أكد الأمين العام لحزب "البعث" التونسي عثمان بالحاج عمر في لقاء خاص مع "مصر اليوم" أن وزراء الخارجية العرب الذين زاروا غزة بحجة التضامن معها أثناء العدوان، قد خذلوا المقاومة، بعد أن ضغطوا عليها من أجل هدنة كان الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر منها، رغم خسارته على الميدان، كما أكد بلحاج عمر أن السياسة التونسية فشلت عربيًا ومغاربيًا لسبب مراهنتها على سياسة المحاور والتحالفات الخاطئة والساذجة, كما اعتبر الأمين العام لـ"حزب البعث التونسي" أن النظام السوري هو السبب الرئيسي في الاختراق الخارجي لسورية، بسبب فشله في استيعاب مطالب الشعب، وإفراطه في استعمال القوة العسكرية ضده، مشددًا على أن "البعث السوري" قد خان "حزب البعث القومي العربي" وانقلب عليه. وردًا على سؤال بشأن علاقة تونس الجديدة بمحيطها الإقليمي والعربي، خاصة بعد إلغاء القمة المغاربية، التي راهن عليها الرئيس المرزوقي لتفعيل وحدة المغرب العربي، قال بلحاج عمر "أعتقد أن السياسة التي انتهجتها تونس خاطئة وساذجة، ولن تؤدي على المدى القريب أو المتوسط إلى بناء المغرب العربي، وذلك بسبب رهانها على سياسة المحاور الفاشلة، والتي تتعارض مع عقلية الوحدة، ومن بين بوادر هذه السياسة الفاشلة، ما قام به الرئيس المنصف المرزوقي نفسه بعد أن  زار ليبيا فور تنصيبه، موجهًا رسالات انتقاد إلى الجزائر، حيث اعتبر أن  إلغاء انتخابات سنة 1991 التي فاز بها الإسلاميون خطأ، زيادة على تصريحات الغنوشي قبيل الانتخابات الجزائرية التي قال فيها أن الفوز سيكون حليف الإسلاميين، وقد اعتبرت الجزائر ذلك تدخلاً في شؤونها، ومساس بشأنها كدولة ذات وزن إقليمي وتاريخي كبير". وأضاف بلحاج عمر "لذلك أرى أن  النظام التونسي الحالي لم يراعي مصالح الشعب في علاقته بمحيطه المغاربي، وهو ما عرقل عملية بناء المغرب العربي كقوة إقليمية موحدة وفعالة، وبالتالي فقد ضيع على تونس هذه الفرصة التاريخية، ولعل خير دليل على ذلك هو عدم انعقاد القمة المغاربية التي راهن المرزوقي عليها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي كان من المقرر انعقادها في تونس". وعن رؤيته  للملف السوري وقضايا الشرق الأوسط، وما إذا كان تعامل الدبلوماسية التونسية قد أتى على مستوى الثورة التونسية وتطلعات الشعب، قال بلحاج عمر "أرى أن تونس قد أقحمت نفسها في الصراع العربي العربي، واختارت الانضمام إلى المحور القطري والسعودي، بعد أن اعتبرت الحكومة التونسية الجديدة أن حمد آل ثاني هو الحاضن والراعي للثورة التونسية، وهو ما نعتبره تزييفًا للحقائق التاريخية. كما أن احتضان تونس لما سمي بمؤتمر أصدقاء سورية، وزيارة المرزوقي للمنطقة الخضراء، ووقوفه إلى جانب العملاء الذين ساهموا في احتلال وتدمير العراق، من أبرز علامات فشل هذه السياسة الخارجية". وردًا على سؤال بشأن تضامن تونس والعرب مع غزة ضد العدوان الأخير عليها، وما إذا كان يوحي بتغير جذري في المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية، قال "لا أظن ذلك، فكل ما قام به وزراء خارجية تونس والعرب أثناء زيارتهم لقطاع غزة هو ممارسة ضغوطات على المقاومة، التي صمدت وانتصرت، من أجل التوقيع على هدنة كانت أغلب بنودها لصالح إسرائيل المنهزمة على الميدان". وأضاف "الفلسطينيون لم يكن لهم خيار، بعد أن خذلتهم الأنظمة العربية التي راهنوا عليها من أجل دعمهم بالسلاح وبمقومات الصمود ، لكن عوضًا عن ذلك، عمد العرب إلى الضغط عليهم، استجابة للإملاءات الأميركية، فكيف يعقل أن إسرائيل التي بدأت العدوان هي نفسها التي توقفه، ودون ثمن يذكر، ولا حتى فك الحصار عن قطاع غزة، ولو جزئيًا، ولعل خير تصديق لكلامي تصريح وزير الخارجية الأميركية التي قالت بالحرف الواحد أنها تشكر الدول العربية  الصديقة من أجل مجهوداتها في الضغط على المنظمات الإرهابية". كما تطرق بلحاج عمر في حديثه إلى "مصر اليوم" إلى الشأن الإيراني، والدور الذي تلعبه إيران في المنطقة العربية، قائلاً "نحن نعتبر أن الدور الإيراني مرسوم أميركيًا وصهيونيًا، منذ تدمير العراق  الذي قادته أميركا وعملاء إيران في المنطقة، بعد أن ساهموا في  تشريد الملايين وقتل الآلاف، وبالتالي فإننا نرى أن إيران وأميركا وجهان لعملة واحدة، ربما يختلفان في الوسائل، إلا أن أهدافهم في المنطقة العربية مشتركة في الهيمنة والاحتلال، وما تقوم به إيران من دعم بسيط للمقاومة ليس إلا نوعًا من المقايضة، وستارًا للتغطية على وجهها الثاني". وأضاف "لو أن أكذوبة الصراع الأميركي الصهيوني الإيراني كانت حقيقية، لكانت المنشات النووية الإيرانية أولى بالقصف من مصنع سوداني صغير". وعن موقف "البعث" من نظام بشار الأسد، قال بلحاج عمر "من حيث علاقته بالشعب، فالنظام السوري لا يختلف عن بقية الأنظمة العربية، من حيث الاستبداد والفساد وتبديد الثروة الوطنية، ومن سوء حظه أنه لم يستوعب بطريقة إيجابية التغيرات الحاصلة، ولم يفلح في الاستجابة لمطالب الشارع، من خلال التعجيل بتقديم إصلاحات عميقة في بنية النظام، بل فكر في عكس الهجوم، ووأد الانتفاضة، لذلك، فإن الاستخدام المفرط للقوة العسكرية من قبل نظام بشار قد دفع الشعب السوري بكل أطيافه إلى حمل السلاح دفاعًا عن نفسه، وأمام اختلال موازين القوى، تم فتح الباب أمام التدخل الأجنبي، وهو ماجعل سورية فضاءًا مفتوحًا أمام الأعداء". وعن العلاقة الفكرية بين "البعث السوري" و"البعث التونسي" قال بلحاج عمر "البعث السوري حزب سلطة، ولا علاقة تربطه بالبعث القومي العربي، لا فكريًا و لا تنظيميًا، وذلك منذ انقلابه على المؤسس الشرعي ميشال عفلق في 1966، ولكنه أبقى على تسمية البعث لاستمرار مؤامرته، والتغطية على خيانته". وأضاف "نحن أحزاب البعث القومية العربية نتوحد تحت القيادة القطرية في العراق، التي يترأسها الأمين العام عزت إبراهيم، وشرعيتنا مستمدة من الشهيد صدام حسين، والمؤسس الشرعي ميشال عفلق. ولا شك في أننا نسعى إلى توحيد مواقفنا، خاصة من قضايا الأمة العربية، كما نعمل على توضيح رؤيتنا وأفكارنا، التي تتعرض لمحاولات اجتثاث