دبي - صوت الإمارات
ناقش تقرير "سياسة السعادة العالمية 2018"، الصادر عن شركة الاستشارات العالمية "إيه تي كيرني"، وبالتعاون مع القمة العالمية للحكومات، تأسيس مجلس السعادة العالمي كشبكة عالمية جديدة تضم رواداً أكاديميين متخصصين في مجال السعادة. وقال التقرير إنه انطلاقاً من تصريحات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حول السعادة ووصفها بالعدوى المحمودة، وعملاً برؤيته بأن دور الحكومات تحقيق السعادة لشعوبها، انبثق مجلس السعادة العالمي كشبكة عالمية جديدة تضم رواداً أكاديميين متخصصين في مجال السعادة.
ومتمرسين أساسيين في مجالات تتنوع بين علم النفس والاقتصاد والتخطيط المَدني، والمجتمع المدني والشركات والحكومة. ويحدد المجلس أفضل الممارسات على المستويين الوطني والمحلي لتشجيع تطوير أسباب السعادة والرفاه. ويشرف أعضاء المجلس على 6 مجموعات أساسية تتوزع على التعليم والعمل والسعادة الشخصية والصحة العامة وتصميم المدن والإدارة، التي تصدر فصلاً يتعلق بالتوصيات ضمن تقرير سياسة السعادة العالمية الذي يصدر سنوياً ويطرح في القمة العالمية للحكومات. ويقدم التقرير أدلة ونصائح السياسة لمشاركة الحكومات في أفضل الممارسات لتعزيز السعادة.
ويأتي عمل المجلس مكمّلاً للتقارير العالمية للسعادة والأبحاث الأخرى المتعلقة بقياسها وشرح فحواها. ويهدف مجلس السعادة العالمي لاستطلاع ومشاركة سياسات أفضل الممارسات المستقاة من بيئة الأبحاث، وتجارب الحكومات حول العالم. وجاءت القمة العالمية للحكومات 2018 التي احتضنتها دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل كمّ هائل من الصراعات الدامية والتهديدات الفعلية. حيث يقبع عدد من الدول في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا في دوامة صراعات مسلحة مستعرة لا تسعى القوى الإقليمية والعالمية الأساسية إلا للتكسب منها على حساب معاناة الشعوب وموت الناس في حروب تحصل بالوكالة.
ولا يزال التسلح بالعتاد المتطور يتدفق تغذيةً لتلك الحروب. ومن غير المرجح ربما أن يحظى مفهوم السعادة بكثير من الآذان الصاغية في زمن الاضطرابات، إلا أن الناس من حول العالم يتوقون للسعادة لا للحرب. وأدرك بعض حكماء قادة السياسة أن عملهم يقتضي تقديم كل ما يخدم الصالح العام والاهتمام المشترك، فلم يعد المواطنون اليوم يقبلون بأن يشكلوا وقود حروب ساسة. وليست الحوكمة الجيدة بأكثر من قادة سياسيين يعملون لخير المواطن ويسعون لخدمة الصالح العام.
ويفصل التقرير فصلاً كاملاً بعنوان "مدن سعيدة في عالم ذكي" يرمي من خلاله إلى توصية الحكومات المحلية العاملة على رفع مستويات السعادة والرفاه في مدنها. "ما هدف الحكومة إن لم يكن العمل باتجاه إسعاد الشعب، إن واجب الحكومة ودورها يقضيان بخلق الظروف المناسبة للشعب ليختار أن يكون سعيداً". والكلام هنا لمعالي عهود خلفان الرومي، وزيرة الدولة للسعادة.
وهو يحيط بتوجه القيادة في الإمارات العربية المتحدة نحو وضع أهداف أشمل وأبعد من مجرد النمو الاقتصادي وإشراك المجتمع. وتنطوي مسؤوليتها الأساسية على مواءمة كافة مخططات الحكومة وبرامجها وسياساتها من أجل الوصول إلى مجتمع أكثر سعادةً من خلال البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية.
