بيروت - صوت الامارات
أَمْضَتْ بيروت نحو ثمانية أشهر ونصف تضرب بالرمل بحثًا عن سرِّ تعليق السلطةِ في بلادٍ تحوطها الأخطار من كل حدبٍ وصوبٍ وتخطو نحو منزلقاتٍ تطيح بـ"بقايا" شبكات الأمان كالاستقرار المالي الذي يلامس الخطوط الحمر.
ويتّجه لبنان نحو انكشافٍ فعلي في ضوء تَعاظُم الصراع الداخلي على كعكة السلطة من بوابةِ تشكيل الحكومة الجديدة، وما يقال صٌبْح مساء عن عوامل إقليمية تحتجز مفتاح الانفراج في بيروت لجعْلها "ورقة" في المواجهة المترامية على طول المنطقة وعرضها، بخاصة بين الولايات المتحدة وإيران.
أقرأ أيضًا: لندن ستمنح العراق أكثر من 30 مليون استرليني للتخلص من اعتمادها على إيران
ويعتبر "الأمن" وحده كأنه يسير عكس السير في دولةٍ يحْكمها الخواءُ السياسي وتنْهشُها الأزماتُ الاقتصاديةُ والمالية والاجتماعية، ولكنها تفاخر باستقرارها الأمني المشهود رغم ما يحوطها من حروبٍ أو مشاريع حروبٍ في منطقةٍ تغلي فوق برميلِ بارودٍ يُعانِد الانفجار، أقلّه حتى الآن وحتى إشعار آخَر.
ويبدو أنه لم يكن عابرًا أن يتحوّل المجلس الأعلى للدفاع إلى ما يشبه بدلًا عن الحكومة "الضائعة"، كلما اقتضتْ التحديات,إ اجتمع أخيرًا على مدى ساعتين ونصف لمناقشة قضايا بالغة الحساسية، كالوضع على الحدود الجنوبية في ضوء إصرار إسرائيل على المضي في بناء جدارها الإسمنتي واجتيازه نقاطًا مُتَحَفَّظٌ عنها من لبنان.
ولم ينجُ الموقف اللبناني الرسمي ومعه الجيش من الحملات السياسية عبر تسريب المحضر السري لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع في محاولةٍ لرسْمِ شكوكٍ حيال صلابة الموقف من القضايا المثارة ومن ثم "فتْح النار" على المؤسسة العسكرية من بوابة الإيحاء بأن قيادتها تعمل على تغيير عقيدتها القتالية تَماشيًا مع رغباتٍ أميركية وفرنسية.
وحضرت كل هذه المفارقات في جلسةِ مكاشفةٍ مع مرجعٍ أمني كبير في بيروت، وسمعْنا خلالها تقويمًا شاملًا للواقع الأمني في البلاد منذ أن تَسَلَّمَ العماد جوزف عون قيادة الجيش اللبناني العام 2017.
شبّه المرجع الأمني الرفيع، الذي يستوقفك فائض ودّه للإعلام ودوره، المنطقةَ بـ"طنْجرة ضغط" نتيجة الصراع الأميركي - الإيراني الذي تصعب معرفة اتجاهاته، وهو ما يفترض الإبقاء على الحذر، مشيرًا إلى أن الوضع في سورية غير مستقرّ ويُمْلي علينا اليقظة بعد سيطرة "جبهة النصرة" المتطرفة على إدلب وهي ليست بعيدة من الحدود اللبنانية، وتاليًا لا بد من إبقاء العين مفتوحة خشية تَسَلُّل الإرهابيين»، كاشفًا عن أننا عمدنا إلى تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود الشمالية الشرقية تَحَسُّبًا.
وعَرَضَ المرجع ما تَحَقَّق منذ تَسلُّم العماد جوزف عون قيادة الجيش اللبناني كنا أمام خطر كبير وهو التطرف في الجرود الشرقية، وقرار القائد كان بإنهاء داعش وأمثالها.
