دبي -صوت الإمارات
تستوحي قصيدة "فتنة الإرهاب" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أجواءها ومضامينها من الواقع الراهن الإجرامي والدموي للعصابات الإرهابية، وتدق ناقوس الخطر في ما يتعلق بجهالات هذه العصبة المتوحشة، وبما يمكن أن تحدثه من شرخ وفوضى وخراب في نسيج المجتمعات العربية المسالمة والمتعايشة، وتسعى هذه القصيدة (البائية) أيضًا لفضح المنافذ والأبواب التي يلج منها هذا الفكر الظلامي، وهذا النهج الشيطاني كي ينفذ أجندته التدميرية التي لا تراعي حرمة الأماكن المقدسة، ولا حرمة النفس التي حرّم الله قتلها، ولا كذلك قيمة البر والإحسان للآباء والأمهات والأقارب.
وتحذر القصيدة من فداحة التفسيرات المغلوطة التي يستند إليها فقهاء الظلام في تحريك الجهلة والقتلة والانتحاريين لارتكاب الفظائع التي لم يسبق لها مثيل، وكان آخر هذه الانتهاكات تفجيرهم لأحد مرافق المسجد النبوي في المدينة المنورة.
يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في المقاطع الأربعة الأولى من القصيدة:
لَيْسَ للإرهابِ دينٌ أوْ كِتابْ
هُوَ في ما بانَ لي شِرْعَةُ غابْ
ولَهُ أتْباعُ في تفكيرهمْ
كُلُّ شيء مُمْكِنٌ إلَّا الصَّوابْ
هُمْ مَعَ الشَّيطانِ في أفعالهمْ
بَلْ منَ الشَّيطانْ أنْكَىَ في الخطابْ
منْ مضىَ في نَهجِهمْ أوْ فعلهمْ
خاسرٌ ما حظُّهُ إلاَّ السَّرابْ
ونرى هذا التباين الشاسع بين الرسالة السماوية الأصيلة والمحكمة في القرآن، وبين الفوضى والضلال والعمى في شريعة الغاب التي ينتهجها الإرهابيون، وينسبونها زورًا وبهتانًا لتعاليم الدين الحنيف، ويبرز في المقاطع الأولى من القصيدة كم المغالطات والتناقضات التي أودت بأتباع الفكر الإرهابي إلى الإيغال في الذبح والدم واستباحة المحرمات، وبمراحل تتجاوز خطاب الشيطان ذاته، وتتجاوز كذلك خطة إبليس في إفساد الأرض ومن عليها.
ينتهي المقطع بكلمة "سراب" كخاتمة مثالية في وصف حال اللاهثين وراء هذا الفكر المخادع، وحال الداعين والممولين له، وهو وصف طالما تكرر في القرآن الكريم لاستحضار النهاية المأساوية للمجرمين الذين يظنون أنهم يحسنون صنعًا، ولا يجنون في النهاية سوى "سراب يحسبه الظمآن ماء"، ولا يحصدون سوى كومة رماد، وهشيم تذروه الرياح. وفي مقطع آخر من القصيدة نرى قوة تجليات الاستعارة واللمح والإشارة في تحويل الصورة الواقعية، إلى بناءات تركيبية وذهنية تتدفق بين الأبيات، وتنقل حرارة ووجع الصدمة التي أصابت كل من سمع بخبر التفجير قرب المسجد النبوي، وفي هذا المقطع يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:
أيُّ فكْرٍ هوَ هذا فكْرُهُمْ
غيرَ قتلِ النَّفْسِ منْ غيرِ احتسابْ
حاولوا تفجيرَ صَرْحٍ شامخٍ
قَدْ بناهُ المهتدي الهادي المُجابْ
مَسْجِدٌ أُسِّسَ بالتَّقوىَ ومِنْ
نورهِ النُّورُ غشَا الكونَ وطابْ
يا رَسولَ اللهِ عُذرًا إنَّنا
في زمانٍ فيهِ أمرُ الرُّشْدِ غابْ
فيصور المسجد النبوي الذي يحتضن قبر خير البشر، والذي بعثه سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، بأنه صرح شامخ لا يمكن أن تتناوله أيادِ الغدر الملوثة بحقدها على الإسلام، ورغبتها في الانتقام الافتراضي من رموزه الطاهرة، ومعالمه الظاهرة؛ فهذا المسجد الذي أسس على التقوى - كما يصفه - سيظل نوره طاغيًّا على العالمين مهما حاول دعاة الظلام إطفاءه أو إخماد جذوته المتوهجة بنور إلهي مبين، ويعتذر لرسول الله بالنيابة عن جميع المسلمين، بما فعله هؤلاء الجهلة المرتابين والمذبذبين والغارقين في ظلمات وعيهم المحطم الذي غاب عنه الرشد، والذين استعانوا بالضلالة عوضًا عن الهدى، فما ربحت تجارتهم وباءوا بغضب من الله.