وتهدف الأجندة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى ترسيخ البلاد كواحدة من أسعد دول العالم. وفي تقرير السعادة العالمة للعام 2017، الذي يصنف 155 دولة بحسب مستوى سعادة مواطنيها، حلت الإمارات في المرتبة 21 وشكلت الدولة الأسعد في المنطقة. ويلعب التعليم الإيجابي بمدارس الدولة دوراً محورياً في المساعدة على تحسين مستوى السعادة عبر تشجيع رفاه الطلاب لتطوير ميزات شخصية إيجابية. وعلى المستوى الوطني، أطلقت حكومة الإمارات مشروعاً رائداً في التعليم الإيجابي حيث تلقى الأساتذة والقادة من 10 مدارس رسمية في سبتمبر 2017 تدريباً في التعليم الإيجابي.
ويعتبر التعليم الإيجابي في الإمارات أحد أبرز العوامل المساهمة الهامة في السعادة العامة. ويشكل تأكيد أفلاطون بأن المدينة انعكاس لمواطنيها تذكيراً جيداً بمدى أهمية الإنسان ودوره المركزي في تصوّر أي مدينة، وإن رفاهه بالتالي مسألة حيوية قصوى. ويكتسب الأمر أهمية خاصة على اعتبار أن 75 % من سكان العالم سيعيشون في المدن بحلول عام 2050 وفق التوقعات. وقد تتنافى هذه الآراء ربما مع تعريفات تخلو من روح المدينة وتعتبر مجرد مساحة جغرافية مدنية ذات حكومة محلية أو أكثر وهيئات تخطيطية.
فوائد
ولكن بالنظر إلى أصل المدن باعتبارها اقتصادات التكتلات، وقد وصفها المؤرخون بأنها الوحدة السياسية والاجتماعية الأكثر نجاحاً وثباتاً في بلاد الرافدين. حيث بدأت أولى شرائح المجتمعات الواسعة تتطور، وأخذت الشعوب تستفيد من نظام يتخطى هامش البقاء ويسير نحو إنتاج الفائض وتنويع النشاطات الثقافية، وبأعداد هائلة مطّردة. مما أدى إلى ولادة المدينة الصيغة الجديدة من المجتمع الجماعي. وتتمثل بعض الفوائد الجوهرية للمدينة بالاختلاط الاجتماعي، والتجارة والأمان والاستقرار الاجتماعي، التي لا بد لها من دعمها.
أمل العالم
في سياق الحوكمة الجيدة في القرن الـ 21 يعتبر جيفري ساكس، مدير مجلس السعادة العالمي أن الحركة العالمية لوضع السعادة في أساس الحوكمة إنما تعكس مزيجاً من المثالية الملهمة والواقعية العملية. وأما المشككون في الحركة فيعتقدون بأن القوة لا السعادة تشكل عمل الحكومة. إلا أن السعي وراء السعادة ليس أمراً مثالياً وحسب، بل أمل العالم الأمثل والأوحد ربما لتلافي كارثة عالمية.
وأعلن الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي في خطابه الافتتاحي في 20 يناير/كانون الثاني 1962 شرط الحداثة بالقول: "في أيدي البشر الفانين تكمن القدرة على إنهاء كافة أشكال فقر الإنسان وكافة أشكال الحياة الإنسانية"، وحين تفوه كيندي بتلك الكلمات الشهيرة كان الخطر المدلهمّ متمثلاً بحرب نووية، أما اليوم فتبرز أشكالاً أخرى للمخاطر العالمية.
لا سيما الاحتباس الحراري وسرعة انتشار الأمراض الناشئة والقضاء على التنوع البيولوجي الناجم عن أعمال البشر. إن اختيار السعادة مقابل القوة يعدّ بالتالي طريقنا نحو الأمان والنجاة العالمين. ومن شأن الشفافية والحوكمة الجيدة أن تعززا حس العدالة والثقة باعتبارهما مساهمين معروفين للرفاه المتطور، ويذكر أن الصحة العامة وسهولة الحركة ومساحات السكن والبيئة المادية السليمة تشكل جوانب تتيح تحقيق الفوائد المذكورة.
المجلس الذكي.. أفكار مبتكرة لتطوير دبي
في عام 2015 أطلقت قيادة دبي المجلس الذكي وأعلنت أن الغاية منه منح جميع أفراد المجتمع فرصة حضور المجلس وطرح الأفكار والتعليقات والتشاور فيما بينهم والعمل يداً بيد لتعزيز مسيرة النمو. ولا يمكن تطبيق ذلك إلا من خلال دمج الفكرة التقليدية للمجلس مع التكنولوجيا الحديثة. ويعتبر المجلس الذكي منصة تطبيق إنترنتية عبر الهاتف تتيح للمشاركين من أي مكان في العالم تقديم المقترحات والأفكار المبتكرة الهادفة نحو تحسين وتطوير مدينة دبي. وتتمثل أهداف المبادرة المعلنة في توفير قناة اتصال مباشرة مع كبار قادة المدينة. ويمدّ النظام الإدارة بسيل من الأفكار والتصورات المتدفقة، مع الحرص في الوقت عينه على الشمولية والابتكار المجدي.
وتشكل شفافية سير العمل أحد جوانب المبادرة الجوهرية. ويمكن للمشاركين، في ظل وجود ما يزيد على 41 هيئة حكومية وشبه حكومية مسجلة في التطبيق تعقب ومتابعة اقتراحاتهم ومعرفة ما إذا كانت أفكارهم قد قبلت، رفضت أو أعيد توجيهها. وتعتبر الهيئات المتلقية مسؤولة عن الأفكار التي تردها وملزمة بتقديم أسباب واضحة لرفضها.
ويعتبر الأفراد أصحاب الأفكار المقدّمة مالكي حقوق مقترحاتهم؟ وتشكل الثقة عاملاً مهما في تعاملات المستخدمين، لا سيما بعد إعلان صاحب السمو، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلجلس الوزراء، حاكم دبي، القيام شخصياً بمتابعة الأفكار التي تصل عبر التطبيق. ومن اللافت أن 50 بالمئة من الأفكار مصدرها مواطنو مدينة دبي.
مدينة سعيدة
كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤدي دوراً في المدن السعيدة؟ منذ بداية عصر ارتقاء المدن قبل آلاف السنين، لعبت التكنولوجيا دوراً فعالاً في مجال التطور، ومباشراً في إطار البنى التحتية، والتوثيق ومختلف المهن التي وطدت التجارة، إضافةً إلى اختراع العجلات.
وتشكل التكنولوجيا جزئية لصيقةً بحياة المدينة. وتوفر التكنولوجيا الرقمية واسعة الانتشار اليوم المزيد من الفرص لتعزيز نوعية الحياة. يشهد العالم حالياً الثورة الصناعية الرابعة، حيث تعمل التكنولوجيا على دمج العالم المادي والرقمي والبيولوجي، وتعد بمزيد من القيمة الممنوحة للشعوب. ولا بد لتصميم المدينة من تأمين دعم تلك الفوائد وقد تستخدم للتعزيز، وتحظى بالتالي بفرصة قيادة مدينة أكثر سعادةً.
ومع ذلك فإنه لا بدّ لأي ذكر للتكنولوجيا من أن يسخّر للغاية الأسمى المتمثلة بخدمة الشعوب. علماً أن لبنات البناء الأساسية نحو تأسيس مدن أكثر صحةً وسعادة لم تتبدل. ويتعين ألا يحجب التركيز على التكنولوجيا الحديثة إدراك ماهية المبادئ الأساسية. إذ أن المدينة الذكية بحق هي تلك التي تستجيب لمعطيات الصحة العامة والسلوكيات السيكولوجية، والمبادئ الأخرى بابتداع تصميم ذكي ونظام بنى تحتية يستفيدان من النمو الهائل للبيانات وتوفرها باستخدام مختلف تقنيات التصميم، وخلق علم جديد للمدن.
