رام الله – وليد أبوسرحان
تستحوذ المشافي الإسرائيلية على "نصيب الأسد" من الاموال التي تنفقها السلطة الفلسطينية على معالجة المرضى الفلسطينيين جراء التحويلات التي تتم للمشافي الإسرائيلية بسبب عجز الفلسطينية عن تقديم العلاجات اللازمة للكثير من الأمراض المستعصية.
وأكّدت مدير دائرة العلاج الخارجي في وزارة الصحة الفلسطينية الدكتورة أميرة الهندي، في حديث إلى "صوت الإمارات"، أنّ "القيمة التقديرية لفاتورة العلاج في الخارج تتراوح ما بين 50 و55 مليون شيكل شهريًا، والمشافي الإسرائيلية تأخذ أكثر من ثلثها".
وأضافت "تقوم دائرة شراء الخدمة بتقديم خدمة العلاج الطبي لمرضانا المحولين من طرف المشافي الحكومية، إما لعدم توفر الخدمات المطلوبة، أو لضغط العمل، وعدم توفر الكوادر اللازمة لتغطية الخدمات في وقتها، وإما لعدم توفر الأجهزة أو المواد اللازمة لإتمام العمل".
وتابعت "رغم العمل الجاد لتطوير الخدمات الطبية في القطاع العام فإن حجم العمل في هذه الدائرة في تنام وازدياد، حيث بلغ عدد التحويلات 8123 تحويلة، عام 2000، ليصل في عام 2013 إلى 61636 تحويلة، وإلى 64219 تحويلة في عام 2014، وهذا لا يعتبر مؤشرًا سلبيًا، بقدر ما يدل على تنامي الوعي الصحي لدى المواطن الفلسطيني وتطور الإجراءات التشخيصية عالميًا وإقليميًا ومحليًا، إضافة إلى ازدياد الأمراض، لاسيما المزمنة، وظهور بعض الأمراض الجديدة في العالم".
وفي شأن القيمة التقديرية لفاتورة العلاج في الخارج، بيّنت أنها "تتراوح ما بين 50 و55 مليون شيكل شهريًا، تشكل فاتورة المشافي الإسرائيلية أكثر من 33%، بينما تشكل فاتورة مشافي القدس 33% وفاتورة مشافي المحافظات الشمالية والجنوبية 34%".
ولفتت إلى أنَّ "الفاتورة الصادرة عن المشافي الإسرائيلية، في الشهر الواحد، هي عبارة عن مجموع فواتير لأشهر سابقة، وبنسب معينة، لم نكن سابقًا نعلم عن طبيعة العمل فيها".
وعن تقليص فاتورة التحويلات الخارجية، لاسيما للمشافي الإسرائيلية، أبرزت الهندي أنه "بقدر ما تسعى وزارة الصحة الفلسطينية إلى تقليص فاتورة التحويلات، والتي تشكل الجرح النازف في ميزانية الوزارة، بالقدر الذي تطمح فيه لتقديم الخدمة المميزة والتي تنعكس إيجابًا على صحة مواطننا الفلسطيني، وبسعي الوزارة الحثيث لحوكمة وترشيد التحويلات، فإن ذلك يصب في خطة الوزارة الرامية لتحسين وتطوير الخدمات الطبية، وعليه فإن فاتورة التحويلات لا تستقر على قيمة ثابتة في أشهر العام"، مبيّنة أنَّ "العام الماضي، تراوحت فيه فاتورة المشافي الإسرائيلية الشهرية ما بين 12 مليون و30 مليون شيكل، مع ازدياد تصاعدي للفاتورة في النصف الثاني لعام 2013، أما في العام الجاري، فقد تراوحت ما بين 22 - 35 مليون شيكل، مع تناقص في النصف الثاني منه، حيث بلغت في أيلول/سبتمبر الماضي 22 مليونًا، وفي تشرين الأول/أكتوبر 23 مليون شيكل، وعليه يقدر الانخفاض بحوالي 13 مليون شيكل".