ويتساءل باستنكار واضح لأفعال شياطين الإنس هؤلاء، قائلًا:
يقتل الواحد منهم أهله
لا يراعي أي قربى وانتساب
أي شرع كل ما فيه دمٌ
يترك الأرض بما فيها يَبَاب
وكأنه يستحضر هنا جريمة القتل الأولى في تاريخ البشرية، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، وفتح بالتالي دستورًا شيطانيًّا مكتوبًا بالدم الذي نرى تعاليمه مطبقة اليوم في مشهد عالمي واسع ملطخ بالصراخ والألم والجنون، إنه اليباب الممتد منذ فجر الإنسانية، والذي حاول الأنبياء والمصلحون في كل الأمكنة والأزمنة أن يزيلوا خرائبه ويعيدوا إعمار الأرض وتهذيب النفس، والمآلفة بين المختلفين، ولكن يد الغدر تظل تعمل هدمًا وترويعًا لأن طبيعتها الإجرامية لا ترضى سوى بالفرقة والتعصب والكراهية، وإذكاء نار الحروب، وسفك الدماء؛ تلبية لنداء الشيطان الساكن في أعماقهم والمستحوذ عليهم.
في المقاطع الأخيرة من قصيدته "فتنة الإرهاب"، يدعو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جميع المسلمين خصوصًا الفقهاء المعتدلين منهم والحكماء، إلى وقفة منيعة ومانعة من انتشار هذا الفكر الفاسد، حتى تسهم هذه الوقفة الحكيمة في "حسم الشر، واجتثاث الخراب". ويؤكد أن محاربة هذا الفكر لا تكون بالقوة العسكرية الرادعة فقط، بل من خلال فكر مستنير يهزمه، ويسد منافذ شروره، ويحذر الأجيال الجديدة من زلاته العقائدية المنغلقة والخطيرة التي تعمل في الجانب المضاد من النهج الإسلامي المنفتح والإنساني القائم على التعارف والمحبة والتعايش بين كل بني البشر، باختلاف أعراقهم وألوانهم ومرجعياتهم.
وتعليقًا على قصيدة "فتنة الإرهاب" يرى الناقد علي العبدان أن هذه القصيدة العصماء للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تخاطب الأحداث الراهنة والمؤسفة التي تسيئ إلى الإسلام والإنسانية الحقّة، مشيرًا إلى أنها قصيدة تدافع عن جوهر الدين السامي الذي يتعرض للتشويه حاليًا على يد مجموعات ضالة ومنحرفة أساءت فهم قيمة وجوهر الرسالة المحمدية، والقصيدة أتت متناسبة في معانيها ومفرداتها وموضوعها مع صورها التشبيهية وبنائها الموسيقي. منوها بأنه من دقة وحسن الشاعرية التي يتمتع بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استعانته في هذه القصيدة بوزن "الرمل"، وهو وزن شجي ويصلح لهذه الموضوعات الكبرى في تاريخ الأمة، مضيفًا أن قافية القصيدة جاءت مقيدة وليست مطلقة أو معرّبة؛ لأن كل أواخرها سكون على جميع الحروف؛ لإتمام تكرار الصدى في الجرس اللفظي، لتبقى قيمة القول حاضرة ومستمرة في الذهن، وأشار العبدان إلى الذكاء والألمعية في اختيار هذه القافية المقيدة نظرًا إلى قيمة وأهمية الموضوع المطروح والمصاغ في القصيدة.
وقال العبدان "إن تساؤلات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في هذه القصيدة مشروعة من قائد عربي يريد بناء أمته، ومن مسلم عربي يسعى للنهضة والتطوير ونماء الإنسان روحيًّا وفكريًّا، كما أن هذه التساؤلات التي طرحها ليست لمجرد الاستفهام، ولكن للإنكار ومعارضة الأفكار الهدامة التي تحاول إطاحة الإنجازات الحضارية القديمة والراهنة للإسلام والمسلمين".
قصيدة تلامس القلوب
أما الشاعر الإماراتي عبد الله الهدية، فيرى أن الاستهلال في القصيدة كان موفقًا وقريبًا من نبض ومشاعر المسلمين بعد حوادث الإرهاب الأخيرة والمؤسفة، خصوصًا في الإشارة الواضحة إلى أن الإرهاب لا ينتمي للدين الإسلامي الحقيقي والنقي. مضيفا أن قصيدة "فتنة الإرهاب" جاءت ردة فعل حزينة وغاضبة أيضًا على ما اقترفته يد الإرهاب، وقال إنها قصيدة مفتوحة على الوجع الإسلامي الراهن، وهي تلامس القلوب والعقول، وتحذر من ويلات ومآلات اتباع النهج المتشدد والدموي للإرهابيين الذين يلبسون مسوح الإسلام، ويضمرون في أعماقهم كل الشرور الشيطانية وكل الآثام التي تنفر منها الفطرة الإنسانية السوية والسليمة.
ولفت الهدية إلى أن القصيدة تطرقت لحدث الساعة وللجرائم التي هزت مشاعر الجميع بأسلوب سهل وممتنع وغير نخبوي، وكأنه يخاطب الجميع، الصغار والكبار، وعموم المسلمين حتى يصل خطابه الشعري إلى أكبر شريحة ممكنة، سيما أولئك المتعاطفين مع فكر الجماعات المتطرفة لجهل منهم أو قصر نظر أو سوء تقدير. ملمحا إلى أن القصيدة تتضمن إشارة تاريخية مبطنة تتعلق بعهد الحشاشين، وكيف أن زعماء هذه الحركة استطاعوا أن يخدروا عقول أتباعهم الجهلة، وأن يسيطروا على ملكاتهم ووعيهم من خلال وعود زائفة وجنات وهمية، وليتحول هؤلاء السذج إلى أدوات قتل في يد المتحكمين بهم واللاعبين بمصائرهم، إلى أن يقودوهم في النهاية إلى الجحيم بدلًا من الفردوس المزعوم، وإلى الهاوية بدلًا من الفوز والخلاص.
واختتم تعليقه بالإشارة إلى نهايات القصيدة التي حملت روح الأمل والحث على العمل لاجتثاث جذور هذه الأفكار التخريبية، مشيرًا إلى أن جرعة الأمل هذه قادرة على تخطي الفاجعة التي تصدرت معظم أبيات القصيدة في البداية والوسط، خصوصًا تلك المتعلقة بالتفجير الإجرامي قرب المسجد النبوي، فقد أورد تناصًّا مع الآية الكريمة التي تقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل". موضّحًا أن هذا التناص يؤكد أننا لسنا أمة التباكي، بل نحن أمة قادرة على مواجهة هذا الفكر الشرير بكل الوسائل المادية والمعنوية والفكرية والاستباقية التي تردع حاملي لواء هذا المسلك الإبليسي، والسائرين في ركبه من الجهلة المتعصبين وشُذّاذ الآفاق.