تونس ـ أزهار الجربوعي
أكد السفير المصري لدى تونس الدكتور أيمن مشرفة، في حديث خاص إلى "مصر اليوم"، أن الشعب المصري سيضع آلية خاصة لمحاسبة أي رئيس قادم في دستوره الجديد، وأن المسارين الانتقاليين في تونس ومصر عقب ثورتي 14 كانون الثاني/يناير و "25 يناير" مختلفين تمامًا، واصفًا تجربة صناعة الدستور التونسي بـ"الديمقراطية الرائعة". وأوضح د.مشرفة، أن "المسار الانتقالي في تونس مختلف عن نظيره في مصر، لأن تونس أعطت الأولوية للدستور وللمجلس التأسيسي المتعهد بصياغته، واصفًا تجربة صناعة الدستور التونسي بـ"الديمقراطية الرائعة"، مضيفًا "الدستور ورقة لا تكتبه الأقلية ولا تستبد به الغالبية، هي ورقة تُصنع للأجيال المستقبلية، وما يدفعني إلى القول باختلاف المسارين التونسي والمصري، هو أن مصر بدأت مباشرة بانتخابات برلمانية ورئاسية، رغم بعض المطالبات الشعبية التي نادت بالدستور أولاً ثم الاستحقاقات الانتخابية، ومن هنا المسار مختلف عن تونس، أما النقطة الثانية فتتمثل في المخالفات التي شابت لجنة الدستور المصري التي تجاهلت المرأة والمسيحيين وتمثيل الشباب مقابل استحواذ تيار بذاته على هذا الدستور، الذي خرج إلى النور في زمن قياسي، من أسبوع إلى عشر أيام، وهو تاريخ يمكن أن يدخل موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية، فهناك من الدساتير الديمقراطية من استغرقت 6 سنوات، وكان يتوجب التمهّل والتأني، وذلك باعتراف تيار (الإخوان) ذاته، الذي قال إن الدستور مليء بالثغرات، أما العنصر الثالث الذي أسهم في رفع سقف الغضب الشعبي فيتمثّل في رغبة الاستحواذ والانفراد بالرأي والسلطة". وعن لقائه وزير الخارجية التونسي عثمان الجارندي وكيفيّة قراءة مصر للموقف التونسي من الأحداث المصرية المعارض لعزل الرئيس محمد مرسي، قال السفير أيمن، "إن لقاءه الوزير التونسي كان في إطار شرح واستيضاح ملابسات وتطورات الأحداث في مصر، المتعلقة أساسًا بخلفيات الغضب الشعبي الذي سبق ثورة 30 حزيران/يونيو 2013، والذي بدأت ملامحه تتشكّل منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2012،بسبب جملة من القرارات التي اتخذها الرئيس السابق مرسي من قبيل الإعلان الدستوري الذي حصل بموجبه على صلاحيات من دون سند قانوني، إلى جانب محاصرة المحكمة الدستورية، وإقالة النائب العام من دون سند قانوني، علاوة عن رفضه الحوار الوطني الذي دعا له الجيش، وعدم التعاطي مع مطالب المعارضة بجدية، إضافة إلى تراكمات اقتصادية واجتماعية بسبب فشل حكومة مرسي في إدارة الحياة وشؤون الدولة على أكثر من صعيد، الأمر الذي خلّف أزمات متعاقبة في قطاعات الكهرباء والوقود والخبز، مما دعا حركة (تمرد)، وهي حركة شبابية محايدة، إلى جمع 22 مليون توقيع موثّق يُطالب بإقالة مرسي"، مؤكدًا أن "ما عاشته مصر لم يكن انقلابًا عسكريّا، وأن الجيش المصري، مثّل الأداة الشعبية للتغيير، وأنه اضطر إلى التدخل استجابة لإرادة الشعب، أمام تنامي الغضب وتصاعد المطالبات بالتغيير التي لم يستمع لها الدكتور مرسي". وردًا على سؤال بشأن تحركات الدبلوماسية المصرية في إطار شرح التطورات السياسية الأخيرة التي عاشتها البلاد، لشركاء مصر