الدكتور خطار أبودياب

أشادت صحيفة " العرب " اللندنية بالتطور المتسارع الذي تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة في كل المجالات وكيف أصبحت أبوظبي عاصمة للفعل السياسي والتأثير في الإقليم.

وقالت الصحيفة في مقال للدكتور خطار أبودياب أستاذ العلوم السياسية بالمركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس بعددها الصادر اليوم إن أبوظبي اضافة إلى حجمها الاقتصادي الكبير تسعى لأن تكون قطبا ثقافيا بارزا يزاوج بين الأصالة والحداثة إذ إلى جانب المحافظة على التراث يبرز احتضان السوربون واللوفر وما يعنيانه.. أما دبي المدينة العالمية بامتياز فقد تخطت سنغافورة والمراكز المماثلة الأخرى وفرضت نفسها بوابة تجارية وممرا لا غنى عنه بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.

وأشار الكاتب في هذا الصدد إلى ما طرحه عبدالرحمن بن خلدون بشأن مسألتي العمران والحضارة كظاهرتين بشريتين بشكل متكامل وتحول العمران عنده إلى مصطلح متحرك يرتبط لزوما بنمط حياة المجموعة البشرية ونمط حركتها على الأرض.. وقال إن هذا المفهوم الخلدوني ما قبل المعاصر ينطبق اليوم على النموذج الإماراتي الحديث الذي تشكل في خضم عملية البناء المستمرة والتي تحمل بين طياتها أسس التنمية المستدامة والاستقرار والتقدم في ظل اتحاد فيدرالي يصنف بين أكثر التجارب نجاحا في العالم.

وأضاف أن زائر دولة الإمارات العربية المتحدة " آخر زيارة لي كانت منذ سنوات وأكتب اليوم كشاهد بعد عودتي إلى باريس إثر زيارة عمل قمت بها هذا الأسبوع" .. يلمس عن قرب التطور المتسارع في كل المجالات .. وكيف أصبحت أبوظبي عاصمة للفعل السياسي والتأثير في الإقليم.. وأكد أنه لم يكن من قبيل المجاملة أو نتيجة الجهد الدبلوماسي المكثف وحده أن يتم اختيار دبي كي تستضيف المعرض الدولي إكسبو 2020 تحت شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل".. وليس هناك أفضل من هذه المدينة لإتمام مثل هذه المهمة لأنها فعلا حلقة وصل بين الشرق والغرب.

ونوه الكاتب إلى أنه من الناحية العملية تقدم دولة الإمارات نموذجا عالميا فريدا يمكن لحكومات العالم الاستفادة منه إذ أنها تحسن استثمار رأس المال في تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين في التعليم والصحة..

ووصلت الإمارات إلى مستوى مرتفع في الأداء التعليمي مع مواكبة للتطور التقني والتكنولوجي موضحا أنه في 2012 تبوأت الإمارات المركز الأول عربيا في تبني حلول الدفع الإلكتروني.

وقال إنه مع طفرة التطور والاستثمار في كل المجالات أصبح الاقتصاد الإماراتي أكثر تنوعا وأقل اعتمادا على الثروة النفطية إذ أن حصة النفط والغاز انخفضت إلى 35 بالمائة تقريبا من مكونات الناتج المحلي الإجمالي مقابل 65 بالمائة للقطاعات غير النفطية التي نمت بصورة كبيرة ما يعني أن النمو السريع للقطاعات غير النفطية هو الذي ساعد على إحراز هذا التقدم الاقتصادي وهو نموذج لإنجازات هيكلية لا تتكرر كثيرا في البلدان النامية المنتجة للنفط علما بأن إنتاج النفط في دولة الإمارات بدأ متأخرا نسبيا إذا ما قورن بالبلدان الأخرى في منظمة " أوبك".

وأوضح د. خطار أبودياب أن التاريخ سيذكر أن الرجل الحكيم والمؤسس لدولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالتعاون مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم أعطى الأولوية لعوامل التقارب داخل الاتحاد وعمل على تعزيز المؤسسات المشتركة والاندماج الاقتصادي للبلاد وخلق المواطنة والهوية الإماراتية اللتين تمثلان اليوم أفضل الضمانات من أجل وحدة وازدهار الإمارات العربية المتحدة.. كما عمل بثبات مثالي ورغم الصعوبات على التقريب بين دول الخليج ووحدة العائلة الكبرى التي تمثلها الدول العربية.

ووصف الشيخ زايد بأنه كان رجل حكمة ورؤية ولم يكف عن تشجيع فضائل التسوية والعقلانية والحوار في منطقة تتأجج بالأزمات والنزاعات.. مؤكدا أنه من البيت الخليجي الواحد وصلة الأخوة مع المملكة العربية السعودية إلى العلاقة المميزة مع مصر ومسعاه لإنقاذ العراق قبل ساعة الصفر في حرب 2003 كان الشيخ زايد يرسم لمن بعده خريطة الطريق للمستقبل.

وقال إنه إزاء التحولات العربية العميقة منذ 2011 واتساع حجم المخاطر تتفاعل دولة الإمارات ونهجها يقوم على الجهد الإنساني والحفاظ على عناصر القوة العربية والأمن العربي المشترك ولأن هدفها الأساسي استمرار الأمن والاستقرار في ديارها بدأت مهمة محاربة التطرف بحزم وواقعية في الوقت ذاته.

وأضاف أن عدم التسليم بفرض مفاهيم للإسلام أو المس بثوابت هذه الدول وأسسها حدا بقيادة الإمارات إلى اتخاذ مواقف دفاعية وقائية ضد موجة التطرف كما يقول أكثر من متابع.. ومن يرى عن قرب حجم احتضان الدول العربية في الخليج من الرياض إلى الكويت ومن الدوحة إلى أبوظبي ودبي لمئات الألوف من العرب العاملين يدرك أهمية حفظ هذه المنطقة واستقرارها كمصدر للثروة في زمن انهيار بقية الإقليم العربي.. أضف إلى ذلك أن المجتمع الإماراتي يقدم نموذجا للتعايش بين جميع البشر بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو أي اعتبارات أخرى.

وأكد الكاتب أنه من اللافت في الإمارات وجود قيادات تؤمن بمدنية الدولة التي لا تخلط بين الدين الذي له كل الاحترام كأساس في الدائرة الخاصة الفردية ولناحية الإيمان "هناك اهتمام خاص ببناء ورعاية الجوامع وفق إعمار مميز إلى جانب كتل الأبراج ورمز الحداثة الأخرى" وبين ممارسة السياسة في المجال العام.

وقال د. أبودياب في ختام مقاله أنه من الصعب الإحاطة بإنجازات الإمارات في عجالة لكن النموذج التنموي الإماراتي يستحق الدراسة مليا والاستفادة منه.. وهو ما كان ليتحقق لولا الواقعية السياسية لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة.