة اليمنية وأجهزتها"، كما شجب وزراء الداخلية الخليجيون "الأعمال التي تمت في اليمن بقوة السلاح"، وأعلنوا "إدانة واستنكار عمليات النهب والتسلط على مقدرات الشعب اليمني وضرورة إعادة كافة المقار والمؤسسات الرسمية للدولة اليمنية وتسليم كافة الأسلحة وكل ما تم نهبه من عتاد عسكري وأموال عامة وخاصة" 
وفي سياق تفاعلات الحدث اليمني أكدت مصادر خليجية لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ أن الرؤية الخليجية تجاه الأحداث اليمنية" تتسم بوحدة الموقف"، لافتة إلى تأكيد وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حرصهم على "أن تتجاوز الجمهورية اليمنية هذه المرحلة بما يحفظ أمنها واستقرارها ويصون سيادتها واستقلالها ووحدتها"، وأضافت أن هذا يعني "أن دول مجلس التعاون الخليجي تولي حاليا اهتماما كبيرا لتطورات الأوضاع في اليمن، استنادا إلى حقائق التاريخ والجغرافيا، والأواصر والمصالح المشتركة"، كما شددت مصادر خليجية متطابقة على أن "العنوان اليمني يشكل أحد أولويات دول مجلس التعاون حاليا، وأحد أبرز القضايا التي سيتدارسها وزراء الخارجية والقادة الخليجيون في قمتهم المقبلة في الدوحة".
وأكدت المصادر،" أن دول مجلس التعاون لا تدرك فقط أهمية قضية الاستقرار في اليمن وأهميتها لدول المنطقة والدول العربية كافة بل ساهمت وتساهم على مدى سنوات عدة بدعم الاستقرار هناك سياسيا واقتصاديا"، وتوقعت المصادر أن "تجدد دول مجلس التعاون التأكيد على مواقفها المعلنة، والتي عبر عنها بوضوح وصراحة اجتماع وزراء الداخلية الخليجيين الأخير الذي عقد في السعودية".
ويبدو واضحا من كل ذلك أن المواقف الخليجية الداعمة لاستقرار اليمن والداعية للاحتكام إلى المبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني واتفاق "السلم والشراكة الوطنية" الذي تم توقيعه بعد دخول المسلحين الأخير إلى صنعاء ومدن يمنية أخرى تجد دعما من الولايات المتحدة الأمريكية، وظهر ذلك جليا في دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للأطراف اليمنية إلى سرعة تنفيذ اتفاق الشراكة لإنهاء الأزمة الحالية، كما جدد الرئيس الأمريكي في اتصال هاتفي مع الرئيس اليمني  قبل أيام، وفقا لمصادر إعلامية يمنية، التأكيد على أهمية تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وشدد أوباما أيضا على دعم واشنطن والمجتمع الدولي لأمن واستقرار اليمن ووحدته، كما أكد "دعم تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية بشكل كامل"، ولم يغب عن الرئيس الأمريكي ضرورة تذكير الأطراف اليمنية بأن "سرعة تنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية يصب في مصلحة البلاد والمنطقة والعالم باعتبار أمن واستقرار اليمن جزءا لا يتجزأ من الأمن الإقليمي والعالمي".
هذا معناه أن الأوضاع المضطربة في اليمن لا تشكل تحديا لأطراف الأزمة اليمنية فحسب بل تمثل تحديات للمنطقة والمجتمع الدولي، وفيما يرى مصدر مطلع على الشأن اليمني أن الوضع هناك مفتوح على "أسوأ الاحتمالات" قال إن "حاجة اليمن إلى دعم اقتصادي خليجي وعربي ودولي متواصل تضع اليمنيين كافة وخاصة القوى الحاكمة والمعارضة أمام محكات صعبة، كما تضع أية جهة يمنية تسعى لتأزيم الأوضاع والاحتكام لمنطق القوة أمام مآزق لا نهاية لها، وأيضا في دائرة الخلاف الحاد محليا وعالميا، وهذا يعني أيضا أن لا سبيل للخروج من النفق المظلم إلا بالاحتكام للمبادرة الخليجية ومقررات الحوار الوطني الشامل الذي توافقت عليها جميع المكونات اليمنية، والتي أكدت السعي إلى "بناء دولة يمنية اتحادية ديمقراطية جديدة مبنية على مبادئ سيادة القانون والمواطنة".
والآن ها هي قضية تشكيل حكومة يمنية توافقية تخلق أول امتحان للقوى السياسية اليمنية، خاصة القابضة على زمام الأوضاع في صنعاء ومدن أخرى، وخاصة بعدما تم التوافق على اختيار رئيس جديد للحكومة الجديدة، ووفقا لاتفاق الشراكة في بنده الأول يتعين أن يجري الرئيس اليمني "مشاورات شاملة وشفافة مع جميع المكونات الممثلة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل"، وتهدف هذه المشاورات إلى "تشكيل حكومة كفاءات في مدة أقصاها شهر"، كما نص الاتفاق على أن "تعتمد في تشكيل الحكومة الجديدة مبادئ الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية، وأن تضمن مشاركة واسعة للمكونات السياسية".
لكن البند الأهم في اتفاق الشراكة تضمن "تعهد الأطراف (الموقعة على الاتفاق) بإزالة جميع عناصر التوتر السياسي والأمني من أجل حل أي نزاع عبر الحوار وتمكين الدولة من ممارسة سلطاتها، ووجوب وقف جميع أعمال العنف فورا في العاصمة صنعاء ومحيطها من جميع الأطراف"، وهذا الجانب يكمله بند آخر يتمثل في أهمية أن "تؤكد الأطراف ضرورة بسط سلطة الدولة واستعادة سيطرتها على أراضيها كافة وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني"، وهذا يتطلب "نزع السلاح واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كافة الجماعات والأحزاب والأفراد التي نهبت أو تم الاستيلاء عليها وهي ملك للدولة على المستوى الوطني وفي وقت زمني محدد وموحد"، كما جاء في أحد بنود اتفاق الشراكة، وكل ذلك يؤكد أن عملية تنفيذ بنود اتفاق الشراكة سيكشف صدقية من يمسكون بناصية الأمور في اليمن حاليا، وسيؤدي تعطيله إلى إغراق اليمن في المزيد من أجواء  التوتر والشد والجذب مع الداخل والخارج معا، وهذا سيضر بمصالح الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة في الاستقرار والحرية والمساواة ودولة القانون. 

المصدر : قنا