الإقليميين والدوليين، قال مشرفة، "ما وقع في ميداني رابعة والنهضة والأرواح التي أُزهقت يتحمل مسؤوليتها قادة الاعتصام، الذين لم يمتثلوا لإنذارات قوات الجيش والأمن، ونحن نأسف لسقوط أي دماء مصرية سواء من الشرطة أو المعتصمين، كما يجب التنويه إلى أن الاعتصامات حتى في الدول الغربية تخضع إلى تراخيص مسبقة، ولها معايير محددة، إلا أن اعتصام أنصار (الإخوان) الذي استمر طيلة 45 يومًا قد غيّر من طبوغرافية المكان، وكان منطلقا لمحاصرة المطار وقطع شريان الحركة، ولم يحافظ على أطر التظاهر السلمي، بعد تواتر أنباء عن إيواء بعض المعتصمين لأسلحة بيضاء ورشاشة، وهو ما ظهر في أحداث محاولة اقتحام الحرس الجمهوري، حيث وقع تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، إلى جانب تقدم ألاف السكان من رابعة ومصر الجديدة بشكوى إلى النائب العام بسبب تعرضهم لمضايقات في حياتهم وعملهم، الأمر الذي دفع النائب العام إلى اتخاذ قرار بفضّ الاعتصام، ورفض المعتصمون مناشدات قوات الأمن والجيش الذين أمّنوا لهم ممرًا للخروج بسلام"، معتبرًا أن "قوات الأمن تدخلت للرد على استهدافها بالرصاص من بعض الأبنية العالية، فتم إزهاق أرواح الأبرياء التي يتحمل مسؤولية قادة الاعتصام، الذين دعوا إلى العنف، وأن جماعة (الإخوان) رفضت جميع المبادرات السياسية وجهود الوساطة العربية والدولية، وتمسكت بمطالب تعجيزية، و كأن شيئًا لم يحدث في 30 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو". واعتبر السفير المصري، أن "الدولة المصرية مطالبة بالدفاع عن كيانها ووحدتها بعد تعرض جنودها للإعدام والاغتيال، واستهداف مقرات الشرطة والكنائس والمتاحف، وأن الجيش هو الذي أقنع الرئيس السابق حسني مبارك بالتخلي عن السلطة، واستلم الحكم عبر مجلس عسكري في ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، وهو ذاته الذي حقق إرادة الشعب في 30 حزيران/يونيو 2013، ومنح السلطة موقتًا إلى رئيس المحكمة الدستورية طبقًا لدستور عام 1971"، مضيفًا بشأن الموقف الأميركي المتذبذب والمنتقد للأحداث المصرية، "الولايات المتحدة تدرك مدى أهمية موقع مصر الإستراتيجي، والدور المهم الذي يلعبه الجيش المصري كأحد ركائز الاستقرار ومحاربة الإرهاب والتطرف في المنطقة، ونحن نرفض استخدام المعونة الأجنبية أيًا كان شكلها للضغط علينا أو التدخل في الشأن الداخلي، ونحرص من هذا المنطلق على أن تكون جميع المواقف نابعة من قرار مصري 100 %". ووصف د.مشرفة الموقف التركي بـ"الموقف غير المفهوم والعداء السافر الذي يهدف إلى فرض الوصاية التركية على مقدّرات الدول العربية وإحياء العثمانية بشكل آخر، من خلال محاولة تأليب العالم على مصر وتدويل الشأن المصري"، مشددًا على رفض مصر تدخل قوى إقليمية أو غربية في شأنها الداخلي، فيما أشاد بالمواقف العربية المتقدمة، قائلاً "مصر تحظى بتأييد شبه كامل من الأقطار العربية، لا سيما من خادم الحرمين والكويت والبحرين والعراق، إلى جانب التأييد الضمني لدول أخرى، وفي خضم هذا الدعم العربي لمصر يقف الموقف القطري وحيدًا وغير مبرر، ونأمل بأن تحاول حكومة الأمير الجديدة إعادة بلورة موقفها وتراجع نفسها