مكة المكرمة - قنا
يوم مشهود من أيام الله على الأرض، هو يوم الحج الأكبر، فيه تقف أقدام الملايين من المسلمين على صعيد جبل عرفات في حين تتابع مئات ملايين القلوب والأرواح المسلمة في شتى بقاع الأرض هذا اللقاء التاريخي السنوي الذي قلما تتوحّد فيه قلوب أمة من أمم الأرض كتلك الأمة المسلمة. أجساد مختلفة ألوانها بيض الأردية متعددة ألسنتها ولهجاتها تقف شاخصة الأبصار مرفوعة الأكف متضرّعة إلى الله بدعاء تلهج به الألسن وترققه مشاعر القلوب وتغسل أدرانه دموع المشفقين الطامعين في الرحمة والغفران. هنا جماعة تصلي وهناك أخرى تبتهل وثالثة تتأمل بخشوع عظمة هذا اليوم. ورابعة تزاحم لتبلغ قمة جبل الرحمة لتقف حيث وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم خطيبا ناصحا مبلغا تمام رسالته ومودعا أمته تاركا إياها على محجة بيضاء تستذكر وتستحضر ذلك الموقف العظيم. يوم عرفة هو يوم من أعظم أيام الله، تغفر فيه الزلاّت، وتجاب فيه الدعوات، ويباهي الله بعباده أهل السماوات. وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، وفيه نزل قول الله تعالى في آخر آية من القرآن الكريم "اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلامَ دينًا". ولعل الله سبحانه ومن رحمته بعباده أن جعل من هذا اليوم يوما من مفاخر المسلمين وأعيادهم إذ هو يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، فما أجلّه من يوم، وما أعظمه من موقف، قال عليه الصلاة والسلام "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء" رواه مسلم، وقال في حديث آخر "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً" رواه أحمد . وقد سمي الموقف عرفة لأنه عرف لإبراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه، أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر، فلما رآه إبراهيم قال: قد عرفت، ولأن الناس يتعارفون فيه. - لا شك أن يوم عرفة يوم عظم الله سبحانه وتعالى أمره، ورفع على الأيام قدره، فقد أقسم الله سبحانه وتعالى به، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فقال عز وجل: "وَالشَّفع وَالوَتر. و قال ابن عباس (الوتر يوم عرفة، والشفع يوم الذبح). وقيل: إنه هو اليوم المشهود الذي أتى ذكره في سورة البروج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة قال: "ولا طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه الله منه". هو اليوم الذي أنزل الله فيه سبحانه وتعالى فيه: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلامَ دينًا. ويوم عرفة هو يوم عيد لأهل الموقف، وإنما يكمل الحج بالوقوف بعرفة لأن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الحج عرفة". وفي هذا اليوم يسن للمسلم غير الحاج صيام يوم عرفة طبقا لما جاء في الحديث الشريف: عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة "رواه مسلم". وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسنّ له صيام يوم عرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلّم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. ويوم عرفة يوم أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم. فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنَعمان، يعني عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قبَلا، قال: "ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون رواه أحمد وصححه الألباني" فما أعظمه من يوم وما أعظمه من ميثاق. أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف: أنه يوم العيد لأهل الموقف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحروأيام منى عيدنا أهل الإسلام". وطوبى لعبد مسلم وفقه الله تعالى للحج والوقوف بعرفة فأكثر فيه الدعاء في يوم الدعاء.