وتشويه". وردًا على سؤال بشأن النظام القطري الذي توسع دوره في تونس والمنطقة العربية، قال بلحاج عمر "النظام القطري نظام مشبوه، وفاقد للشرعية، لأن الأمير القطري قد خالف حتى قوانين بلاده في الوصول إلى السلطة، وهو لا يستمد شرعيته إلا من القاعدة الأميركية التي تحتل أكبر جزء من بلاده، كما لا يخفي على أحد علاقته الوطيدة بالكيان الصهيوني، ومن جهة أخرى، فإن النظام القطري يعتبر الراعي الرسمي للإسلام السياسي، بعد أن أخذ على عاتقه عملية التسويق للإخوان المسلمين في المنطقة العربية، بالتوازي مع حشد الدعم المادي والسياسي والإعلامي لهم، خاصة عبر قناة الجزيرة، التي سخرها للترويج وتجميل صورة الإسلاميين". وأضاف ردًا على سؤال بشأن ما إذا كان "البعث" يرفض التعاون مع قطر "نحن حزب قومي، وبالتالي لا يمكننا إلا الدفع باتجاه التعاون والوحدة العربية، إلا أننا نعارض التحالفات القائمة على أساس ضرب مصالح الأمة وقضاياها". وعن تراجع "حركة النهضة" الحاكمة في تونس عن تجريم التطبيع مع إسرائيل، قال بلحاج عمر "بداية، يجب التركيز على أن تجريم التطبيع جزء لا يتجزأ من عملية مقاومة العدو الصهيوني، وهو سلاح تحرير، وليس موقفًا سياسيًا فقط. وأعتقد أن راشد الغنوشي الذي تعهد بعدم تجريم التطبيع في أميركا هو حليف عضوي للكيان الصهيوني". كما تناول بلحاج عمر تجاهل "حركة النهضة" لحزب "البعث التونسي" في التعديل الوزاري المرتقب قائلاً "لم نتقابل مع قيادات النهضة منذ تموز/يوليو2011، لأننا واجهناهم بحقيقتهم بجدية وواقعية، على غرار علاقتهم بالولايات المتحدة، وقد خرجنا من هذا اللقاء، الذي لم يتكرر إلى اليوم، مقتنعين بأننا نتناقض مع حركة النهضة فكريًا واستراتيجيًا. أما بالنسبة إلى هذا التعديل الوزاري المنتظر، فنحن نعتبره توافقًا من أجل إطالة الفترة الانتقالية، ومواصلة سيطرة حزب النهضة الحاكم على مفاصل الدولة". وعن تعاطي "حركة النهضة" الحاكمة، صاحبة المرجعية الإسلامية، مع ملف السلفيين المضربين في السجون حتى الموت، قال بلحاج عمر "أعتبر أن إضراب الجوع الذي يؤدي إلى الموت خطأ، لأن المستفيد منه هو الخصم، كما أنه لا يقدم أي مكاسب للمضرب الذي يخاطر بحياته، إلا أنني أعتبر أن مطالب السلفيين المضربين عن الطعام في السجون شرعية، لأنهم موقوفون دون محاكمة، منذ ما يزيد عن الشهرين". كما تناول بلحاج عمر في نهاية لقائه مع "مصر اليوم" مشروع قانون "تحصين الثورة"، الذي لقي انتقادات كبيرة لسبب إقصائه لبقايا النظام السابق في تونس لمدة 10 سنوات كاملة، حيث قال "أرى أن حركة النهضة هي المتضرر الأول من قانون تحصين الثورة، لأنها مازالت تتعامل مع بقايا النظام السابق، و ترعى الكثيرين منهم، إلا أنها قد اختلقت نظرية جديدة تتحدث عن أزلام حلال وآخرين حرام، ممن اختاروا الانضمام لحزب "نداء تونس"، وأنا أتصور أن جميع التحركات السياسية التي تدفع باتجاه هذا الاستقطاب الثنائي إنما تخدم مصلحة حزب حركة النهضة، الذي يقدم نفسه في صورة البديل الأطهر والأقدر على قيادة البلاد".