لتقييم علاقاتها من مصر، لأن مصر أبقى من أي أحد". وردًا على سؤال بشأن إمكان توظيف بعض الدول للأزمة المصرية في إطار صراع أقطاب على زعامة المنطقة، اعتبر السفير مشرفة، أن "مصر دولة مفصلية ولا يمكن توظيفها، وأن للزعامة مقومات منها الشعب والتاريخ والموقع الجغرافي وجميعها تتوافر في مصر". وبشأن مستقبل العلاقات الخارجية المصرية في ظل التغيرات الجديدة، أوضح السفير المصري، "لدينا دوائر محددة في خارطة علاقاتنا الخارجية منها الدائرة العربية،الأفريقية، الأورومتوسطية، ودائرة علاقتنا الإستراتيجية بالغرب، إلى جانب علاقاتنا الأخرى مع دول مثل الصين واليابان، وجميع هذه الدوائر تخضع إلى قواعد الاحترام والمنفعة المتبادلة في إطار احترام السيادة المصرية"، مشددًا على أن "دوائر وأولويات السياسة المصرية لم تتغير كثيرًا منذ عهد الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، إلا في ما يتعلق بالعلاقة بالغرب، التي كانت مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي"، لافتًا إلى أن "مصر منفتحة على كل من يمد يده لها في المرحلة الحالية، وأن الأمن القومي لدول الجوار المصري هو الأمن القومي المصري والأمن القومي السعودي هو الأمن القومي المصري، وبناء عليه، فنحن نرفض تدخل لاعبين إقليميين غير عرب في المنطقة". وفي سؤال على وضعية تنظيم "الإخوان المسلمين" عقب عزل مرسي، قال د.أيمن، "لن نجتزئ ونخرج أحدًا من المشهد السياسي، ومن لم تتلوث يده بالدماء ويريد أن ينخرط في الديمقراطية وفق خارطة الطريق المحددة فمرحبًا به، كما أن القبض على بعض قادة (الإخوان) كان لهدف التحقيق في التهم الموجهة لهم بالتحريض على العنف والقضاء المصري سيُحدد صحة التهم من عدمها". وبشأن قانونية تنظيم الإخوان ودعوات حله ، قال السفير المصري "جماعة الإخوان هي أساسا جماعة دعوية أُشهرت مؤخرا في 48 ساعة وفي ظل ملابسات غريبة، وهي الآن تخضع للمراجعة القانونية، ونحن ننتظر موقف القضاء في ذلك وهو الجهة الوحيدة المخول لها إصدار الأحكام، فيما اعتبر قرار الإفراج عن الرئيس السابق حسني مبارك "شأنًا قضائيًا صرفًا"، مضيفًا "نحترم قرارات القضاء ولسنا طرفًا فيها، فالرجل انتهى سياسيًا، والقضاء يتحكم في مصيره مثله مثل أي مواطن مصري عادي". وتعقيبًا على تناول الإعلام الأجنبي لأحداث 30 حزيران/يونيو في مصر، وانتقاده لسقوط عدد كبير من الضحايا، قال السفير المصري "الإعلام يرى الحقيقة بعين واحدة وليس بعينين، ويبدو أن الصحف الأجنبية وقعت في الخطأ لأنها بنت تقاريرها استنادًا إلى الصورة المنقولة عبر قناة (الجزيرة مباشر)، وكان حريّا بها تحري المصداقية والتوازن وصحة الخبر"، مضيفًا أن "نظام الرئيس السابق محمد مرسي ارتكب أخطاءً قاتلة، وليس خطأ بسيطًا يمكن أن يُغتفر يتعلق بسياسة اقتصادية أو اجتماعية، وأن الدولة المصرية تعرضت لخطر التفكيك والاقتلاع وتهديد أمنها القومي، وهو ما استوجب التدخل الشعبي الذي عبّر عنه الجيش، باعتباره مرآة الشعب في ثورة حزيران/يونيو، ولم تكن هناك آلية لمحاسبة الرئيس في الدستور السابق، لكننا سنسعى إلى وضع آلية لمحاسبة الرئيس في الدستور الجديد على غرار الدستور الأميركي