المتطرف المعتزل قلب الدين حكمتيار

دعا قلب الدين حكمتيار أحد أبرز أمراء الحرب في أفغانستان في أول خطاب له، حركة طالبان إلى وقف القتال، وقال حكمتيار لحشد من مؤيديه وسياسيين أفغان حضروا لاستقباله في إقليم لغمان شرق العاصمة كابول "أدعوكم للانضمام إلى قافلة السلام ووقف تلك الحرب غير المقدسة التي لا جدوى منها ولا معنى لها، أريد أفغانستان إسلامية وحرة وفخورة ومستقلة" وهذا هو أول خطاب رسمي لحكمتيار بعد نجاح عمليه السلام بينه وبين الحكومة في كابول، بعد موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير /شباط الماضي على إسقاط عقوبات مفروضة على زعيم الحرب حكمتيار مما مهد الطريق لعودته إلى أفغانستان والانخراط المزمع في العملية السياسية الهشّة ولعب دور في إحلال السلام في بلاده.

 ورحبت الحكومة الأفغانية بدورها بعودة حكمتيار إلى أرض الوطن، حيث قال مكتب الرئيس أشرف غني في بيان إن عودة زعيم الحزب الإسلامي حكمتيار ستكون لها آثار مهمة على تحقيق السلام والاستقرار والرخاء والتنمية في كل الجوانب، لكن الاتفاق المبرم بين الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار والحكومة الأفغانية تعرض لانتقادات من بعض الأفغان ومن جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بسبب العفو الذي منحه لحكمتيار والكثير من مقاتليه الذين خرجت الدفعة الأولى منهم من سجن بول شرخي في كابول، حيث علّق بعض المحللين الأفغان ونشطاء في مجال حقوق الإنسان على عودة حكمتيار بهذه الطريقة بأنها ستضيف إلى ثقافة الإفلات من العقاب وأنها إهانة لضحايا الانتهاك بحقوق الإنسان.

وظل حكمتيار شخصية جدلية خلال الحرب الأفغانية ضد السوفيات في الثمانينات والحرب الأهلية في التسعينات واتهم بأنه أمر مقاتليه بقصف كابول بالصواريخ مما أدى لسقوط الكثير من الضحايا إضافة لانتهاكات أخرى وتدمير العاصمة، ولا يلعب الحزب الإسلامي الذي يتزعمه حكمتيار دورًا كبيرًا في الصراع الحالي في أفغانستان، حيث تضطلع فيه "طالبان" بدور قيادي في قتال الحكومة المدعومة من الغرب وبقايا القوات الدولية المنتشرة في هذا البلد، وكانت الولايات المتحدة الأميركية التي تقود حملة عسكرية دولية في أفغانستان على مدى السنوات الـ15 الماضية صنفت حكمتيار على أنه "متطرف عالمي" خلال اختبائه لنحو 15 عامًا، غير أن قادة أميركيين وغربيين أشادوا بالاتفاق معه على أمل أن يساعد في التوصل لاتفاق سلام أشمل في أفغانستان، وركز حكمتيار في أول خطاب له على قضية إنهاء الحرب الجارية في البلاد، مشيرًا إلى أن حركة طالبان لن تحقق أهدافها لحكم دولة من خلال الحرب والعنف.

وأضاف أنه لا يمكن لأحد أن يحكم الدولة الأفغانية، باستخدام القوة، وحث "طالبان" على تبني السياسة بدلًا من الحرب والعنف لتحقيق أهدافها وأصدر حكمتيار تلك التصريحات، مؤكدًا أيضًا على إجراء مفاوضات أفغانية داخلية لتحقيق السلام والاستقرار قائلًا إن الأجانب لن يحققوا السلام على الإطلاق في البلاد.

وتابع حكمتيار أن حزبه كان سيواصل القتال، إذا كان ذلك لتحقيق الأفضل للبلاد والإسلام، لكنه أصر على أن الحرب والعنف ليسا خيارًا، وليس هناك أية حاجة للاستمرار في "الجهاد"، مشيرًا إلى أنه يتعين أن يكون هناك نظام مركزي قوي، يوحد الشعب ويعكس إراداته، وتثير عودة حكمتيار إلى كابول مخاوف كثيرة وسط تحديات سياسية وأمنية غير مسبوقة تواجهها أفغانستان، كما تذكر الأفغان ذكريات مريرة من الفوضى والصواريخ التي كانت تسقط على سكان المدينة، لكنها في الوقت نفسه تبعث أيضًا بصيصًا من الأمل في تحقيق السلام المنشود.