بدأنا بالرؤوس الكبيرة في عرسال ثم تمكنّا من فصْل بلدة عرسال عن الجرود، وباشرْنا عملية تحرير الجرود وصولًا إلى معركة فجر الجرود التي نفذناها بحرفية متناهية وكان النجاح فيها باهرًا حيث استطاع الجيش السيطرة على 140 كيلومترًا وأنْهينا وجود المتطرفين
وكشف المرجع عن أنه بعد غلق منافذ التطرف عبر الحدود انتقلنا إلى العمل على تفكيكه في الداخل، ففي 2017 أَوْقفْنا 3743 إرهابيًا، وفي 2018 أَوْقفْنا 490 متطرفًا، وانتقلْنا إلى العمليات الأمنية الاستباقية وعززنا قدراتنا التدريبية والتقنية المساعِدة في عملية اجتثاث التطرف وذئابه المنفردة وصولًا الى إخراج الخلايا النائمة من أوكارها»، لافتًا إلى «أن تراجُع أعداد الموقوفين يعني أننا نجحنا في عملية تنظيف الوطن منهم».
و قرّر الجيش اللبناني التصدي لعدو آخر وهو آفة المواد المخدرة وعصابات السطو والإجرام لأن خطر المواد المخدرة يتهدّد المجتمع اللبناني برمّته وينتشر بوتيرة سريعة، ولأن عصابات الجريمة آخذة باستباحة مناطق لبنانية وهزّ استقرارها»، مشيرًا إلى «أننا نفّذنا عمليات أمنية أسفرت عن القضاء على أبرز الرؤوس لهذه العصابات، وبعد هذه العمليات أصبح الوضع الأمني في بعلبك الهرمل ممتازًا، والعمل مستمرّا».
ولم يشأ المرجع الأمني، إلا مقاربة الملف الحساس المرتبط بتسليح الجيش ومصادره والمُساعدات الغربية له، وهو الملف الذي غالبًا ما يُستخدم في إطار «تطيير» الرسائل السياسية من جهات لبنانية لا يروق لها التعاون مع الأميركيين.
و قال المرجع: إذا أخذنا موازنة وزارة الدفاع الوطني للعام 2018 نموذجًا والبالغة 3 آلاف مليار ليرة لبنانية، نلاحظ أن بند التسليح فيها يقتصر على 25 مليار ليرة. وفي كل دول العالم الفقيرة منها والغنية، الإنفاق على القوى العسكرية أمر مُكْلِف، ولذلك عندما تأتي الدول الصديقة لمساعدتنا، نرحّب بطبيعة الحال.
المساعدات العسكرية الأميركية للجيش تبلغ نحو 200 مليون دولار، وكل الدول الصديقة قدّمت وتقدّم مساعدات، ولا شيء تحت الطاولة.
أما الكلام عن وقف المساعدات العسكرية الفرنسية كما أشيع أخيرًا فالردّ عليه هو أن الفرنسيين لم يقصّروا في مساعدتنا، والأسبوع الماضي زارَنا وفدٌ من القوات المسلّحة الفرنسية واتفقنا على مساعدات جديدة من تدريب وغيره».
وكشف عن أن لدينا توجهًا لتقوية قدراتنا البحرية حيث اقترحتْ فرنسا على الجيش تخصيصه بقروض ميسرة بقيمة 300 مليون يورو تقررتْ في مؤتمر روما، وهذا المبلغ سنستثمره في رفع قدرات الأسطول البحري خصوصًا أننا بحاجة إلى حماية منصات النفط والغاز في عرض البحر كون هذه الثروة الوطنية استراتيجية بالنسبة للبنان».
و أوضح المرجع أن عقيدة الجيش اللبناني هي فعل يومي، ومنذ العام 1948 إسرائيل هي العدو، وأيضًا الإرهاب هو العدو، والحديث عن تغيير عقيدة الجيش لا يعيره الجيش أي اهتمام».
وكان الأكثر إثارة هو ما ارتبط بنشْر محضر سرّي لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع والتعامل معه كمنصة للتشكيك بموقف المسؤولين اللبنانيين.
