دبي – صوت الإمارات
سبعة وعشرون عاماً مرت على رحيل أحد مؤسسي وشركاء اتحاد دولة الإمارات، وباني دبي الحديثة، ففي السابع من شهر أكتوبر عام 1990 رحل عن عالمنا القائد الكبير الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، وبقيت أياديه البيضاء ورؤيته الثاقبة وسيرته العطرة، نبراساً لأبناء الوطن يستمدون منه الهمة والعزم، لتعزيز تطور وحضارة الدولة، وخاصة إمارة دبي.
المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ راشد والده المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم بن بطي بن سهيل الفلاسي، رحمه الله، الذي حكم دبي من الفترة 1912 وحتى 1958، ووالدته الشيخة حصة بنت المر التي عرفت ب"أم دبي" لما اتصفت به من قوة الشخصية والإرادة والعزيمة، القادرة على تنشئة أجيال ذوي إرادة واستقلالية.
وتلقى الشيخ راشد، دراسته الأولى في علوم الفقه واللغة العربية التي كانت توفرها الكتاتيب في ذلك الحين، ثم التحق بالتعليم النظامي في مدرسة الأحمدية في ديرة، فتفقّه في العلوم الدينية إلى جانب علوم اللغة العربية والتاريخ والحساب والجغرافيا، وكان أصغر تلاميذ هذه المدرسة الوحيدة في دبي.
وكان المغفور له بإذن الله رجلًا ذا عقل راجح وبصيرة نافذة، سخّر وقته وجهده وكل ما لديه لنهضة دبي، حتى صارت لؤلؤة الخليج، وأصبحت درّة نفيسة تروى حكايات نهضتها وتطورها في بلاد العالم أجمع، كيف لا وقد أدركت في سنوات قصيرة من عمر الزمان من التطور والنهضة في مجالات الحياة كلها ما لا يستطيع غيرها إدراكه في قرون.
هذه هي عظمة القيادة، قيادة المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الذي حقق التميز وهيَّأ الظروف لتحقيق المزيد منه، وكان المغفور له، بإذن الله، من أهم هذه الوجوه السمحة التي اعتمدت مبدأ البساطة، والاستماع للجميع، وإشراك المواطنين في صنع القرار والتنفيذ، وقد صدقت رؤيته بجعل دبي "دانة الدنيا"، حيث إنَّ النعمة المادية التي أغدقها الله على هذه الأرض الطيبة، تختبئ بين طيّات الصحراء أو تحت سطح الماء، ولكن النعمة المعنوية هي شخصيات هذه الدولة، مثل المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد التي غيّرت وجه التاريخ، فهي حقًا نعمتها الروحية الحقيقية.
وعُرف الشيخ راشد بجدّه واجتهاده، وبعده عن اللهو وحبّه للعلم والمعرفة، كما اشتهر منذ صغره بسمو الأخلاق، وطيب النفس، ولين المعشر، ورأى مدرسوه وصحبه في عينيه دومًا لهيبًا من الحماس يكتنف مقلتيه، ويقوده نحو الأمام لتحقيق أحلامه، وقد كان حلمه الأكبر رسم اللون الأخضر على صفحات هذه الصحراء المترامية الأطراف، القاسية، وجلب الحياة السهلة الكريمة لأبنائه وإخوانه المواطنين.
وكان يخرج هو وأصدقاؤه من المدرسة إلى الصحراء، ليدربوا الطيور ويعدوها لموسم القنص في الشتاء، وواظب منذ الصغر على حضور مجلس والده ونشأ مستمعاً لأمور الحكم واستقبال الضيوف والمترددين على مجالس والده.
في عام 1924 عندما بلغ الثانية عشرة من عمره وأصبح ذا شخصية قوية ذات تأثير فعال، أضفت على مظهره الهيبة والوقار والتواضع، وفرض على الآخرين تقديره واحترامه، وكان يعرف بالشاب الجاد لما اتسم به من الجدية والصراحة.
وعندما بلغ الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الثامنة عشرة من العمر دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويتعلم من سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، فقد اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.
وكان يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، مما وطد العلاقة بينهما وأغنى حواراتهما، وهذا أدى بدوره إلى تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وقد أفادت هذه الرياضة الحاكم القادم وشدّت من عزمه، فتعلم الاستيقاظ مبكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء القاحلة.
وكان لمشاركة الشيخ راشد بن سعيد في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، فقد كان على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة، سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت هي بزمام الأمور، وقد عمل مع المغفور له ،بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، على إقناع حكام الإمارات وقطر من أجل إيجاد كيان وحدوي، وفكان يعرض خطته على الحكام في اجتماعات ثنائية، وفي عام 1965 وبالتعاون مع المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد تمكن من أن يدعو إلى اجتماع لحكام الإمارات السبع، إضافة إلى حاكمي قطر والبحرين في قصر الضيافة في دبي.