وقوبلت عودة حكمتيار في مناطق الشرق في ننجرهار ولغمان بالترحيب من جانب عدد غفير من الأفغان أرهقتهم الحرب الجارية منذ أربعة عقود، وقال حكمتيار مخاطبًا معارضيه من الأحزاب والفصائل أنه يمد يد التعاون والسلام "وعلى الجميع أن ينسى الماضي ونعمل معًا من أجل بناء الوطن وتوفير حياة كريمة للمواطن"، وخاطب "طالبان" قائلًا: "بدأنا الجهاد في الوقت الذي لم تكونوا ولدتم ولو كان في الحرب فائدة لكنت واصلت معكم، انتهى وقت الحرب وحان وقت البناء"، وكان حكمتيار شارك في الحرب الأهلية التي وقعت بين فصائل متناحرة بين 1992 و1996،  وكان الحزب الإسلامي، هو ثاني أكبر جماعة متمردة في أفغانستان، قبل التوقيع على اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية في سبتمبر أيلول الماضي، نفذت سلسلة عمليات حربية في شمال وشمال شرقي أفغانستان، حيث تردد أن قواعدها توجد داخل باكستان، واتفاق الحزب الإسلامي مع الحكومة الأفغانية يضمن "حصانة قضائية" لجميع أعضاء الجماعة، وسيتم إطلاق سراح جميع سجناء الجماعة المحتجزين لدى سجون الحكومة الأفغانية.

واختفى حكمتيار عن الأنظار بعد الهجمات المتطرفة التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول في عام 2001 في الولايات المتحدة، والغزو الأميركي اللاحق لأفغانستان، رافضًا الانضمام إلى الحكومة الجديدة، وأعلن "الجهاد" ضد القوات الأجنبية، ويعتقد بعض المحللين الأفغان أن عودة حكمتيار إلى المشهد مجددًا ستعمق الخلاف الطائفي والعرقي من جديد وستبرز مشكلات وأوجاعًا جديدة للحكومة التي تقاتل من أجل البقاء وفشلت في بناء الثقة بين أطراف الصراع.

ويقول أحمد سعيدي، وهو كاتب ومحلل سياسي ينتقد أداء الحكومة بأن الرئيس أشرف غني سيواجه أوقاتًا صعبة وسيواجه مزيدًا من العزلة من قبل حلفاء له وقفوا معه في الحملة الانتخابية وأوصلوه إلى سدة الحكم، مشيرًا إلى أن مقدمات الشرخ بين الساسة الأفغان الذين ينتمون إلى عرقيات مختلفة بدأت تظهر مع ظهور وعودة حكمتيار المثير للجدل في التاريخ الأفغاني.

 وفي غضون ذلك، وصل أوائل عناصر مشاة البحرية الأميركية "المارينز" إلى ولاية هلمند في جنوب أفغانستان التي تسيطر حركة طالبان على قسم منها، وذلك لأول مرة منذ انسحاب القوات الأميركية منها عام 2014، من دون أن تتمكن من التغلب على التمرد، ووصل عناصر المارينز الثلاثين، من فرقة يبلغ إجمالي عناصرها 300، خلال الأيام الماضية، وسيواصلون الانتشار في وقت باشرت حركة طالبان "هجوم الربيع" السنوي، متوعدة باستهداف القوات الأجنبية والحكومية.

وشارك قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان الجنرال جون نيكولسون في حفل أقيم بمناسبة عودة قوة النخبة التي منيت بخسائر فادحة في هذه الولاية المضطربة وتعد مركزًا لإنتاج القنب والخشخاش في البلاد، وتم إرسال طلائع "المارينز" في سياق التبديل الاعتيادي للقوات الأميركية التي تنشر 8400 عنصرًا في أفغانستان في إطار قوات الحلف الأطلسي، بهدف دعم القوات الأفغانية في تصديها للمقاتلين المتشددين أن 2150 منهم يقومون بعمليات خاصة ضد المجموعات المتهمة بالتطرف.