وتظهر مختلف المدن نواياها بوضوح، كما في رؤية دبي الذكية الحريصة على جعل دبي المدينة الأكثر سعادةً على وجه الأرض. ويتعين على القيمين على المدينة، في إطار "الاستجابة" تطوير مشاريع تكتيكية تزيد من تطوير استراتيجية المدينة. ولا بدّ أن يتمتع هؤلاء بالمقدرة على ترتيب مثل تلك المشاريع حسب الأهمية استناداً إلى المصادر المتوفرة، ومعايير أخرى ذات صلة. ولهذه الغاية، تعاون مكتب "دبي الذكية" مع جامعة أوكسفورد ومنظمة "غالوب" لتطوير مؤشر السعادة الذكية.
ويوفر هذا المؤشر المركب، المستقى من تحليل البيانات الكمية، حلقة وصل بين السعادة وجوانب استراتيجية دبي الذكية 2021 الستة وتضم الاقتصاد، الشعب والمجتمع، الحوكمة، سهولة التحرك، البيئة، والحياة.
السعادة موضوع علمي لا مجرد شعار
وأكدت عهود الرومي وزيرة دولة للسعادة عند إعلانها عن البرنامج الوطني للسعادة، أن السعادة باتت موضوعاً علمياً لا مجرد شعار أو توجه، وأن الحكومة تؤسس لتجربة جديدة تتجاوز الأبعاد الفلسفية للسعادة إلى الجانب العلمي، فالسعادة مجال للبحث والدراسة والقياس يستند إلى أدوات علمية، مبينة أن أكبر الجامعات في العالم وأكثرها عراقة كـ "هارفارد" تدرس السعادة.
ولديها 29 بروفيسوراً لتدريسها في كلية الطب، ويوجد في موقع أمازون 78 ألف عنوان يتناول هذا الموضوع، إضافة إلى 58 محاضرة في "TED" عن السعادة يشاهدها ما يقارب 100 مليون شخص، إضافة إلى مؤسسات وجهات عالمية تقيس وتقيم مستويات السعادة لدى مختلف الشعوب. وأكدت آنذاك أن الإمارات تحديداً لها خطط وبرامج وسياسات لتتوافق مع هذا المفهوم، والحكومة فيها متضامنة لتقديم السعادة سواء على الصعيد المحلي أو الاتحادي أو الخاص.
وأن الحكومة الاتحادية فيها ما يزيد على 50 جهة متنوعة، وتضم أكثر من 90 ألف موظف، وميزانيتها تصل إلى 48.5 مليار درهم كلها مسخرة لتحقيق السعادة لمجتمع الإمارات، مؤكدة في الوقت ذاته أن السعادة برأيها هي: السعادة المستدامة التي تبقى للأجيال المقبلة، وهي التي يتم فيها حفظ حقوق كافة فئات المجتمع.
الوظيفة الرئيسة للحكومة إيجاد السعادة
تعتبر حكومة دولة الإمارات أن السعادة هي وظيفة مهمة بالنسبة إلى الحكومات، وأن الوظيفة الرئيسة للحكومة هي إيجاد السعادة، ففي عام 2011 شجعت الأمم المتحدة الدول الأعضاء للنظر إلى السعادة كنهج شمولي للتنمية، وترى الحكومة أن دورها هو خلق مناخ يمكن للناس الازدهار فيه ويمكنهم الاستفادة من أقصى طاقاتهم.
والاختيار بأن يكونوا سعيدين لأن السعادة خيار داخلي، لذلك تعي الدولة أن خلق المعرفة أمر هام لمساعدة الناس على اتخاذ قرارات صائبة ليكونوا سعداء في حياتهم.
وفي هذا السياق، اعتمد مجلس الوزراء الميثاق الوطني للسعادة والإيجابية والذي ينص على التزام حكومة دولة الإمارات من خلال سياستها العليا وخططها ومشاريع وخدمات جميع الجهات الحكومية على تهيئة البيئة المناسبة لسعادة الفرد والأسرة والمجتمع وترسيخ الإيجابية كقيمة أساسية فيهم مما يمكنهم من تحقيق ذواتهم وطموحاتهم.
كما اعتمد مجلس الوزراء مجموعة من المبادرات والمشاريع ضمن البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية الذي عرضته عهود بنت خلفان الرومي، سياسات وبرامج وخدمات لموظفي الحكومة لخلق بيئة العمل الحكومية الأسعد عالمياً.