مشهد عام من اللاذقية الجمعة 18 آذار/مارس 2016

 يعبر خالد، بائع التحف التذكارية في وسط مدينة اللاذقية في غرب سوريا، عن الحزن والقلق لرحيل "اصدقائه" الجنود الروس الذين اعتادوا زيارة متجره وشراء الهدايا منه، ويقول "لا نريدهم ان يذهبوا، لقد احببناهم ونريدهم ان يبقوا".

ويضيف بصوت يشوبه القلق "لا ادري ماذا يخبئ المستقبل، أشعر بالخوف بالتاكيد، ولكنني آمل من الله ان يحمي هذا البلد".

ويتابع خالد (30 عاما) وهو يقف وسط مجموعة من التحف المصنوعة من الصدف والخشب التي كان يقبل على شرائها الجنود الروس بكثرة يوميا، "كنا نسعد لسماع هدير الطائرات فوق رؤوسنا، كانت تشعرنا بالامان وبانهم يحموننا".

واعلنت موسكو الاثنين بشكل مفاجئ انها ستسحب الجزء الاكبر من قواتها من سوريا بعدما "انجزت" مهمتها، اثر تدخل جوي بدأ في 30 ايلول/سبتمبر، وساهم في دعم العمليات العسكرية للجيش السوري الذي تمكن من استعادة مناطق عدة من الجهاديين ومن الفصائل المقاتلة المعارضة، بعضها في ريف اللاذقية.

ومنذ بدء حملتها الجوية في سوريا، اتخذت الطائرات والقوات الروسية من قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية مركزا لها. واعلنت قبل ايام سحب بعض القوات التي عادت الى روسيا. وتعتبر اللاذقية معقلا اساسيا للرئيس بشار الاسد.

ويقول خالد، صاحب الشعر الطويل، وقد ارتدى قميصا وبنطالا اسود ان "احساسا صعبا" خالجه لدى سماعه خبر سحب روسيا لقواتها، وقال بتأثر "كانوا كالاصدقاء".

ويشير الى ان بعض الجنود جاؤوا  لوداعه قبل رحيلهم. ويقول "انهم طيبو القلب ودمثو الخلق".

في شارع الجمهورية التجاري في وسط المدينة، يتأسف معين قاجو (39 عاما) على مغادرة الروس، مشيرا الى ان مطعمه لقي اقبالا كبيرا لدى "الجنود الروس وعائلاتهم لتذوق سندويشاته الشهيرة من الشاورما المشوية على الفحم".

ويروي ان احد الجنود الروس جاء الى مطعمه قبل يومين وقال له "للاسف هذه آخر سندويشة اكلها في محلكم لانني سارحل".

ويضيف "القرار كان مفاجئا دون شك وشعرنا بالامتعاض".

ويشعر قاجو "بالخسارة ماديا ومعنويا"، كما يقول، فالامر لا يقتصر على خسارة زبائنه بل يقول ان الدعم الكبير الذي قدمه الروس "دفع بالعمليات العسكرية قدما وعجلّ في احراز الانتصارات".

ويتابع ان "ذهاب الروس سيؤثر بالتأكيد على حركة الاسواق، لانهم كانوا يأتون لشراء مختلف انواع البضائع من هنا".

وخلال حوالى ستة اشهر، اعتاد سكان اللاذقية رؤية جنود بزيهم العسكري يتجولون في اسواق وشوارع المدينة يأكلون الوجبات السورية التقليدية ويشترون التحف التذكارية.

وعلق معظم اصحاب المحال التجارية الذين التقاهم فريق وكالة فرانس برس في ساحة الشيخ ضاهر صورا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعلم الروسي الى جانب صورة الرئيس السوري بشار الاسد.

وتقول رابعة شاويش (48 عاما) التي تملك محلا لبيع الالبسة واكسسوارات، عن خيبتها "كنت اتمنى بقاءهم، لانهم زرعوا لدينا التفاؤل والامل".

في منطقة الكورنيش الجنوبي المطلة على البحر، يقول الطالب الجامعي علاء السيد (22 عاما) ان سحب روسيا لقواتها "في اوج التقدم (الميداني) شكل لي صدمة"، متسائلا "ما السبب الذي دفعهم الى ذلك".

ويعبر عن قلقه حيال مستقبل العمليات العسكرية بعد الانسحاب. ويقول "بالتأكيد كان الجيش السوري يحمي بلدنا قبل مجيء الروس، لكني اخشى من عودة الامور الى الوراء، خصوصا ان التقدم الكبير الذي احرزه الجيش كان بمساندة الروس".

في حي ضاحية تشرين، يبدي طارق شعبو، صاحب مقهى "موسكو" الذي يضج بالمرتادين الشباب، امتنانا للموقف الروسي الداعم لبلاده، مؤكدا ان الحليف الروسي "لن يخذل سوريا".

وتعد روسيا من ابرز حلفاء الحكومة السورية وقدمت لها منذ بدء النزاع الذي دخل عامه السادس دعما دبلوماسيا واقتصاديا قبل ان تبدأ حملتها الجوية.

ويبدي شعبو من جهته تفهما للانسحاب الروسي، ويقول "اعلنت روسيا عن جدول زمني لمشاركتها في العمليات العسكرية في سوريا وهذا الجدول انقضى. اتموا مهتمهم وانسحبوا".

ويرى ان الروس تركوا "بنية قوية لنكمل العمل على اساسها. يكفينا الدعم المعنوي والنفسي الذي قدموه للمواطن السوري الذي شعر بان الامور تسير الى الامام ولا تعود الى الوراء".

ويعرب عن ثقته بقدرة الجيش السوري على "عدم تضييع المكاسب التي حصل عليها نتيجة الدعم الروسي، وسيسعى لاحراز تقدم اكبر مستفيدا من تدمير روسيا للبنى العسكرية والاقتصادية والبشرية للمسلحين".

ويرى شعبو ان "روسيا لم تتغير حيال سوريا وما زالت تساندها لكنها الان انتهجت النهج السياسي" لحل الازمة في البلاد. كما انها "مهدت الطريق (للجيش السوري) في حال فشلت المساعي السياسية".