وإذ حاذَر المرجع الكشف عما جرى في الاجتماع، قال إن «مداولات المجلس الأعلى تبقى سرية»، موضحًا أن هناك وضعًا على الخط الأزرق افتعله العدو الإسرائيلي ويحتاج إلى قرار من السلطة السياسية التي يخضع لها الجيش والأجهزة الأمنية. ونظرًا لخطورة وحساسية الموقف جرى التباحث في الاجتماع الأخير للمجلس بكل الخيارات، وقد تحدّث الجميع حيث طُرحت أفكار وعُرضت تقارير، وتَركّز البحث على نقطة مسكافعام في خراج بلدة العديسة.
وبنتيجة المداولات صدر بيانٌ وافق عليه الجميع ولم يعترض عليه أحد، كما أن لا رابط بين زيارة الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل والجنرال الأميركي جوزيف فوتيل للبنان كون الاجتماع حصل قبل الزيارتين».
وعلّق المرجع على ما نُقل عن وزير الخارجية الفرنسي جان - ايف لو دريان من أنه طلب من اسرائيل عدم توجيه ضربة إلى لبنان قبل تشكيل الحكومة (قبل ان تنفي باريس ذلك، قائلًا "هذه العبارة ذكرها الإعلام الإسرائيلي ولم تصدر رسميًا عن الخارجية الفرنسية، أما تقدير قيادة الجيش حول احتمال حرب إسرائيلية على لبنان، فمن غير المسموح ألا يكون هذا الاحتمال قائمًا لأن إسرائيل عدو، وإذا حدث خطأ غير محسوب في سورية مَن يستطيع القول إن الأمور لن تتطوّر؟!».
وأكد المرجع أن الجيش اللبناني جاهز تمامًا في الجنوب وعلى طول الخط الأزرق، والتنسيق ممتاز ويومي مع قوة اليونيفيل، ونفذْنا مقررات السلطة السياسية بحيث اتخذنا الإجراءات والتدابير العسكرية.
وعندما تُفرض الحرب، علينا أن نحارب، وعندما تطلب السلطة السياسية من الجيش خوض الحرب ضد العدوّ فسنخوضها بلا تردُّد».
و قال المرجع إن ملف الأنفاق على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية والجدار الإسمنتي الذي تقيمه إسرائيل ,إنه استثمار سياسي إسرائيلي, وفي العام 1923 رُسّمت الحدود بين لبنان وفلسطين، وفي العام 1949 بعد احتلال فلسطين رَسّمت لجنة الهدنة التابعة للأمم المتحدة الحدود استنادًا إلى ترسيم 1923، وبعد الانسحاب الإسرائيلي العام 2000 حُدد الخط الأزرق كخط انسحاب.
و جرى التحفّظ على 3 نقاط، ومع التطور التقني لأدوات القياس والتحديد تبيّن وجود 13 نقطة متحفَّظ عليها، وبدأ البحث في هذا الملف في اللجنة العسكرية الثلاثية (تضم ضباطًا من لبنان وإسرائيل واليونيفيل) التي تجتمع في الناقورة، وحصل تقدُّم في الموضوع، وطُلب من قيادة الجيش إكمال البحث في اجتماعات اللجنة على أن تعود بالنتائج الى السلطة السياسية التي يعود لها اتخاذ القرار النهائي. وما نبحثه في اجتماعات الناقورة هو النقاط الـ13 على الحدود البرية من دون البحث في الحدود البحرية».
و لفت المرجع إلى أنه منذ التسعينات أنشئ مكتب التعاون والتنسيق ومهمّته الوحيدة التنسيق بين قيادتيْ الجيشين اللبناني والسوري، وهذا المكتب مستمرّ بالعمل ولم يُطلب من قيادة الجيش إلغاء هذا المكتب الذي يعالج كل الأمور التي تحصل على جانبي الحدود.
علّق رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري على المعلومات بشأن إدراج "تيار المستقبل" على لائحة الإرهاب في سورية، معتبرًا أن هذه لائحة الشرف، واصفًا الحكومة السورية بأنها «نظام متطرف أصلًا».
قد يهمك أيضًا: