الخرطوم ـ عادل سلامه
أربكت إعادة الفريق أول صلاح عبدالله الشهير بـ«صلاح قوش» إلى منصبه مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، حسابات المحللين والسياسيين، معارضين وحكوميين، وفاجأتهم، وأثارت أسئلة وتكهنات بتعديلات وزارية كبيرة في الحكومة، يرجح أن يعلنها الرئيس البشير في غضون ساعات، وتتضمن حل الحركة الإسلامية، وقبل صدور هذا المرسوم، لم يكن أحسن المتفائلين يتوقع تعيين الرجل مجددًا مديرًا للجهاز الحساس، أو أن يعود إلى أي منصب عام، بعد أن أقيل في 2009 من دون إبداء أسباب، وبعد اتهامه بتدبير «انقلاب» ضد الرئيس عمر البشير، وسجنه وتقديمه لمحاكمة، وإطلاق سراحه بعفو رئاسي ابتعد بعده عن الأضواء.
وفاجأ البشير السودانيين بإعادة رجل أمنه القديم إلى منصبه. وأوردت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» خبرًا مقتضبًا، الأحد، أفاد بأن الرئيس أصدر مرسومًا بتعيين الفريق أول مهندس صلاح عبدالله محمد صالح، مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني. ولم تقدم تفاصيل أكثر عن خلفيات التعيين أو عن مصير رئيس الجهاز المُقال الفريق أول محمد عطا المولى عباس، وفور تعيينه، أدى قوش اليمين الدستورية أمام الرئيس البشير، بحضور رئيس القضاء حيدر أحمد دفع الله، ووزير شؤون الرئاسة فضل عبدالله فضل، ومدير مكاتب الرئيس حاتم حسن بخيت.
وفور صدور قرار عودة قوش، راجت معلومات عن تعديلات وزارية كبيرة ينتظر أن يقوم بها البشير، تطول عددًا من كبار مساعديه، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتدهور سعر العملة الوطنية، والغلاء الطاحن وارتفاع أسعار الخبز والسلع الرئيسية الأخرى، ونظمت قوى معارضة الشهر الماضي، احتجاجات ومظاهرات على ارتفاع الأسعار، خصوصًا سعر الخبز، واجهتها الشرطة والأجهزة الأمنية بعنف لافت، مستخدمة العصي والهراوات والغاز المسيل للدموع.
ويعتقل جهاز الأمن منذ الشهر الماضي، عددًا من قادة المعارضة والنشطاء السياسيين والمدنيين، على خلفية تلك الاحتجاجات، ومن أبرزهم سكرتير «الحزب الشيوعي»، ونائب رئيس «حزب الأمة» المعارض، ورئيس «حزب المؤتمر»، قبل أن يفرج عن عدد منهم الأسبوع الماضي.
وتدرج قوش في أجهزة الأمن والمخابرات السودانية، حتى أصبح مديرًا عامًا للجهاز قبل أن يقال منه في عام 2009، ويعين مستشارًا أمنيًا، ثم يتهم بتدبير انقلاب عسكري بالتشارك مع ضباط في الأمن والجيش.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أعلن وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة أحمد بلال عثمان في مؤتمر صحافي، اعتقال 13 ضابطًا في الجيش وجهاز الأمن لضلوعهم في محاولة انقلابية بقيادة قوش، وبمعاونة قائد الحرس الرئاسي الأسبق العميد محمد إبراهيم، وأن أجهزة الأمن أفلحت في إحباطها قبل ساعة الصفر.
ويذكر أن الرجل الذي دونت لصالحه سابقة رئاسة جهاز الأمن السوداني لمرتين في ملابسات غامضة، انتمى إلى الحركة الإسلامية باكرًا، وطوال تاريخه ظل قريبًا من الملفات ذات الطابع الأمني، فمنذ كان طالبًا في جامعة الخرطوم، أوكلت إليه مهمة إدارة «جهاز معلومات» تنظيم الإسلاميين المعروف بـ«الاتجاه الإسلامي»، الذي أفلح في عهده أن يكون أقوى تنظيم سياسي طلابي.
وبعد انقلاب 30 يونيو/ حزيران، الذي دبره الإسلاميون السودانيون بزعامة الراحل حسن الترابي، وأتى بالعميد عمر البشير إلى القصر الرئاسي، ألحق قوش بجهاز المخابرات الذي أسسه النظام الجديد، مدفوعاً بخلفيته وتجربته في أجهزة العمل السري الخاصة بالحركة الإسلامية.
وأخذ الرجل لقبه «قوش» من اسم أستاذ رياضيات هندي شهير كان يدرس لطلاب الهندسة في جامعة الخرطوم، ولا يعرف ما إن كان اللقب أطلق عليه لذكائه المقارب لذكاء أستاذه، أم أن اللقب أتاه نوعاً من أنواع السخرية، لكنه في النهاية أصبح يعرف بـ«صلاح قوش"، ساعدته خبراته في التدرج في جهاز الأمن، فترقى تباعًا إلى أن وصل إلى منصب نائب مدير العمليات، بيد أن ترقياته تعرضت لانتكاسة، إثر اتهامه وآخرين بالضلوع في محاولة «اغتيال» الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، فأبعد عن منصبه، مديرًا لمصنع «اليرموك» للصناعات الحربية الذي دمره الطيران الإسرائيلي بغارة جوية في أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وفي رمضان 1999، اختار قوش الانحياز إلى معسكر البشير ضد معسكر الترابي. ويتردد أنه لعب دورًا رئيسًا في إبعاد أنصار الترابي داخل الأجهزة الأمنية، وأشرف شخصيًا على اعتقال الترابي والقيادات الإسلامية الموالية له، بعد أن وجهت إليهم تهمة محاولة تدبير انقلاب عسكري، أما قوى المعارضة، فتصفه بأنه رجل الأمن الأكثر فظاظة ووحشية، فيما تتهمه دوائر في الحكم بتحويل جهاز الأمن إلى دولة داخل الدولة، بسيطرته على النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرياضي في البلاد.
وخارجيًا، يحتفظ قوش بعلاقات متشعبة مع أجهزة أمن واستخبارات خارجية في الإقليم والعالم، وأهمها الاستخبارات المركزية الأميركية التي تعاون معها في برامج مكافحة الإرهاب، من دون أن يتأثر هذا التعاون بإدراج اسم السودان ضمن قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وبلغت علاقة قوش بالمخابرات الأميركية أن دعته إلى زيارة معقلها في لانغلي، ورغم أن التسريبات التي خرجت بعد الزيارة أشارت إلى أنها لم تكتمل، لكن راج عنها أنها محاولة لإعداد الرجل لخلافة البشير. وبلغت شائعات تلك الفترة أن محاولة الانقلاب التي اتهم بتدبيرها كانت بدعم أميركي، وأن ترتيبها تم منذ ذلك التوقيت.
ولم يشفع كل هذا للرجل، إذ أدخل المعتقل الذي أدخل فيه خصومه السياسيون، لكن الرئيس البشير أصدر عفوًا عن حليفه السابق الذي كان يخضع لمحاكمة بتهمة تدبير انقلاب ضد الحكم، بعد أن خضع لاعتقال مطول، تعرضت حالته الصحية خلاله إلى اضطرابات، ثم فاجأ الناس بإعادته «سالمًا» إلى معقله القديم في الجهاز الذي ظل بعيدًا عنه لقرابة عقد من الزمان.
وولد صلاح عبدالله قوش بقرية بلل في ضواحي محلية نوري بشمال السودان، معقل عشيرته الشايقية، ثم انتقل إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد، ودرس فيها المرحلة الثانوية، وانتمى هناك إلى الحركة الإسلامية، وتخرج في كلية الهندسة في جامعة الخرطوم، ثم عمل مهندسًا مدنيًا في شركات الإسلاميين قبل الانقلاب.