وفي شأن عدد المحولين للمشافي الإسرائيلية في الأشهر الماضية، عقب استلامها المسؤولية عن هذه الدائرة، وكم كانت التكلفة الشهرية، أوضحت الهندي "منذ بدء استلامي لمهامي كمدير لدائرة التحويلات وعملنا الدؤوب مع الفريق العامل في دائرة التحويلات لوضع نظام واضح لتسيير العمل وأسس للتعامل مع الجهات المستقبلة للتحويلات، وعبر تضافر جهود الجميع، بدءًا من دعم وزير الصحة الدكتور جواد عواد، والذي لم يأل جهدًا في تقديم الدعم والتوجيهات، مرورًا بالمؤسسات الدولية الداعمة لمشروع تطوير الأداء في ملف التحويلات، ناهيك عن صدور قرار رئاسة مجلس الوزراء بتقنين التحويلات إلى خارج الوطن، كل ذلك ساهم في تخفيض عدد الحالات المحولة للمشافي الإسرائيلية، من 12% من مجمل التحويلات في النصف الأول لـ2014، إلى 8.6% في النصف الثاني، مع انخفاض واضح للتكلفة من 35 مليون شيكل إلى 23 مليون شيكل".
واستطردت "بالمقارنة مع عام 2013 فقد انخفض عدد المحولين للمشافي الإسرائيلية من 13% من مجمل التحويلات إلى 10.8% لهذا العام، وهبوط نسبة قيمة التكلفة من 33% من مجمل التكلفة في 2013، إلى 25.7% في 2014".
وعن أنواع الحالات المرضية المحولة للمشافي الإسرائيلية، بيّنت الهندي أنه "تشكل تحويلات الأورام وأمراض الدم النسبة الأعلى، يليها تحويلات بعض جراحات الأعصاب الدقيقة، والتي لا تتوفر لدينا الإمكانات لتقديمها في مشافينا حتى الآن، إضافة للتحويل لبعض جراحات القلب والأوعية الدموية".
وفي شأن أثر تناقص عدد المحولين على صحة المرضى، الذين كانوا يوصفون سابقًا بـ"جيش المحولين" للمشافي الإسرائيلية، أشارت الهندي إلى أنه "حال اتفقنا على أن المشروع الوطني الطبي الفلسطيني لا يمكن له أن يتطور ويرتقي طالما كان سعينا باتجاه التحويل لخارج الوطن، وهنا كان لابد من اتخاذ القرار الصعب بتغيير اتجاه التحويل من الخارج إلى المشافي الوطنية، شريطة أن تقدم الخدمات ذاتها، وعلى مستو عال من الجودة والكفاءة، علمًا بأنّ الإجراءات غير المتوفرة لدينا لم يطرأ عليها أي تغيير، وعليه ساعد هذا العمل على جذب كفاءات وخبرات من خارج الوطن، واستقطابهم للعمل في المشافي الوطنية، إضافة إلى إدراج بعض الإجراءات التي لم تكن متوفرة لدينا سابقًا، وهذا بالتأكيد لن يظهر أثره في فترة زمنية قصيرة، بل يحتاج لبعض الوقت، حتى نلمس آثاره على صحة المرضى وعلى الواقع الطبي في بلدنا".
وكشفت الهندي، في شأن إمكان توفير الكثير من الأموال العامة التي كانت تدفع للعلاج الخارجي، لاسيما للمشافي الإسرائيلية، أنه "في الحقيقة، وعبر العمل اليومي بمتابعة ملفات المرضى المحولين للمشافي الإسرائيلية، والتواصل مع تلك المشافي، والعمل على وضع أسس وتفاهمات للعمل بيننا، قد تصل إلى توقيع اتفاقات للتحويل عبر موقع إلكتروني، تم تصميمه بالتعاون مع مؤسسات دولية داعمة للمشروع، يعمل على ضبط التحويل والرقابة على تقارير المرضى، والإجراءات المقدمة لهم، إضافة إلى الفواتير، مما سيساهم لاحقًا في ضبط التحويلات، وبالتالي السعي إلى توفير الكثير من الأموال العامة، التي يمكن أن يتم الاستفادة منها في التطوير الذاتي لبناء المنظومة الصحية في فلسطين".
وعن حجم الاموال التي أهدرت تحت بند التحويل للعلاج في المشافي الإسرائيلية منذ قيام السلطة الفلسطينية، أكّدت الهندي "ليس لدي قيمة تقديرية لحجم هذه الأموال ولكن النجاح في إنقاذ حالات مرضية مستحقة وفي الوقت المناسب لا يمكن أن يقدر بثمن في الوقت ذاته".
وفي شأن ما يدور من حديث في الشارع الفلسطيني بأن فاتورة التحويلات الطبية للمشافي الإسرائيلية، التي كانت ترسل لوزارة المال الفلسطينية كانت عبارة عن أرقام فلكية غير حقيقية، ومختلفة عن الفاتورة الحقيقية للتسعيرة الطبية و"الفرقية" تذهب لجيوب مسؤولين متنفذين في القطاع الصحي الفلسطيني، لاسيما في دائرة العلاجات الخارجية، بيّنت الهندي "حسب تقديري ومعلوماتي في الفترة التي عملت بها في دائرة التحويلات، فإنه حقيقة يوجد فروقات ما بين التكلفة التقديرية المسجلة لدينا إحصائيًا وبين الفاتورة الفعلية المقتطعة من فاتورة المقاصة، وسبب ذلك يعود إما لعدم المتابعة الجادة للمرضى المحولين للمشافي داخل الخط الأخضر، أو استخدام التحويلة لأكثر من مرة دون علمنا، أو علاج حالات مرضية دون تحويلات (عمال)، أضف إلى ذلك الإجراءات الممنوحة لمرضانا دون علمنا، ودون أن تذكر في التحويلة الصادرة من طرفنا".
وأردفت الهندي، في شأن محاربة مظاهر الفساد في القطاع، أنَّ "ما يجري، في المرحلة الراهنة، هو وضع نظام للعمل واضح وشفاف عماده المراقبة المستمرة والتدقيق الجاد والتقليص الدؤوب للتحويلات غير النظامية، والعمل على استعادة الثقة ما بين المريض والقطاع الصحي الحكومي، عبر رد العديد من التحويلات إلى مشافينا الحكومية أو الوطنية".
وفي شأن إذا ما كان هدر المال العام في التحويلات الطبية دفع أطراف دولية مانحة للتدخل لتنظيم القطاع، رأت الهندي أنّ "العمل الجاد، الذي بدأ منذ مطلع العام الجاري، هو انعكاس لرؤية وزارة الصحة ممثلة بالوزير، للحد من الهدر غير المبرر للمال العام، وإشراك أطراف دولية مانحة للعمل على دعم هذا التوجه بالخبرات والإمكانات للوصول بهذا الملف الشائك إلى ما يليق به، وبصحة المريض".
وأبرزت الهندي أنَّ "هناك اتفاقات قائمة مع بعض المشافي في جمهورية مصر العربية ويتم التحويل إليها، مثل مشفى فلسطين التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إضافة إلى مراكز الامانة التخصصية، التابعة لوزارة الصحة المصرية، وتبلغ 42 مركزًا متخصصًا في التخصصات كافة، وغالب التحويلات لمرضى المحافظات الجنوبية تتم لمصر، أما مشافي الأردن فنحن نطمح لإزالة جميع المشاكل العالقة السابقة معها، وتحديث الاتفاقات فيما بيننا، بعد الانتهاء من ملف الديون القديمة، على أن يعود التحويل لمرضى المحافظات الشمالية في اتجاه الأردن الشقيق".
وبشأن عملية التحويل لمرضى قطاع غزة، بيّنت الهندي "التحويل لمرضى المحافظات الجنوبية يتم بالتنسيق مع دائرة شراء الخدمة في غزة، حيث يتم إرسال نماذج التحويلات يوميًا إلى دائرة التحويلات في رام الله، وترفع التغطية المالية لغزة، ليتم بعدها التنسيق للمرضى مع المشافي المستقبلة، وحجز المواعيد، واتخاذ إجراءات المعابر، هذه المعيقات تنعكس سلبًا على حياة وصحة مرضانا في قطاع غزة، ما دعانا للبدء بخطة ربط ملفات المرضى في غزة إلكترونيًا معنا، للتسريع في إجراءات التحويل، ومن الناحية الإحصائية فقد بلغت نسبة التحويلات لمرضى غزة 27% من مجمل التحويلات في العام الجاري، بينما وصلت إلى 28% عام 2013".
وأضافت "بلغت التحويلات للمشافي الإسرائيلية عام 2012 ي قطاع غزة 50% وفي عام 2013 بلغت 47% بينما وصلت لغاية الآن 49% للعام الجاري".
وعن مستوى المشافي الفلسطينية، وإذا ما زالت عاجزة عن علاج الكثير من الأراض المستعصية، كشفت الهندي أنَّ "المشافي الوطنية تسعى إلى تطوير وتحديث إمكاناتها وخدماتها، عبر العمل على دراسة الاحتياجات وسد النقص الموجود واستقطاب الخبرات، فمثلاً المشافي المتخصصة بعلاج الأورام عمدت إلى إدراج بعض الإجراءات غير المتوفرة، مثل زراعة النخاع، وزراعة الكلى، وجراحة قلب للأطفال، وسيكون هناك، في الأشهر المقبلة، الإعلان عن البدء بالعديد من العمليات والفحوصات التشخيصية، التي كنا بالسابق نعمد إلى تحويل مرضاها للمشافي الإسرائيلية".